لا تكاد “شهد العلي” تتعرف على عائلتها، بما في ذلك والدها ووالدتها، حيث سببت الحرب والاشتباكات في اضطراب عقلي دفعها إلى “الوسواس”.
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من فايقة حسين
في مستشفى متخصص بالأمراض النفسية والعصبية، وسط اليمن، يعيش “محمد الخضر” بعد أن تبرأ منه شقيقه وانقطع عنه منذ وفاة والدتهما التي كانت ترعاه حتى وفاتها. أصيب محمد بالمرض عقب تعرضه لحادث سير قبل أعوام.
تقول الإخصائية غادة عبدالرحيم المسؤولة التي تتابع حالته الصحية في مستشفى الأمراض النفسية والعصبية في مدينة تعز وسط اليمن، إن وضعه سيئ للغاية: كانت والدته قد قطعت شوطا كبيرا في علاجه حتى تمكن من النطق كما يشير جيرانه لكن بعد وفاة والدته تركه شقيقه الوحيد ورفض الاهتمام به.
“لقد جرى التخلي عن محمد في المشفى منذ ثلاث سنوات”- تقول عبدالرحيم لـ”يمن مونيتور”. مضيفةً: كما لا يوجد أطباء متخصصون يمكنهم علاج حالته السيئة.
في نفس الوقت لا تكاد “شهد العلي” تتعرف على عائلتها، بما في ذلك والدها ووالدتها، حيث سببت الحرب والاشتباكات في اضطراب عقلي دفعها إلى “الوسواس”.
تقول والدة شهد إنها ابنتها لا تتعرف عليها وعندما “اقترب منها تخشى أني سأضربها”.
دخلت شهد في حالتها العقلية -كما تقول والدتها لـ”يمن مونيتور”- بعد أن أصيبت وسواس “أنها حامل” وأن أهلها “سيقتلونها” إذا علموا، وعلى الرغم من أن طبيبة النساء والولادة أكدت أنه لا يوجد شيء وما تزال فتاة لم تتزوج أو يقترب منها “شاب” إلا أن شهد استمرت في “وسواسها” ما دفع العائلة لعرضها على طبيب نفسي.
ارتفاع كبير
تعيش شهد وعائلتها في مدينة تعز حيث يعيش أكثر من نصف مليون نسمة، تحت حصار يفرضه الحوثيون من ثلاث جهات منذ مطلع 2016م. وتتلقى العلاج في المشفى حيث يوجد محمد لكنها تنام في المنزل، وتهتم العائلة بحالتها الصحية.
يوجد مستشفى وحيد في تعز لعلاج الأمراض النفسية والعصبية لكنه يعاني من وضع صعب للغاية مع غياب الكادر الطبي والأدوية وإغلاق المختبر.
يقول “عادل عبدالسلام ملهي” مدير مستشفى الأمراض النفسية والعصبية في المدينة لـ”يمن مونيتور” إن المشفى الذي يديره “هو الوحيد بالجمهورية اليمنية قبل وبعد الحرب، حيث أن باقي المستشفيات في المحافظات تتبع مصلحة السجن المركزي، ولا يوجد مصحة نفسية متكاملة إلا في مدينة تعز، وهي من كانت تخدم جميع المحافظات قبل الحرب”.
وأضاف أن ذلك جعل المشفى “في قصور وتقليل واجب تجاه المحافظات الأخرى بسبب الحصار القائم وظروف الحرب”.
يوجد المشفى بالقرب من خطوط النار الرئيسية غرب تعز في “مدينة النور”، ما يزيد من تفاقم الحالات ويمنع وصول المرضى إليه. لكن يبدو أن أعداد المرضى النفسانيون يتزايدون فحسب إحصائية حصل عليها “يمن مونيتور”: تلقى العلاج في المستشفى خلال 2019 (3764) مريض من الذكور والإناث، بينهم 337 مريض رقود في المشفى وهو ارتفاع بعدة أضعاف عن عام 2017 حيث كان يعيش في المشفى سوى (70) مريضاً. ولا تنام النساء المرضى في المشفى منذ بدء الحرب. وتتلقى 929 امرأة العلاج في المستشفى. وتوفي خمسة مرضى خلال العام الماضي.
أوضاع سيئة
ويشير “ملهي” إلى أن المشفى الذي يديره “غير مكتمل كباقي مستشفيات الدول العربية، وهناك الكثير من الاحتياجات الأساسية الناقصة حيث يعاني المختبر غير المكتمل والمغلق تماماً من مشاكل عدة، والتغذية التي لا تفي بالقدر الكافي للمريض، والعلاجات لا تغطي 10% من الاحتياج”.
