سوق سوداء للكُتب المزورة في اليمن: جدلية الحرب والمعرفة والملكية الفكرية
«في الوقت الحالي، وفي ظروف الحرب الاستثنائية، تنهض السوق السوداء للكِتاب لدينا بدورٍ جيد، رغم سلبياتها التي تتعلــــق بالحقــــوق الفكرية وما إلى ذلك»، يقول الشاعر مُحمد مُحمد العُديني، مؤيداً فكرة هذه السوق بالنظر للظروف الاستثنائية التي تمر بها بلاده.
يمن مونيتور/القدس العربي
يمكنك في اليمن، في ظل توقف وصول الكُتب الجديدة للداخل، بفعل الحرب والحصار، طباعة أو اقتناء أي كتاب تُريد في سوق سوداء، توفر لك نسخًا مُزيفة مِن الكُتب، إذ ثمة مكتبات يرتادها مثقفون لاقتناء ما يريدون من عناوين جديدة، وفي حال لم يتوفر لديها ما تطلبه فيمكنك منحها نسخة إلكترونية من الكِتاب، وستتم طباعته وتسليمه لك كتاباً ورقياً.
وعلى الرغم مِن مخالفة تلك السوق لقوانين حقوق الملكية الفكرية، إلا أن بعض المثقفين هناك يعتبرونها أفضل سوق سوداء فرضتها الحرب، باعتبارها تخدم المعرفة في عتمة الصراع؛ فهذا وحده يشفع لها، حد تعبير أحدهم.
«في الوقت الحالي، وفي ظروف الحرب الاستثنائية، تنهض السوق السوداء للكِتاب لدينا بدورٍ جيد، رغم سلبياتها التي تتعلــــق بالحقــــوق الفكرية وما إلى ذلك»، يقول الشاعر مُحمد مُحمد العُديني، مؤيداً فكرة هذه السوق بالنظر للظروف الاستثنائية التي تمر بها بلاده.
الروائي وجدي الأهدل، أيضاً، اتفق مع هذا الرأي، معتبراً أنه «بدون هذا الإجراء الاضطراري ـ تزوير الكُتب- فإن المكتبات المتبقية في صنعاء وغيرها من مُدن اليمن سوف تُغلق أبوابها»، وأردف، «آخر دفعة من الكُتب الأصلية غير المزورة وصلتْ إلى اليمن في شهر مارس/آذار عام 2015، ومنذ ذلك التاريخ لم يصل أي شيء جديد إلى المكتبات اليمنية. وينطبق هذا الحرمان المؤسف على الصُحف والمجلات العربية أيضاً». لكن تزوير الكُتب ينتهك حقوق الملكية الفكرية.. فهل الحاجة للمعرفة تشفع لهذا الانتهاك مادامت هذه السوق السوداء هي الخيار الوحيد المُتاح لتقديم الكِتاب للناس؟ يُجيبُ الأهدل، «للضرورات أحكامها، وحرمان القراء من المعرفة أقسى من جريمة تزوير الكتب. معلوم أن اليمن تحت الحصار البري والبحري والجوي، ولكنني لا أرى سبباً وجيهاً لمنع تدفق الكُتب إلى الداخل اليمني، هل الكُتب مستهدفة أيضاً بالمنع والحصار؟ إذا كان هذا المنع متعمداً فهذا هو أحد أكثر القرارات غباءً في التاريخ؛ لأنني أفترض أن معركة التحالف والشرعية في اليمن هي ثقافية بالأساس، وحرمان الشعب اليمني من الكُتب والصُحف والمجلات العربية، يصب حتماً في مصلحة الطرف الآخر، الذي لديه الاستعداد لتغطية الفراغ الثقافي بثقافته الخاصة».
اليمن تحت الحصار البري والبحري والجوي، ولكنني لا أرى سبباً وجيهاً لمنع تدفق الكُتب إلى الداخل اليمني، هل الكُتب مستهدفة أيضاً بالمنع والحصار؟
رأي رافض
لكن مقابل مَن يتفق مع ضرورة وجود تلك السوق، هناك مَن يرفضها انطلاقاً من كونها تنتهك حقوق الملكية الفكرية. ويُفضِل الروائي رستم عبدالله « للقارئ التوقف عن القراءة، عن أن يدعم سوقا تنتهك الحقوق الفكرية للكاتب، الذي هو بالأساس يُعاني من عدم وجود قدرة شرائية، أو بالأصح وعي بأهمية الكتاب والقراءة، إلا لدى فئة قليلة تهتم بالكِتاب، وتكاد لا تذكر.. ومِن ثم يأتي مَن يفهم بلغة البيع والشراء وتسويق الكِتاب، ويسلبه حقه بطباعة مقرصنة وتوفيرها لطالبيها بأسعار تدر عليه الربح، فيما يزداد وضع الكاتب سوءاً». معتبراً أن هذا «يؤدي إلى أن أصحاب دُور النشر والمسوقين يديرون ظهورهم للمبدع، طالما الربح كبير ولن يقاسمهم المؤلف…وصدقني لن تقتصر هذه السوق على فترة الحرب»، «دعني أضرب لك مثالاً عن نفسي في زمن الحرب؛ فأنا أقطن منطقة لا مكتبات فيها ولا كُتب، لكني اعتمد على الكُتب الإلكترونية عبر التبادل بـ»الواتس آب» والتحميل من مواقع مجانية في شبكة الإنترنت».
