كتابات خاصة

الأغبياء.. والأغنياء!

درسْنا كثيراً، وقرأنا أكثر، واجتهدْنا وبالغْنا في الكَدّ. وكنا – في ذلك كله – نحلم بأن يكون الغد أجمل بكثير من اليوم الذي كنا فيه .

درسْنا كثيراً، وقرأنا أكثر، واجتهدْنا وبالغْنا في الكَدّ. وكنا – في ذلك كله – نحلم بأن يكون الغد أجمل بكثير من اليوم الذي كنا فيه .
كنا فقراء الى المال، وأغنياء في الكذب على أنفسنا، كتلك الأُمّ البائسة التي كانت تُحرِّك الأحجار في قِدْرٍ ليس فيه غير الماء لتخدع أطفالها الجوعى فيغلبهم النعاس وهم يعتقدون أن العشاء سيجهز بعد قليل !
لهوْنا في الحارات بألعابٍ من صُنع أيدينا، فلم تكن ألعابنا تأتي يومها – ونحن على تلك الحال – من المصانع اليابانية أو الامريكانية. وكانت كرة أقدامنا مُحاكة من بالي جواربنا. أما دراجة الهواء فكان من يملكها كمن يملك لكزس أو مرسيدس هذه الأيام .
ولكننا كنا نحلم بحجم السماء، ونضحك ملء البحر. فقد كان ايماننا ساطعاً بأن الغد سيكون أفضل بكثير. ايماننا بأننا سنحصل على فُرص حياة مُرفَّهة، وأن العلم هو السبيل الى تحقيق هذه الغاية. وكلما ثابرنا واجتهدنا وسهرنا وتعبنا، كنا نرى ذلك الغد الجميل على مرمى حصاة .
غير أننا لم نعتقد يوماً بخديعة القَدَر وسخريته التي فاقت سخرية الشيطان. كانت عبارة ” خياركم في الجاهلية، خياركم في الاسلام ” – مثالاً – تتردَّد كثيراً على مسامعنا، ولكن على نحوٍ مقلوب تماماً. فاذا بنا نجد أغبياءنا في المدرسة، حُكَّامنا في الدولة !
كان هؤلاء الأغبياء يضربوننا داخل المدرسة وخارجها، فاذا بهم لازالوا يضربوننا حتى هذه اللحظة. ولعمري أنهم ليسوا بأغبياء، انما أتّضح أننا نحن الأغبياء. والاَّ لماذا صاروا هم الحُكَّام والأغنياء، ونحن المحكومين والمُعدَمين؟
قرأتُ يوماً عبارة لأحدهم – لا أتذكَّر اسمه – يقول فيها ما معناه أن من كان متفوقاً في دراسته يلتحق بالجامعة ليتخرَّج مهندساً أو طبيباً أو قاضياً أو أديباً، أما من كان مُتعثِّراً في دراسته فيلجأ الى الكلية العسكرية ليحكم أولئك جميعاً .
ومؤخراً أُضيفت النسخة اليمنية الى تلك العبارة الخالدة، فصار من يغدو شيخاً يحكم هؤلاء وأولئك معاً !
كان أجدادنا يحرصون على تعليم أبنائهم السباحة والرماية وركوب الخيل. بعدها أنقلب بعض آبائنا على أجدادنا، فعلّموا أبناءهم الحَرْف والحِرْفة. غير أن آخرين كانوا أشطر بكثير، فوضعوا المسدسات في أيدي أبنائهم وكتاب ميكافيللي في مخادعهم !
**المقال خاص بموقع “يمن مونيتور” ويمنع نشره وتداوله إلا بذكر المصدر الرئيس له.
*** المقال يعبر عن رأي كاتبه.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى