كشفت جائحة فيروس كورونا عن أوجه القصور لدى الحكومات في كل أنحاء العالم. في الولايات المتحدة وبريطانيا، أدى نظام الاختبارات غير الملائمة والرسائل المختلطة من القادة إلى تراجع ثقة الجمهور في القرارات التي يتخذها المشرعون. وفي العالم النامي، تفتقر العديد من الحكومات إلى القدرة على تتبع وعزل حالات الإصابة بفيروس كورونا -ناهيك عن توفير حافز اقتصادي كبير؛ حيث تعاني الشركات والأعمال من آثار عمليات الإغلاق والقيود المفروضة. وقد عانت المؤسسات متعددة الأطراف في محاولاتها اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة، خاصة وأنها أصبحت ساحات قتال للتنافس بين دول مثل الولايات المتحدة والصين.
في هذا المناخ، تقوم جهات فاعلة أخرى، من المنظمات الخيرية إلى العصابات الإجرامية، بملء الفجوة. وقد جمعنا بعضاً من أفضل مقالاتنا حول المجموعات التي اغتنمت الفرصة وتدخلت حيث تعثرت الحكومات المركزية -في كثير من الأحيان لخدمة مصالحها الذاتية.
بما أن 30 في المائة من سكان باكستان يعيشون في فقر، خشي رئيس الوزراء، عمران خان، في وقت مبكر من أن أن تكون للإغلاق الذي فُرض على المستوى الوطني -والذي انتهى في 9 أيار (مايو)- عواقب مدمرة بشكل خاص. وكتبت نيحا مقصود في 11 أيار (مايو): “عندما جاء الإغلاق، كان التنفيذ متأخراً أو تدريجياً ومجزأ، مما كشف عن افتقار الحكومة إلى سرعة اتخاذ القرار”. وبالمثل، في حين أطلقت الحكومة برنامجها للمساعدة النقدية وإنشاء صندوق للإغاثة، تقدم مواطنون عاديون لتلبية الاحتياجات المتبقية من خلال الأعمال الخيرية. واستخدمت المنظمات غير الربحية المحلية -وحتى الباكستانيون الذين يعيشون في الخارج- تطبيق “واتس-أب” ومنصات وسائل الإعلام الاجتماعية لجمع التبرعات النقدية والغذائية والصابون ومعدات الحماية الشخصية وإيصالها للأشخاص والمستشفيات المحتاجة.
لكن مثل هذه الجهود المجتمعية لا توفر أكثر من إغاثة مؤقتة، خاصة وأن الآثار الاقتصادية لعملية الإغلاق تمتد إلى ما بعد تاريخ انتهائها. وتكتب مقصود: “ليس لدى باكستان موارد وتمويل كافيين لمواجهة الأضرار الناجمة عن الإغلاق. في الوقت الحالي، يعيش البلد فقط على استعداد مواطنيه للعطاء”.
وفي أفغانستان المجاورة، واجهت الحكومة انتقادات خلال الوباء بسبب عدم إجراء الفحوص الكافية لأولئك الذين يعبرون حدودها -بما في ذلك حدودها مع إيران، التي شهدت انتشارًا مبكرًا وملحوظاً لفيروس كورونا. لكن طالبان تدّعي أنها فرضت إجراءات عزل على العائدين من إيران، بل وأنشأت مراكز الحجر الصحي الخاصة بها. وكتبت آشلي جاكسون في 6 أيار (مايو)، أن هذه الرسائل هي جزء من استراتيجية دعائية أكبر، ونشرت الجماعة المتمردة مقاطع فيديو وإعلانات تشير إلى أنها تعمل على احتواء فيروس كورونا في المناطق التي تسيطر عليها، من إجراء فحوصات درجة الحرارة إلى إنشاء فرق للمعلومات الصحية والتقصي الوبائي.
وتقول جاكسون إن المدنيين الذين يعيشون تحت سيطرة طالبان يعانون على الأرجح بشكل غير متناسب بما أن العنف المتزايد يعطل الوصول إلى الرعاية الصحية وسلاسل الإمداد. وكتبت: “سوف يفعل المانحون ووكالات الإغاثة حسناً إذا اعترفوا صراحة بأن للتمرد دور أساسي يجب أن يلعبه، وأن يدعوه إلى اتخاذ إجراءات محددة وملموسة لوقف انتشار الفيروس وتسهيل العمل الصحي. وفي غياب مثل هذا الجهد، من المرجح أن تستمر طالبان في استغلال الوباء لتحقيق أهدافها الخاصة”.