ويشاطره الرأي، أيضاً، وكيل الهيئة اليمنية للكتاب القاص زيد الفقيه، مؤكداً على عدم اتفاقه مع وجود هذه السوق؛ لأن فيها انتهاكاً لحقوق الملكية الفكرية التي تحفظها اتفاقية برن رقم (1886) وكذلك المنظمة العالمية للملكية الفكرية (Wipo)، معتبراً «الحرب ليست مبرراً لهذا الانتهاك، حيث يمكن للباحث المضطر للحصول على المعلومة التواصل مع مصادر المعلومات، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي»، «الحاجة للبحث العلمي والمعرفة قد تكون ضرورية، لكن لا تعطي طالبها هذا الحق في انتهاك حقوق غيره»، وأضاف أن «انتهاك حقوق المؤلف يتعلق بالجانب الأخلاقي للشعوب». لكن ما يتجاوزه المنتقدون، هو أن كثيرا من القراء مازالوا مرتبطين بالكُتب الورقية، ويفضلون الكِتاب الورقي على الإلكتروني. ويؤكد مسؤول إحدى المكتبات في صنعاء، التي تُمارس هذا النشاط، أن القُراء هم، في الغالب، مَن يأتون بنسخٍ إلكترونية لتحويلها إلى ورقية، موضحاً أنه لا تتم طباعة أي كتاب إلا في حدود ثلاث أو خمس نُسخ كحد أدنى لتغطية تكاليف الطباعة.
وأضاف، في حديث غير رسمي إلى «القدس العربي»، أن ما دفع بعض المكتبات للجوء لهذا الأسلوب، هو توقف دخول الكُتب من الخارج، بسبب الحرب والحصار، مع استمرار الطلب في الداخل على الكِتاب الورقي من القُراء فيتم توفيره، موضحاً أن أكثر الكتب طلباً هي الكُتب الروائية والمذكرات السياسية والفكرية، مشيراً إلى أن متوسط سعر الكِتاب المزور بين ألف وألفي ريال (دولارين وأربعة دولار) بينما محاولة إدخال بضع نُسخ من أي كِتاب جديد حالياً لليمن ـ كما يوضح- سيرفع من سعره إلى نحو عشرة آلاف ريال وأكثر (نحو20 دولارا)؛ معتبراً أن هذا السعر يفوق قدرة القُراء، في بلد توقف فيه صرف مرتبات معظم موظفي الدولة، مؤكداً على أن هذا الوضع سيقتصر على مرحلة الحرب، موضحاً أن نشاط هذه المكتبات يتمثل في بيع هذه الكتب، وطباعة كُتب لمؤلفين يمنيين ممن لم يستطيعوا الطباعة في الخارج، حيث تتم طباعة الكِتاب في عددٍ قليل من النسخ وبمبلغ بسيط، معتبراً هذا النشاط هو ما يساعد هذه المكتبات على الاستمرار خلال الحرب؛ وبدونه فإن مصيرها الإغلاق كغيرها، على حد قوله.
إغلاق المكتبات
وسبق أن نشرت «القدس العربي» تحقيقاً ناقشت فيه وضع دُور النشر والمكتبات في اليمن، خلال الحرب المستعرة هناك، ورفع التحقيق الستار عن الظروف التي أدت لتوقف عددٍ منها، بما فيها دُور كبيرة كدار عُبادي للدراسات والنشر، بالإضافة لإغلاق عددٍ من المكتبات الكبيرة في صنعاء كمكتبات أبو ذر الغفاري وأبو صلاح والشروق وبلقيس، وغيرها من المكتبات التي لم تستطع الصمود أمام ما فرضته الحرب. كما توقف نشاط جميع مكاتب ودُور توزيع الصُحف والمجلات، وسلاسل الكتب الخارجية في صنعاء، كدار القائد ومكتب ظفار والدار العربية؛ بل إن سيارات الأخيرة تحولت، خلال الحرب، للعمل في توزيع المياه وتوصيل الطلاب.