عدن وميراث الأسلاف
ضاق الناس في عدن ذرعا بأحوالهم التي لا تسر، ومن الطبيعي ان تضيق بك ارضك اذا سيطرت عليها بندقية غير منضبطة بقانون ونظام دولة ، سيطرة تفخخ الواقع بمتفجرات تتفجر في وجه الطيبين والمسالمين، لتصيبهم بأسى وبؤس، عدن السلى والحلى، تتلطخ بالدماء، وتجهش وجعا وقهر ودموع غالية، عندما تفتقد لسبل الحياة الطبيعية، فلم يعد بمقدورها ان تطمح بأكثر من ذلك، تطمح بكم ساعة كهرباء وبعد كم يوم ضخه ماء تروي الظمأ، وامن وامان، وخدمات صحية و وقائية، تقي من تفشي الأوبئة بمسميات مختلفة، وتعطي الثقة في التغلب على الرعب المتسلل بين اوساط المعنيين، لحفظ التوازن، نحتاج لكونترول مؤسسي قادر على الربط والضبط والانضباط العادل، اساس الصلاح والفلاح .
عدن والحرارة المرتفعة، والبيروقراطية الادارية وفساد الايرادات، والديماغوجية وأليات خطاب التبعية والخنوع والسذاجة والإذعان، وحلم الصيف البارد، والعهود والوعود، والاجساد المشوهة بالبثور والتقرحات بتصبب العرق، وتشوهات المخطط الحضري، الذي جعل عدن كتل خرسانية مزدحمة، تفتقد لمنافذ التهوية، وحسن المنظر، والمتنفسات والحدائق ومساحات التشجير والنوافير، حلة زاهية مزقتها البندقية واستباحتها العنجهية، افقدتها عذريتها المدنية وايقونتها البهية.
عدن مدينة اصيبت بلعنة السياسيين، حينما جعلوا منها حلبة لصراعاتهم، فافتقدت للاستقرار السياسي، أفقدها الاستقرار الاقتصادي، ودمر بنيتها الخدمية، وارثها الثقافي والفكري، وفسيفساؤها الاجتماعية، دمرت فيها قيم واخلاقيات الحياة، وغاب صوت المنطق، ليرتفع صوت البندقية، بصلف العقلية والعصبية.
في عدن لازال السياسيون يفتشون في الاوراق القديمة، للبحث عن مبررات ما يرضي جشع قوى العنف والصراعات، لا مجال فيها لتطلعات وطموح الناس البسطاء، العنف يفرض واقعه، وصار وظيفة، وتصفية حسابات، لقتل روح الثائر المتسامح مع الماضي والمتطلع لمستقبل أفضل دون عنف، لتعزيز روح الثأر وهي تبحث عن ما يروي جشعها في العنف والانتقام.
عدن العاصمة التي تجر شباب اليوم ليكن جزءا من مشكلة الماضي، لتحمله عب ثارات الماضي، ثارات ستون عاما من الفشل الذريع في ترسيخ دولة محترمة تستوعب كل الاطياف والافكار، وبلد مستقر هانئ، مواكب لتطلعات العصر والنهضة.
المتابع للسجال العقيم في قنوات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي، يعرف حجم الكارثة، وان الماضي يعيد نفسه بصورة أكثر بؤس ومأساة، عندما تشاهد شباب في مقتبل العمر، فاقد للتطلع، مشبع بثارات اسلافه العقيمة، مبرمج بحكايات انتقيت بعناية من صفحات الماضي، لهدف استمرار الصراع فقط، واستمرار حالة الاحتقان، وتسهيل حالة الارتهان لذلك الصراع، لهدف استلاب العقول وارتهان المواقف والاختيارات، لتحييد البلد وعدن عن تطورات العصر.
نحن جيل اكتوينا بنيران مراحل الصراع والنكبات، ووعينا وتطورت مفاهيمنا، وتأسست قناعاتنا، كفى حروبا ونكبات، كفى استلابا وارتهان لقوى الطغيان.
الفشل يطارنا منذ الستينات، عجزنا في تقديم دولة محترمة، تحترم كل العقول والاعراق والاطياف والافكار، وترعى حقوق التنوع الفكري والسياسي والعقائدي، دولة المواطنة والحريات والعدالة، والديمقراطية والتعدد السياسي والفكري.
فل نترك الشباب طاهرين من ثارات الماضي العقيم، يؤسسون مستقبلهم بعقلية العصر، بتطلع وطن متنوع وحر، وطموح غير مرتهن للماضي وثاراته، ومصائب الاستحواذ بالسلطة والاستئثار بالثروة، كمصدر للتناحر والاقتتال.
لن يصلح حال عدن، ما لم يستقر واقعها السياسي والاجتماعي، وتنفتح على العالم، كمركز تجاري واقتصادي هام، يحتاج لوعي، وعي بتقبل الاخر والتنوع السياسي والعقائدي والفكري، تنوع محكوم بنظام وقانون ضابط، وعقد اجتماعي متوافق عليه، ملزم للجميع، وصندوق انتخاب يجعل من الشعب مصدر للسلطات والقرارات المصيرية.
**المقال خاص بموقع “يمن مونيتور” ويمنع نشره وتداوله إلا بذكر المصدر الرئيس له.
*** المقال يعبر عن رأي كاتبه.