الجنوب وقهر إرادة الناس
نصر اللحجي هو نموذج للثوري الجنوبي والمناضل الممارس للنضال منذ الوهلة الاولى للقضية، عاشها بكل جوارحه، واصطدم بواقعها الذي يتحول، بتدخلات خارجية تصنع منها قالب يخدم اجندات ذلك التدخل، لينحرف المسار عن تطلعات وطموحات القوى الثورية، فبداء يعبر عن رفضه لذلك الانحراف، وتأثيراته على جوهر وعدالة القضية، رفضه ان تتحول قضيته لمشروع صغير تديره بندقية غير منضبطة بقيم ومبادئ عدالة القضية، يرفض ان يتحول من ثوري لثأري، او ان يتحول الى بندقية مستأجرة تنفذ اجندات تضر بالوطن والقضية والمنطقة برمتها.
نصر اللحجي هو نموذج لمئات الالاف من الجنوبين الذين يشعرون بالحسرة على ثورتهم ، بعد ان تمكن منها المنافقون والمتعصبون للأثنية والعرقية ، وامتطتها قوى تقليدية لا تعبر عن تطلعات وطموحات الناس ، نموذج تلقى الصدمات في الساحات ، من خطاب ثأري انتقامي ، وعنف ثوري ، وفتاوى دينية ، تعيد للذاكرة ماضي عفن ، من استخدام الدين كوسيلة سياسية ، واستخدام الثورة كأداة ترهيب وتعنيف ، نموذج يرفض كل هذا التحول ، الذي بدأ يشكل المشهد وافق اهوائه ومزاجه ، ويزيح الثوري الحقيقي ليستبدله بثوري مزيف ، لا علاقة له بالثورة وقيمها ومبادئها ، نموذج اصطدم بتشكيلات لا علاقة لها بتطلعاته وطموحه بالاستقلال والحرية ، تشكيلات مناطقية وجهوية ، وبدأ يجد ادوات القمع التي واجهها في مرحلة نضاله ، تمطي ثورته ، في سيناريو مدعوم بالمال والسلاح والاعلام الذي شوه قضيته واخرجها عن مسارها العادل .
هذا النموذج الثوري الاصيل، رفض ان يكون جزء من كيان يتمخطر في موكب حاشد، يحتاج لقطيع مستسلم له بثقة عمياء، يتغذى شعارات، ليستثمر حماسه كوقود يدفع بكيانه للقتال من اجل الاستئثار بالسلطة والثروة، نموذج يتمعن جيدا بالمسار، ويرفض ان يكون جزءا من جنازة او زفة هو فيها بيرق يرفرف وفق اهواء غيره، ويتحسر بنهاية المطاف خذلان.
نموذج اصطدم بالواقع، وهو شاهد على الاغتيالات، والمداهمات، وزوار الفجر، وهو شاهد على القتل بدم بارد في الشارع العام ببندقية او دهس طقم ،يمثلان ذلك الكيان، وهو شاهد على سطو الاراضي ونهب املاك الناس، وانتهاك اعراضهم بالشارع العام ،هو شاهد على تدمير ممنهج للدولة كفكرة ومؤسسات، بغياب المحاسبة، وترسيخ مبدأ الانصاف والعدل، وهو شاهد على تغييب النظام والقانون، والقضاء والنيابة ، واستبداله بالتحكيم القبلي والارش ونحر الاثوار والبقر، هو شاهد على اعادتنا لمربع ظلم وطغيان وماسي الماضي، لنجد كل ما رفضناه واقعا اليوم، وسببا لرفض الشرفاء والاحرار لهذا الانجراف والانحراف، مما تسبب بانقسام محوري في جسد الثورة، لتتشكل قوى تصحيح للثورة ضد الظلم والطغيان في اطار الثورة اليمنية الحقة .
ممارسات وعقليات دفعت لاستفحال الامور على أشدها بعدن، وواقعها البائس اليوم، غياب الخدمات وانتشار الاوبئة، عدن اليوم تعيش مشهد جنائزي مؤلم، الموت يحصد ابنائها واخيارها وكوادرها والبسطاء منهم، دون ان يحرك هذا المشهد ضمير القائمين عليها، العاجزين عن انتشالها من هذا الواقع، لا رحموها ولا تركوا رحمة الله تنزل عليها، ضيقوا الخناق ومنعوا ايادي الخير لتنقذها.
واقع دفع بالشرفاء والاحرار كاللحجي وغيره كثير يمارسون حقهم في نقد هذا الواقع، معبرين عن سخطهم، غيورين على مدينتهم، يرفضون العيش كجلاميد صخر ليأمنوا عنف وبندقية صانعي هذا الواقع، بأدواته القادمة من خارج صفوف المناضلين الحقيقين، والمأجورين بالمال الخارجي، نقد وصراخ بحجم الالم والبؤس والمعاناة، وفقدان الرهان في اصلاح ما يمكن اصلاحه، من صلف العقلية، وعنف وتعنيف وترهيب الناس، وتكميم الافواه، واتهام وتخوين وتزوير للحقائق، واعتقال للكلمة الصادقة والمعبرة عن الم بؤس الناس.
من واقع عدن تتفجر ثورة من رحم الثورة الحقيقية، يخرج الناس يعبرون عن غضبهم وواجاعهم، ورفضهم للممارسات، وجرهم لنظام شمولي استبدادي عفن، يعبر عنه خطاب اتهام ابناء عدن وتصنيفهم بمزاج قذر، مزاج يرفض ويضيق ذرعا من سماع اصوات انين ووجع الناس، واراداتهم في التغيير. والايام القادمة حبلى بالمفاجئات، فإرادة الناس لا تقهر.
**المقال خاص بموقع “يمن مونيتور” ويمنع نشره وتداوله إلا بذكر المصدر الرئيس له.
*** المقال يعبر عن رأي كاتبه.