يمن مونيتور/العربي الجديد
انعكست الإجراءات الاستباقية لمواجهة فيروس كورونا المنفذة من قبل السلطات اليمنية في معظم المدن والمناطق إضافة إلى ما أحدثته الحرب من تعقيدات، تراجعاً في حركة التجارة وانسياب السلع والبضائع بين المحافظات اليمنية.
إذ قام الحوثيون بوضع حواجز ونقاط تفتيش صارمة لحركة المواطنين والشاحنات التجارية القادمة من مناطق الحكومة اليمنية، التي قامت في المقابل بتشديد الإجراءات المؤثرة على النقل والحركة التجارية. وهو ما أدى إلى انخفاض المعروض من السلع الغذائية والاستهلاكية الذي أصبح ملحوظاً في عدد من أسواق المدن اليمنية.
وتشمل الإجراءات التي يصفها مسؤولون في المؤسسات الرسمية العامة الخاضعة لسيطرة الحوثيين بالتدابير التعزيزية، إيقاف الشاحنات التجارية ومنها المحملة بالمواد الغذائية والدوائية والاستهلاكية والخضروات والفواكه، وخضوعها إما للتفتيش أو الاحتجاز لفترات زمنية وإخضاعها للحجر الصحي. وهو ما يحصل في منافذ بعض مناطق التماس في رداع وجبن في محافظة البيضاء (شمال)، والتي تعرقل الشاحنات التجارية القادمة من المهرة والوديعة الحدودي مع السعودية (شرق).
في المقابل، يشكو تجار ومستوردون عبر ميناء عدن لـ “العربي الجديد” من عرقلة الحواجز ونقاط التفتيش التابعة لقوات عسكرية محسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً في مداخل عدن جنوب اليمن، خصوصاً في مناطق بمحافظتي لحج والضالع (جنوب) والتي تقوم معظمها بفرض إتاوات متفاوتة من نقطة تفتيش لأخرى، حسب إفادات تجار وسائقي شاحنات تجارية في خطوط النقل بين المحافظات ومنافذ الاستيراد.
ويقول التاجر قيس النهاري، إن هناك صعوبة بالغة في النقل التجاري وانسياب حركة البضائع بين المدن لم يكن ينقصها وفق حديث هذا التاجر لـ “العربي الجديد” سوى هذه التعقيدات التي فرضتها ما تقوم به السلطات في البلاد من إجراءات لمكافحة فيروس كورونا.
إذ تظل الشاحنات المحملة بالسلع والبضائع، كما يقول النهاري، لأيام في بعض المنافذ والمعابر بسبب إجبار السلطات المعنية في نقاط التفتيش سائقي الشاحنات على الخضوع لإجراءات الحجر الصحي، وتفتيش السلع والبضائع الأمر الذي يعرض الكثير منها للتلف، إضافة إلى تأخير وصول سلع غذائية ضرورية إلى الأسواق.
ووضع تكتل القطاع الخاص تصوراً شاملاً اطلعت عليه “العربي الجديد” لتحديد ممرات تجارية آمنة سالكة وغير وعرة على مدار الساعة بين المدن الرئيسة في اليمن وحتى لا يتعدى زمن الانتقال، سواء لشاحنات السلع أو لحركة الناس، الزمن الذي تتطلبه مسافة السفر الطبيعية.
ويشمل ذلك طريق “كرش- الراهدة” بين محافظتي عدن (جنوب) وتعز (جنوب غرب)، وطريق “صافر-صنعاء” الرابط بين الخط الدولي في المنافذ اليمنية في شحن بمحافظة المهرة شرق اليمن المحاذية لسلطنة عمان، ومنفذ الوديعة في سيئون بمحافظة حضرموت جنوب شرق اليمن، إضافة إلى طريق “الضالع (جنوب) – صنعاء (شمال)”.
كما تضمن التصور إلزام أطراف النزاع إبقاء كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية مفتوحة أمام حركة الناس والسلع، بما في ذلك مطارا صنعاء والريان، وتسهيل دخول الحاويات إلى ميناء الحديدة بحيث تعزز تلك التسهيلات جدوى الشركات الملاحية الناقلة لتمكينها من معاودة نشاط نقل الحاويات إلى الميناء، مما يسهم في تخفيف العبء على المواطنين بما لا يقل عن 40% من سعر السلع.
وفي ظل وجود مدن ممزقة وخطوط سير شاقة وطرق مستحدثة وعرة، باتت عملية النقل التجاري والتنقل الخاص للمواطنين هماً يؤرق ملايين اليمنيين في كل المحافظات.
ويؤكد المزارع محمد عباس لـ “العربي الجديد” تضررهم كثيراً كمزارعين في نقل منتجاتهم بين المحافظات اليمنية، وارتفاع أعباء وتكاليف نقلها، خصوصاً الخضروات والفواكه التي تعد في طليعة المتضررين من هذه الصعوبات والإجراءات على امتداد خطوط النقل. وهو ما تسبب في خسائر باهظة يتحملها المزارعون نتيجة تعرض منتجاتهم للتلف وزيادة تكاليف النقل، ولهذا بالكاد تغطي عائدات بيع منتجاتهم مختلف هذه التكاليف المستحدثة.
