اختبار حقيقي لإنسانيتنا، فيها من يتفوق انسانيا على الوباء، ويخرج منه بمجتمع أكثر قوة وصلابة ووعي بالمصائب، على مرّ التاريخ البشري، أثّرت الأوبئة على الحضارات منذ أول تفش معروف خلال الحرب البيلوبونيسية (431 ق.م.- 403 ق.م.) بسبب التوسعات الاستعمارية والتجارية لأثينا، وكان للعديد من هذه الأوبئة تداعيات كبيرة على المجتمع البشري، بداية من قتل نسب كبيرة من سكان العالم، وصولا إلى جعل البشر يفكرون في أسئلة أكبر عن الحياة والوجود.
هي اختبار حقيقي لإنسانيتنا، فيها من يتفوق انسانيا على الوباء، ويخرج منه بمجتمع أكثر قوة وصلابة ووعي بالمصائب، ومنهم من تتغلب فيهم الانانية، ويبحث عن حلول النجاة الغير منصفة، وان تجاوز المحنة سيتجاوزها بمجتمع مفكك منهار محبط، فاقد للقيم والاخلاقيات والانسانية.
في تصريح للجنة الدولية للأخوة الإنسانية: إن الإنسانية في أمس الحاجة اليوم لتتحد في وجه أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد ” كوفيد 19 “، التي تتصدى لها الهيئات الصحية الدولية والمحلية، وتمتد آثارها لتطال الاقتصاديات حول العالم، لكن ضريبتها على المجتمعات والإنسان أكثر وطأة.
واعتبرت اللجنة في بيان رسمي، أن الإصابة الحقيقية التي نخشاها جميعا، هي تلك العدوى التي تصيب إنسانيتنا في صميمها عندما نغمض أعيننا عن معاناة إخوتنا وابناء جلدتنا، وننطلق في حملة التنميط العنصري التي لن تنقذ أحدا من العدوى، بل على العكس تماما، ستؤدي إلى شلل لا ينفع معه بعدها دواء.
إذا العالم ونحن اليمن كجزء من هذا العالم نقف امام اختبار حقيقي، ليس مدى الجاهزية للأنظمة الصحية او البنى التحتية، بقدر ما هو اختبار لإنسانيتنا ومنظومة الاخلاق التي تحكمنا.
لن ينفع الدعم المقدم بأحدث الاجهزة الحديثة والمتطورة، لمنظومة سياسية واجتماعية لا تحتكم للقيم والاخلاقيات، فتتنازع للاستئثار والاستحواذ على ذلك الدعم، والظهور بمظهر اخلاقي وقيمي لا معنى له وهو لا يراعي حق الأخرين، ويقدم نفسه بديلا عن المؤسسات والجميع و واصي عليهما، والنجاح الحقيقي لن يكون خارج مؤسسات دولة تحتكم لقيم واخلاقيات دولة، في توظيف حقيقي للعلم والمهنة ودورهما الانساني قبل السياسي، بعيداً عن المناكفة التي تثير حالات الذعر والهلع، واستثمار قذر للحالة .
القيم والاخلاقيات التي نادينا بها بأصوات مجروحة من الالم والقهر من استغلال الوظيفة العامة والوظيفة السياسية، من تزاوج الوظيفة بالتجارة والاستثمارات الخاصة، ومن العار القبول بهذا التزاوج اليوم، ولن نقبل بمن لا يحترم هذا المبدأ، ويفرض نفسه مسؤولا وهو مستثمر، والنفس امارة بالسوء، فقد حدث ان نهبت سيارات اسعاف واجهزة مدعومة للدولة هي اليوم في مستشفياتهم الخاصة، دون محاسبة وتحقيقي عادل في ذلك لأنهم سلطة القوة، لا قوة السلطة، وتتكرر العملية.
المشكلة في التحالفات الصغيرة مناطقية طائفية أيدلوجية، تخفي خلفها فساد وافساد لا مثيل له، ويتم تغطيته بخطاب منمق بعبارات تغرير وطمس للحقيقة، لكن الاعمال تفضح والنتائج على الارض تكشف ما يدور خلف الاكمة، وتفوح روائح الفساد لتزكم الانوف التي تعي الواقع.
اليوم تصنع حالة من الذعر لا معنى لها غير استثمار للحالة، ذعر وهلع يشل من عملية التفكير والقراءة السليمة للحالة، لتغيب الحلول، وتفرض واقع الاستثمار.
هذا الذعر جعل الكل يهذي بما لا يدري، ويهرف بما لا يعرف، وصل بالبعض أن يرفض عودة العالقين خارج الوطن، ويعتبر عودتهم جريمة ونكبة على البلد، تمادى البعض في التسطيح، لحد تضخيم تلك الخطورة، وينقصه مطالبة السلطات بتجهيز افران حرق للقادمين من مناطق الوباء، بمبرر عدم الثقة بالكادر ذات الصلة بتجهيز المحاجر الصحية والفحص المجهري، والحد من دخول أي مصاب بالفيروس، في سقوط قيمي واخلاقي لا يراعي حق الاخرين وعلى استعداد للتضحية بهم
العالم اليوم يتنافس انسانيا كقيم واخلاق، ونحن نتنافس بالانحطاط لكل تلك القيم، حيث لا احترام للقرارات والاجراءات التي تحد من انتشار الوباء بحيث لا ضرر ولا ضرار على الجميع، يمكن ان يقبل الفرد اغلاق المساجد، لكنه يتحايل على لإغلاق اسواق القات، حيث الفساد المستشري والكيف الذي يغلب الروح الانسانية، والقائد الذي يغض الطرف على التهريب من السواحل، ويشدد الخناق على المنافذ الرسمية بطريقة استفزازية.
الدولة وكل من يدعي انه دولة هو مسؤول بالتساوي على الكل العالقين بالخارج والمرعوبين بالداخل، ولا مجال من التخلي عن تلك المسئولية امام الله والتاريخ والمستقبل.
**المقال خاص بموقع “يمن مونيتور” ويمنع نشره وتداوله إلا بذكر المصدر الرئيس له.
*** المقال يعبر عن رأي كاتبه.