كما شهدت دول مثل المكسيك والبرازيل والسلفادور زيادة في العنف المميت على أيدي عصابات المخدرات والعصابات الإجرامية، التي تستغل فرصة الوباء لبناء القوة الناعمة من خلال توفير السلع والخدمات الأساسية للفئات الضعيفة، كما كتب روبرت موغاه في 8 أيار (مايو). وفي العديد من الأحياء الفقيرة، تفرض الجماعات الإجرامية، بدلاً من الشرطة، أوامر الإغلاق وحظر التجول. ويكتب موغاه: “قد تزديد جاذبية هذه الجماعات في وقت تغيب فيه القيادة الحكومية. وبالإضافة إلى تأجيج العنف المتصاعد، يمكن للوباء أن يعزز النفوذ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لبعض المنظمات الإجرامية بنفس الطريقة التي ظهرت بها عصابات المافيا الإيطالية ويكوزا اليابانية بشكل أقوى بعد الاضطرابات الكبيرة التي أحدثتها الحرب العالمية الثانية”.
في إيطاليا، صنع الاقتصاد المتعثر بفعل الفيروس فراغًا جديدًا للمافيا. وفي حين تجنبت المناطق الجنوبية للبلاد إلى حد كبير أسوأ الآثار الصحية للوباء، أدى الإغلاق الذي أعقب ذلك إلى فقدان العمل اليومي لعشرات الآلاف من العمال غير الرسميين، حسب ما أفادت ستيفانيا ديغنوتي في 4 أيار (مايو). وتستغرق البلديات وقتًا أطول من المتوقع لتوزيع أموال الإغاثة المقدمة من الحكومة المركزية، تاركة مجالاً لتدخل الجريمة المنظمة. وتكتب: “في نابولي، تدخلت المافيا كمزود للطرود الغذائية والقروض. وبحسب ما ورد، شوهد في باليرمو شقيق أحد زعماء المافيا وهو يوزع طرود الطعام في أفقر أحياء المدينة”.
في المقابل، تقدّم بعض المدن، مثل باليرمو، برامجها الخاصة للمساعدات الغذائية والنقدية في محاولة لمنع شبكات المافيا من استغلال الأشخاص اليائسين والعاطلين عن العمل لطلب شكل من أشكال السداد في وقت لاحق. وقال عمدة باليرمو لديغنوتي: “مع حقيقة أن باليرمو قاتلت ضد المافيا لعقود، أرى أن هذا يشكل ميزة لأننا نعرف مُسبقاً كيف نرد. نحن بحاجة فقط إلى أن نعمل بأسرع ما يمكن، وسوف نتجاوز هذا أيضًا”.
في الواقع، خلق فشل النظام العالمي متعدد الأطراف في مواجهة أزمة فيروس كورونا مباشرة فرصة لحكومات المدن والولايات حول العالم لاتخاذ إجراءات أكثر حسماً، كما كتبت نينا هاتشيغيان وأنتوني ف. بيبا في 5 أيار (مايو). و”تتعاون المدن معاً لسد الفجوة في التعاون العالمي”، كما كتبا، وتقوم بتنظيم منتديات رقمية ومؤتمرات جماعية لرؤساء البلديات لمناقشة الاستجابات الصحية، بالإضافة إلى كيفية إعادة فتح ودعم الشركات والأعمال الصغيرة. ويقوم القادة المحليون بتطوير استراتيجياتهم الخاصة مع وضع المجتمع العالمي في الاعتبار، تماماً بينما يواجه النظام متعدد الأطراف ضغوطًا شديدة.
لكن المدن ما تزال تشكل لاعبين ثانويين في صنع السياسات العالمية -وهو أمر قد يحتاج إلى التغيير في عالم ما بعد الوباء. وكتب هاتشيغيان وبيبا: “عندما تبدأ الحكومات في معالجة الركود الاقتصادي الذي أحدثته الاستجابة للفيروس، ستكون هذه المدن هي التي ستكافح بشدة لضمان أن يصبح التعافي الأخضر والمنصف هو القاعدة”.
* أودري ويلسون: محررة مشاركة في مجلة “فورين بوليسي”. قبل انضمامها إلى المجلة، عملت كمحررة ومراسلة في Phnom Penh Post، وزميلة للتحرير في مجلة “الأتلانتيك”. تخرجت من جامعة جورجتاون وجامعة SOAS في لندن، حيث حصلت على درجة الماجستير في السياسة الدولية.
*نشر أولاً في مجلة فورين بوليسي وترجمته “الغد الأردنية”