ان الثقافة هي المشروع الحقيقي الذي نستطيع التعويل عليه والايمان به والركون اليه في قادم الأيام وفي أجندة هذي البلاد.. منذ أن تأسست – العام 1996م في تعز – غدت مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة مثارَ جدلٍ طيب واستحسانٍ بالغ في الأوساط الثقافية والأكاديمية اليمنية، ففي ظل فقرٍ مدقع تشهده ساحة الانتاج الثقافي، وشللٍ تام أصاب المؤسسة الثقافية الرسمية، جاءت تلك المؤسسة يومها لترسم أجمل الملامح وأصدق القسمات في المشهد الثقافي اليمني، ولتُبشّر بضخّ الدم الحار في الأوردة الباردة والشرايين المتصلبة في الجسد الابداعي.
وإذا كانت أموال بيت هائل السبب الرئيس في انجاح مرحلة التأسيس لهذه المؤسسة، فان عقول المثقفين، الى جانب الادارة المثقفة، كانت العامل الأبرز في مضمار الاستمرار والتطوير. وفي الأساس من ذلك أن ادارة هذه المؤسسة أُوكِلت للأستاذ فيصل سعيد فارع، بما يعنيه شخصه من زواجٍ كاثوليكي بالعملية الثقافية، ومن ارتباطٍ عضوي بالعقلية التنموية، فكانت التنمية الثقافية هي الاستراتيجيات التي أنتهجها الرجل لجعل المؤسسة في صدارة الأحلام المحققة والمشاريع المطبقة في الساحة الثقافية اليمنية، في زمنٍ قياسي عجزت عنه مشاريع مؤسسات الدولة، وتخلّفت عنه مشاريع الأحزاب والتنظيمات.. حتى أن جائزة المرحوم هائل سعيد أنعم للعلوم والآداب باتت مثار اهتمام واعجاب مؤسسات وشخصيات ذات شأنٍ ووزنٍ ومكانة في الأوساط الثقافية والأكاديمية العربية.
وإذا كانت الحرب القائمة منذ خمس سنين قد أوقفت عجلة هذه المؤسسة، قد أغلقت الباب وهدمت الجدار، الاَّ أننا لا نستطيع القول بأنها أجهضت مشروعها البتة. فهناك ارثٌ تمَّ البناء عليه جيداً، وتراثٌ جدير بالنهوض والاستمرار في اللحظة التي تتوقف فيها جِنِّيَّةُ الحرب عن رقصها الماجن. ولا أشكّ لحظةً واحدة في أن لدى فيصل ما يشغله من مشاريع وأفكار ورؤى يستحضرها لتلك اللحظة.
ان الثقافة هي المشروع الحقيقي الذي نستطيع التعويل عليه والايمان به والركون اليه في قادم الأيام وفي أجندة هذي البلاد.. أما السياسة فهي في محصلتها الأخيرة مجرد لعبةٍ قذرة، بل هي لعمري أدعرُ من أتان الأصفهاني ومن كلبة الشنفراني !
—————————————————–
” * ” كلمتي في حفل تكريم الصديق الأستاذ فيصل سعيد، الخميس الماضي، بيت الثقافة، صنعاء.