وزادت تكاليف التنقل بنحو 300% وتستنزف في حدود 40% على أقل تقدير من دخل المواطن اليمني الذي يكاد ينعدم عند نسبة تزيد على 50% من السكان، وسط ازددياد أسعار السلع بنسب وصلت إلى 500%، مع توقف مرتبات موظفي القطاع العام الحكومي.
ويتحدث مسؤول الاتصال والإعلام في الغرفة التجارية والصناعية في أمانة العاصمة صنعاء أحمد حسن عن مصاعب جمة تواجه أصحاب البضائع المتنوعة في إيصالها إلى مخازن التجار ومحلاتهم في صنعاء والحديدة وإب وذمار بطريقة اعتيادية. والسبب كما يقول لـ “العربي الجديد” تغير طرق نقلها وتبدلها مع الحرب والقتال الدائر لتضيف مصاعب بالجملة تحول دون إتمام النقل.
ولا تقتصر معوقات النقل الثقيل على بقعة معينة من الأراضي اليمنية، فكل الأراضي تعاني من تدهور حالة الطرق في الأساس، لكنها تزداد تفاقما مع خطوط نقل البضائع من عدن إلى صنعاء وتعز والحديدة.
فهذه الخطوط لم تعد الخطوط الرئيسية التي كانت سائدة قبل العام 2015، بسبب الحرب والصراع الدائر بين مختلف الأطراف. إذ تحولت وفق وصف سائقين وعاملين في النقل التجاري، لطرق أشباح لم يعد باستطاعة قطاع النقل من الشاحنات أن يجرؤ على المرور بها. وقد أضيفت إليها الإجراءات المشددة التي تفرضها مختلف السلطات في مناطق التماس فيما بينها في إطار توجهاتها الوقائية لمكافحة فيروس كورونا.
وحسب معتز البرعي عامل في خطوط النقل البرية، فإن الشاحنات تمر صعوداً وهبوطاً في الجبال الوعرة والطرق الفرعية غير المؤهلة لتواجه أكبر المخاطر، وقد ظلت طيلة العامين وحتى اليوم تكابد معاناة لا تنتهي خسائرها كما يؤكد البرعي لـ “العربي الجديد”، عند مئات الملايين من الدولارات.
وللحد من الأزمة الراهنة الناتجة عن الإجراءات الخاصة بمكافحة فيروس كورونا حسب مركز الإعلام الاقتصادي (مستقل) يجب الإسراع في تشكيل اللجنة الاقتصادية المشتركة بين “عدن وصنعاء” وبشراكة حقيقية مع القطاع الخاص والمنظمات الدولية المعنية ومنظمات المجتمع المدني، للعمل بصورة مشتركة على الحد من تداعيات الأزمة الناتجة عن الفيروس.
وتبين وثيقة تحليلية تتضمن دراسة استقصائية لبيانات التجار المستوردين صادرة عن الاتحاد العام للغرف التجارية، أن المدفوعات النقدية الإضافية التي يدفعها المستوردون والذين تأتي بضائعهم عبر ميناء عدن ويتم نقلها إلى مخازنهم في صنعاء تصل إلى حوالي 180 مليار ريال في العام.
وتوضح الدراسة أن إجمالي عدد الحاويات التقديري في الشهر الواحد للبضائع التي تم تحويلها من ميناء الحديدة إلى ميناء عدن يبلغ 15 ألف حاوية شهريا، تحمل احتياجات المحافظات الشمالية الغذائية والدوائية والكسائية. في حين أن على كل حاوية لكي تصل إلى مخازن التجار أن تدفع في المتوسط حوالي مليون ريال نقدا لعدة جهات، لكي تمرر البضائع.
وفي بيان اطلعت عليه “العربي الجديد” طالب مركز الإعلام الاقتصادي، السلطات المعنية بتسهيل حركة انسيابية السلع والبضائع في الموانئ اليمنية وزيادة كفاءتها لضمان عدم حصول اختناقات تموينية، كما دعا كافة الأطراف إلى إلغاء كافة الإتاوات والرسوم المحصلة على السلع الأساسية في المنافذ والنقاط الأمنية، وتسهيل حرية انتقال البضائع. وناشد المركز القطاع التجاري الخاص بتسهيل وصول السلع الأساسية للمواطنين بأقل كلفة ممكنة واتباع كافة الإرشادات التي تضمن عدم انتقال عدوى كورونا. ودعا إلى اتخاذ قرارات عاجلة وضرورية، أهمها إلغاء قرار توقيف التعامل بالإصدار النقدي الجديد وتخصيص مبالغ مالية للمواطنين المتضررين من الأزمة.