عــدن.. بين مطرقة الخوف وسندان الفوضى
تعيش مدينة عدن واقعاً أمنياً متعثراً منذ يوليو الماضي، رغم أن المدينة التي نجحت قوات التحالف العربي في تحريرها من قبضة الحوثيين في ذات الشهر قد عاشت أوضاعاً مأساوية طوال الأشهر التي سبقت تحريرها، إلا أن بعض ساكنيها مازالوا يعتبرونها محافظة منكوبة حتى بعد انسحاب الحوثيين منها. عدن/ يمن مونيتور/ تقرير خاص
تعيش مدينة عدن واقعاً أمنياً متعثراً منذ يوليو الماضي، رغم أن المدينة التي نجحت قوات التحالف العربي في تحريرها من قبضة الحوثيين في ذات الشهر قد عاشت أوضاعاً مأساوية طوال الأشهر التي سبقت تحريرها، إلا أن بعض ساكنيها مازالوا يعتبرونها محافظة منكوبة حتى بعد انسحاب الحوثيين منها.
وحسب من استطلع “يمن مونيتور”، آراءهم، فإن الأسباب في مجملها تعود إلى حالة الانفلات الأمني التي بات يلمسها السكان المحليون في أحيائهم وشوارعهم، وهي الحالة التي لم تعد تسجل تواجدها في مكان، إلا وتوقع مزيداً من الضحايا الذين يدفعون أرواحهم ثمناً لخلافات شخصية بسيطة، أو صراع على قطعة أرض، أو مطالبات مالية.
كما أن المدينة شهدت عمليات ارهابية متعددة سببت هلعا جماعيا لدى “العدنيين”، خصوصاً تلك التي طالت أهدافاً تقع على مقربة من التجمعات السكانية المدنية في مدينة اعتادت على نبذ المظاهر المسلحة، وسجلت نموذجاً يُحتذى به طوال تاريخها العريق.
عصر الإثنين الماضي، كانت عدن على موعد مع عملية إرهابية استهدفت نقطة لشباب المقاومة الشعبية على مقربة من جولة (كالتكس) التي تتوسط أربع مديريات حيوية من جانب الخط البحري وهي (الشيخ عثمان-المنصورة-الشعب-البريقة)، أسفرت عن مقتل شابين من شباب المقاومة الشعبية، فيما أحد المصابين يرقد في مستشفى بمديرية المنصورة بعد نقله إليها متأثراً بجراحه البالغة.
مساعي وأفاعي
سعت دول التحالف العربي، وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى مساعدة المجتمع العدني في إعادة جدولة حياته من جديد من خلال استهدافها بشكل مباشر قطاع الخدمات الأساسية التي يقع على رأس أولوياته قطاع الكهرباء، والصحة. وخلال الشهرين الماضيين عانى الإماراتيون كثيراً جراء الانفلات الأمني المتصاعد في المدينة، الأمر الذي أبطئ الخطوات الإماراتية، وبالخصوص بعد حادثة فندق القصر مقر إقامة الحكومة اليمنية المؤقت الواقع في مديرية الشعب، والذي تعرض لهجوم صاروخي دمر أجزاء واسعة من الفندق الوحيد الذي سلم من مظاهر الحرب طوال أشهرها الثمانية، وآخر عن طريق السيارات المفخخة، هو ومقر إقامة بعثة الهلال الأحمر الإماراتي في مديرية البريقة في يوم واحد، وسقط على إثره خمسة إماراتيين، وأصيب خمسة عشر آخرون بجروح متفاوتة، في مرحلة شهدت بداياتها حركة دؤوبة من قبل الإماراتيين في كل مديريات محافظة عدن من خلال حضورهم اللافت.
فقد قاموا بتوزيع المواد الإغاثية، وإعادة تأهيل المدارس، والمستشفيات، بل وحتى رعاية المهرجانات الترفيهية للأطفال التي أقيمت في عيد الأضحى، وهي الفترة التي خُتمت بعملية استهداف لعمال إغاثة إماراتيين في منطقة (كابوتا) التي تبعد أمتار قليلة عن مقر إقامة الحكومة اليمنية السابق “فندق القصر”، راح ضحيتها عامل إغاثة، وأصيب على إثرها زميلة بجراح وصفت بالطفيفة.
وحسب شهود عيان عاشوا مشهد الاغتيال البشع على بوابة أحد المتاجر الذي يرتاده قطاع واسع من العائلات، فإن هناك ما وصفوه ب “مخطط تدعمه (أفاعي) محلية لوقف المساعي الإماراتية بالذات في مدينة عدن التي استهدفت، وتستهدف كل قطاعات المجتمع العدني عموماً.”
طموح وجموح
تطمح دول التحالف، والقيادة الشرعية اليمنية، إلى تطبيع الحياة المدنية في عدن من خلال سرعة معالجة مكامن الخلل المتنوعة التي يقف على رأسها انتشار السلاح بشكل كثيف بين أوساط الشباب، والجماعات المسلحة المختلفة، والتي تندرج جميعها تحت مسمى (المقاومة الشعبية).
