أبكار السقاف…
هل لهذا الاسم أيُّ رنين في الأوساط الثقافية اليمنية؟
هل سمع أحدهم بها؟
هل قرأ أحدنا لها؟ أبكار السقاف…
هل لهذا الاسم أيُّ رنين في الأوساط الثقافية اليمنية؟
هل سمع أحدهم بها؟
هل قرأ أحدنا لها؟
وما هي القيمة الثقافية التي تُمثّلها هذه القمة المعرفية في مجتمع النخبة الأنتلجنتسية المصرية بالذات؟
ولكن -قبل هذا وذاك- من هي أبكار هذي؟
وُلدت أبكار محمد سعيد السقاف في 4 يناير 1913م في العاصمة المصرية القاهرة، من أبٍ يمني حضرمي مهاجر وأُمٍّ مصرية ذات أُصول تركية.
كان محمد سعيد السقاف مهجوساً بالنزعة الثورية القومية وملبوساً بالوعي التحرري العروبي، ولذا شارك مع الشريف الحسين بن علي في الثورة العربية الكبرى سنة 1916م.
شربت أبكار كؤوس العلم مترعةً منذ الصبا الباكر، وحصلت على تعليم متميز جداً في أرقى مدارس مصر حينها، وظهرت لديها في طلائع مراهقتها قدرات ابداعية طيبة في الآداب والعلوم واللغات.
وذات يوم تعرَّفت الى الأديب الفذ عباس محمود العقاد فصارت صديقته المقربة -على غرار ميّ زيادة- كما كانت من أنجب تلاميذه. وقد ساعدها في تنمية مواهبها الابداعية وقدراتها الكتابية، وهو ما ظهر جليَّاً في أعمالها اللاحقة.
في أوائل شبابها خُطِبت أبكار الى الأمير محمد ادريس السنوسي (قبل أن يصبح بعدها ملكاً على ليبيا) لكن مشروع الاقتران الذي كاد يجعلها ملكة عربية لم يتم لخلافات سياسية نشبت يومها بين الوالد والخطيب. بعدها تزوجت أبكار مرتين، من مصري في الأولى مات بعد ثلاثة أشهر من الزفاف، ومن تركي في الثانية مات بعد ثلاثة أعوام !
تعدَّدت مؤلفات بنت السقاف في الآداب والسياسة والتاريخ والفلسفة وعلم مقارنة الأديان. وقد كانت تكتب بالعربية والانكليزية والفرنسية. غير أن جُلّ -إنْ لم يكن كُلّ- كتابات ومؤلفات أبكار السقاف كانت تدخل في دائرة المحظور، أو في نطاق المسكوت عنه، بل الممنوع سياسياً أو بالأصح كهنوتياً.
ويؤكد بعض العارفين أن الرئيس جمال عبدالناصر أصدر تعليمات بمنع طباعة ونشر وتداول كتبها، تحت وطأة هجمة شرسة أطلقها بعض رموز الأزهر والمنابر الدينية الرسمية، بل بلغ الأمر حدَّ تحديد اقامتها جبرياً في منزلها بالأسكندرية. وهو ما أصابها بحالة اكتئاب شديد حتى وفاتها.
بعد رحيلها بفترة غير قصيرة رأت بعض كتب أبكار النور . ولها عمل موسوعي ضخم (طُبعت منه ثلاثة أجزاء فقط) حمل عنوان “نحو آفاق أوسع” وهو العمل الذي شكَّل انقلاباً جذرياً في الوعي تجاه عدد من المفاهيم والقناعات المتصلة بجملة من الحقائق المترسبة بصدد أمور حميمة في قضايا تتعلق بالدين والاجتماع والفلسفة والتاريخ الانساني.
كما أن بعض أعمال أبكار التي أُتيحت للنخبة المثقفة قد أثْرت وأثَّرت عميقاً في تفكير عدد من أبرز المفكرين مثل الدكتور فرج فودة والدكتور نصر حامد أبو زيد والدكتور سيد القمني، والأخير قال في مقابلة موثقة أن عدداً من كتب أبكار شكَّل نقلة نوعية في ثقافته النقدية وتوجهه العلمي، وأن ذلك العمل الموسوعي لأبكار مثَّل له انقلاباً في الأفكار.
لقد تعرَّضت هذه العالمة والأديبة الفذَّة لحملات لم تنقطع من القمع والمنع والتكفير والمصادرة من قبل كهنة التخلف الديني والتبجُّح الرجعي وكهنوت الفكر في خمسينيات وستينيات مصر ، وهو ما ظلت تعانيه حتى رحيلها سنة 1989م.