وكذبة، إذا راجت في الأرجاء، صدَّقها الناس وأنكرها الرأس..
———- (1) ———
ظللتُ لأكثر من نصف قرن مزدحماً بالأصدقاء.
وكان الأصدقاء يتناوبون على المكان والزمان والوقائع والذاكرة. وقلتُ: ما أكثرهم!
وفي السنوات الخمس الأخيرة، ظللتُ أراهم قد ذهبوا مذاهب شتى، واتّخذوا مواقفَ وأخلاقاً شتى، وغابوا. قلتُ: ما أندرهم!
عرفتُ أن الصداقة عُملة، إذا هبطت قيمتها، رخص الانسان..
وكذبة، إذا راجت في الأرجاء، صدَّقها الناس وأنكرها الرأس..
فلا تقل: ان فلاناً صديقي.. أو تزعم ان لك أصدقاء. ولا تعتقد بتوافر حالة الصداقة الاَّ في قواميس اللغة ونصوص الآداب والأحلام الرومانسية.
ان المواقف تكشف المعدن الرخيص من النفيس في النفس البشرية. وان الحرب تكشف.. وان السفر يكشف.. وان الأزمات تكشف..
ويظل الزمن كفيلاً بسرد الصداقات في كتاب الحياة، ورصد الأصدقاء في مجهر العمر.
واعرف أن أكثر أصدقائك حميمية هو … أنت!
———- (2) ———–
يتقاطرون الى المقبرة من دون وداعٍ أخير.
ثم يتقاطرون الى مجلس العزاء ليومٍ أو ثلاثة. ثم يصمت الجميع عن الكلام في مناقب الفقيد أو استذكار مواقفهم ودردشاتهم معه أو الدعوى له بالرحمة والمغفرة!
يتكرر هذا المشهد كثيراً خلال السنوات القليلة الماضية. وسيتكرر كثيراً خلال السنوات الكثيرة المقبلة. ولا جديد فيه سوى اسم الفقيد فقط. وماذا في حياتنا من جديد أصلاً؟
منذ أن دهمت الحرب حيواتنا، لم يعد ثمة جديد جدير بالذكر. صار الموت لعبة يومية، والبهجة قيمة مفقودة، والحب حالة قتالية. وانقسمت يومياتنا الى جبهات ومتارس وثكنات وكوارث.
ولقد ازدحمت المقابر في داخل الوطن وخارجه. صار الوطن مقبرة كبيرة، ممتدة الى المهجر. وانقسم اليمنيون الى حالات محددة الاقامة في ثلاثة أماكن لا علاقة لها بالوطن البتة:
الخنادق، الفنادق والمقابر..
وصارت هذه الأماكن تنضح بالموت، وانْ بصور مختلفة..
غير أن الموت في اليمن له السبب نفسه الذي لم يتعدد ولم يتجدد.
يكفي أن تكون يمنياً لتستحق الموت بجدارة!