ومنذ مارس الماضي، قدر أحد القادة العسكريين، فضل عدم ذكر اسمه لـ “يمن مونيتور” أن شباب المدينة الذين قاموا باقتحام مخازن الأسلحة، والمعسكرات التابعة للجيش اليمني، في مختلف مناطق جنوب اليمن، قد استولوا على قرابة مئة وخمسين ألف قطعة سلاح متنوعة، وذخائر متعددة الأغراض، لا يعلم إلى الآن على الأقل، أماكن تواجدها، وما إذا كان قد تم استخدام بعض منها في المواجهات التي دارت بين المقاومة الشعبية من جهة، والحوثيين وحلفائهم من جهة أخرى، إلا أن بقاء نسبة كبيرة من الأسلحة المنهوبة في حوزة جماعات مسلحة يعد خطراً حقيقياً يتربص بعدن، وبالمواطنين عموماً حد وصفه.
وأضاف، “نتمنى الإسراع في عملية استيعاب المقاومة الشعبية ضمن صفوف الجيش والأمن، وتفعيل القرار بعد اتخاذه من قبل القيادة السياسية المتمثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي لكبح جموح بعض الشباب المتحمس، والعاطفي غالباً من جانب، ومن جانب آخر، لقطع دابر المخربين الذين يسعون لفرض تواجدهم على الأرض من خلال افتعالهم العديد من المشاكل تحت غطاء المقاومة الشعبية التي نعلم جميعنا مدى حرصها على تمكين الأمن في هذه المدينة التي خرجوا من أجلها، ولأجلها، قدموا أرواحهم رخيصة”.
أولويات مُلحة
كانت أولى الأولويات المناطة بتعيين اللواء جعفر محمد سعد، وبتواجده على رأس السلطة المحلية محافظاً لمدينة عدن منذ بداية أكتوبر، وهو الرجل الأمني الذي شارك في عمليات تحرير المدينة، وأدار معاركها، السيطرة على الجماعات المسلحة التي باتت تنتشر في المدينة، وتقدم غطاءً بقصد، أو بدون قصد، لبعض العمليات الإرهابية التي تتخذ لنفسها مبررات عديدة، ومن ضمنها التواجد لإقامة شرع الله كما يزعمون.
ومؤخراً قامت جماعات مسلحة تستقل مركبات عليها شعارات المقاومة الشعبية باقتحام بعض كليات جامعة عدن، وكذلك أحد أكبر المراكز التجارية في مديرية الشيخ عثمان، وبدأت بالانتشار بين الحين والآخر في شوارع المدينة الرئيسية لفرض النقاب، وفصل الذكور عن الإناث مبدئياً في الجامعة، والأسواق التجارية، ولاحقاً في الدوائر الحكومية، والمرافق المرتبطة بها، كما بات متوقعاً منذ بدأت عملية توزيع المنشورات بين أوساط الطلاب، والموظفين في القطاع الخاص، وكذلك المارة في بعض الأحيان. كل ذلك يضع المحافظ الجديد الذي بدأ مهامه مؤكداً على احترام مدنية هذه المدينة، ومشيداً بدور كل من شارك في عملية تحرير المدينة، وضرورة تجاوبهم حالياً مع عملية الاندماج في المجتمع كلاً في مجاله، لكيلا تقع عدن في براثن الفوضى، والتشرذم، في وقت تحتاج فيه إلى النهوض من جديد لممارسة دورها الريادي الذي لطالما أرتبط بها، معتبراً هذه الأمور أولويات مُلحَّة، وأساسية حد وصفه.
ومن خلال ما لمسناه، ما يزال الشارع العدني يعيش مظاهر الحرب بشكل يومي، وينشد ما يعتبره أساساً لبدء مرحلة جديدة من حياة المدينة التي عانت كثيراً طوال عقود، باعتبار السلم الاجتماعي الذي يمر بمرحلة هشة للغاية بفعل تأثير الحرب على نفسيات قطاع واسع من أبناء عدن كفيل بتجاوز جزء كبير من الأزمة، ومواجهة أخطار ما بعد الحروب التي تعانيها المجتمعات عادة ما بعد أي حرب أهلية، وهو الأمر الذي يتفاقم أكثر من أي مرحلة سابقة، وبالذات فيما يتعلق بموضوع “التخوين” الذي انتشر على نطاق واسع في مدن جنوب اليمن أكثر من أي وقت مضى.
هذا الأمر ضاعف من معاناة المواطن العدني الذي بات يعيش وهو ينتقد الوضع القائم، وسيطرة الجماعات المسلحة، وإقلاقها سكينة المدينة بين مطرقة الخوف من التخوين، وسندان الظروف التي يرى بأنها ستوقع مدينته في حالة فوضى عارمة لم تعشها حتى في مرحلة الحرب التي دارت بين الحوثيين وحلفائهم من جانب، وأنصار الشرعية من جانب آخر، منذ مارس الماضي، وحتى يوليو من العام الجاري.