ستنتصر عدن
احمد ناصر حميدان
عدن المدينة التي عانت كثيرا من العنف، وضاقت ذرعا بالأنظمة الشمولية الرافضة للتعدد والتنوع، وهي مدينة التنوع، وايقونة الافكار والتعايش عدن المدينة التي عانت كثيرا من العنف، وضاقت ذرعا بالأنظمة الشمولية الرافضة للتعدد والتنوع، وهي مدينة التنوع، وايقونة الافكار والتعايش، وما تحتويه من أطياف وأعراق وثقافات وأفكار، عُرفت عدن كمدينة تثري الحياة بكل جديد، لا تقبل السكون والتقوقع في فكر دون أخر، ولا الرضوخ تحت سلطة وعقلية غير منفتحة على الآخرين، ولازالت تصنع مبررات العنف والقتل والتصفيات.
عدن المدينة التي ألهمت ثوار فبراير، ومنها انطلقت موجة الغضب الجماهيري ضد نظام استبدادي متعجرف، وفيها نبتت ثمرة التغيير، ومن تجاربها المريرة، تشكل وعي اصطفاف وطني يرفض الانظمة الشمولية والصراعات والفتن، ويدعي الجميع لنظام يستوعب الجميع، فيه يحتكم الجميع لنظام وقانون، وعي شكل تحالف قوى اللقاء المشترك، الذي جعل من القوى السياسية المتصارعة، قوى سياسية شريكة وفاعلة، وضامنة لدولة المواطنة والحرية والعدالة، ترفض الاستحواذ والاستئثار بالسلطة والثروة وتحتكم لنظام ديمقراطي وصندوق انتخاب، يبقى السؤال ما الذي حدث لعدن لتتحول لمدينة اشباح، طاردة للراي الاخر والصوت الاخر والتنوع السياسي والفكري والثقافي؟!
إنها الحرب اللعينة، وبذرة العنف التي تمكنت من عدن، والحرب التي تبدأ بزخات الرصاص وأصوات المدافع، تتوغل في العقول والنفوس، وتصنع لها واقعها، وتزرع بذورها على الارض، فتنموا وتكبر وتستفحل، بل تتوسع لتجرف معها قوى مثقفة وانصاف المتعلمين، وتجعل من الشباب وقود، لتدوس على كل القيم والاخلاقيات، وتنشأ مصالح وقوى عفنة تستثمر هذا الواقع لتربح، ولم تعد تهتم للوطن وقضاياه، تمترس خلف مصالحها ومصدر أرباحها، لتصبح إزالتها أصعب من ذي قبل.
هذه هي معاناة عدن اليوم، تمكن منها العنف، وقواه العفنة، لتفرض واقها المزري بقوة، متجاوزا تاريخ عدن وخصوصيتها وثقافتها ومدنيتها، بل متجاوزا تجارب وخبرات وأفكار الآخرين قواها المدنية والسياسية التي تشكلت من قناعات رفض الاستمرار في مبررات الصراعات والحروب المتتالية، واستجرار الماضي، كانت عدن قد تجاوزت كل ذلك وترفض ثقافة الثارات وتصفية الحسابات والانتقام، ثقافة الكراهية ونوازع الفتن والصراعات السلبية المدمرة، وتتطلع لروح التصالح والتسامح والسلام، لتجعل عدن مصدر للسلام لكل الوطن.
لكن المؤامرة كانت اكبر من عدن، وفرض عليها مكونات العصبية والمناطقية والصراعات، وظلت ولازالت تقاوم، وستنتصر عدن عاجلا أو أجلا، برفضها تلك المكونات بقوة وعزيمة أبنائها، تنتفض عدن في كل مكان، تنتفض من داخل تلك المكونات، وترفض البسط والنهب والاستحواذ والقتل وتصفية الحسابات، وجعل عدن مدينة منهوبة ومنكوبة ومستباحة، والدماء تسفك في شوارعها والارواح تزهق بالباطل، والانصاف والعدل فيها مستحيل.
المبررات والتصنيفات التي يطلقها البعض لتبرير الفشل والواقع المخزي الذي تعيشه عدن صارت سخيفة، بسخف العقلية التي تطلقها، (خلايا نائمة، اخونجية) توصيفات تنمُّ عن ثقافة التخوين وعدم قبول الآخر، هؤلاء الذين عجزوا عن تجاوز ماضيهم والتعافي من مآسيه، ليكونوا جزءا من الحاضر والمستقبل، لازالوا مشكلة تعيق الانطلاق لحلول تنهض بالبلد ليواكب المرحلة ليكن محترما ومنافسا بقوة في هذا العالم المتطور، وعدن قادرة على التنافس لو حطمت تلك القيود المعيقة.
عدن تتطلع للكرامة، وكرامتها بتنوعها وتعايشها، أيقونات لا تقبل عدن التخلي عنها، عدن مدينة لسلام والحب والتسامح والتعايش، لا تقبل أن تكون مظلة يستظل بها مشروع قروي متخلف لا انساني ويبيح الدماء والارواح والنهب والبسط والاستحواذ والاستئثار، وستنتصر عدن.