ولفت “ملهي” إلى أن معظم الأطباء التابعين للمشفى غادروا البلاد. مضيفاً: ولا نجد من يعين هؤلاء المرضى.
يقول “ملهي” إن إدارة المشفى “تأخذ رسوم يتم من الأهالي وهي ليست قانونية ولكن نحن نضطر للأخذ منهم، كرسوم خدمة؛ لأن المستشفى خدمي ويجب له ميزانية تشغيلية تفي بجميع الالتزامات ولا يجب أن نعتمد على رسوم يدفعها المواطن لكننا نعتمد على تلك المبالغ من أجل الاستمرار”.
دعا ملهي السلطة المحلية في تعز إلى البحث عن حلول للمستشفى المهم في المدينة. وكان المستشفى قد حذر عامي 2017 و2018 من إغلاقه بسبب تراكم الديون عليه.
يضيف “ملهي”: هناك حالات تأتي تطوعاً من ذات نفسها أو عبر أقسام الشرطة أو عن طريق الاهل. مشيراً: إلى أن بعض المرضى يصلون إلى المشفى وقد تعرضوا لعدوان مفزع بالضرب أو التقييد بالسلاسل. مناشداً جميع الأهالي: بأن يتعاملوا مع مرضاهم بأنهم مرضى نفسانيين وعقولهم ليست كعقولنا.
تقول غادة عبدالرحيم: يحتاج المريض للرعاية الصحية الممتازة كالتغذية الجيدة التي تساعده على أخذ علاجه وتقوية عقله. وكادر تمريض لا ينقصه فن التعامل مع الأمراض النفسيين ويعامله كأنه مرض حمى عادية. لافتة إلى أن “أدوية المشفى قليلة ولا فائدة منها فهناك أدوية تغيبت من المستشفى وهي تعتبر الأهم للمريض”.
وأضافت: كما أن الأطباء المختصين في المستشفى مهم جدا تواجدهم، ذلك لفهم حالة المريض وعلاجه بشكل افضل، ولكن لا يوجد هذا الكادر.
غادر معظم الأطباء المتخصصين في شتى المجالات البلاد مع اندلاع الحرب وانهيار المؤسسات الصحية.
سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء ومعظم البلاد في الربع الأخير من 2014، وتدخل تحالف تقوده السعودية دعماً للحكومة الشرعية في 2015م في محاولة لردع الحوثيين.
المجتمع والمرفق والدولة
يعتبر محمد طه سعيد رئيس هيئة التمريض بمستشفى الأمراض النفسية أن المريض النفسي في اليمن “ينقصه المجتمع والمرفق والدولة”.
وقال سعيد لـ”يمن مونيتور”: أن المجتمع يرفض مريض الأمراض النفسية رفض نهائي ولا يحاول أن يتعامل معه كمريض نفساني يحتاج رعاية وانتباه وتغذيته بشكل فضل والأشراف على جرعات علاجه، بينما المرفق لا يوجد كادر كامل وخاصة بعد الحرب التي جعلت الجميع يترك مدينة تعز.
وتابع: كما أن التغذية تنقص المستشفى بشكل رهيب حيث يتناول المريض وجبة أو وجبتين باليوم، وهي عبارة عن قطعة خبز وشاي أو رز ابيض مع بطاط وهذه تغذية ليست جيدة. مشيراً إلى أن ميزانية التغذية السنوية تبلغ “750 ألف ريال يمني لعدد من المرضى تتروح بين 337 و300 مريض”.
متسائلاً: أين هي منظمات المجتمع المدني؟ ولماذا تم سحب بعض المنظمات التي كانت قد دعمت المستشفى ولو بالقليل من علاجات واهتمام طبي ورعاية صحية؟
من جهتها تقول “سعيدة عثمان غالب” مشرفة النظافة بالمستشفى لـ”يمن مونيتور”: نعمل قصار جهدنا من أجل نظافة المريض من مظهر ومكان ولكن نحن بالقسم الغسل لا نملك سوى غسالة واحدة منزلية دون نشاف ولا يوجد كهرباء لهذه الغسالة؛ لأنه يتم غسل ثياب 140 مريض باليوم وليست ثياب مرضى عاديين أنما هي ثياب مرضى نفسانيين ولكم أن تتخيلوا كمية الأوساخ التي تتساقط منهم دون إرادتهم.
لم يتمكن “يمن مونيتور” من الوصول إلى السلطة المحلية للحصول على تعليق.