الشارع في عدن يغلي من جور المعاناة، الارتفاع الجنوني للأسعار، لا خدمات تذكر الا في ما نذر، المياه تكاد تكون منعدمة وهي نعمة من نعم الله، واساس الحياة، انقطاع المياه هو تهديد واضح للحياة، مناطق ينتظرونها يوم في الاسبوع، ومناطق تمر على انقطاعها أشهر، والكهرباء التي صارت ضرورة من ضروريات العصر، في مدينة عرفت الكهرباء 1922م، سباقه ليس في الكهرباء فقط، بل بكل نعم العصر والتطور، بالإذاعة والتلفزيون، وهي اليوم تفتقد لهما، بالمسرح والسينما والفنون، وهي اليوم دون مسرح محترم بمواصفات عادية، وهكذا بالنسبة للرياضة والمتنزهات والسواحل، التي تحولت لثكنات عسكرية، او نهبت لتتحول لكتل خرسانية، واستثمارات مشبوهة، عائداتها تذهب لجيوب النافذين، وترهق جيوب البسطاء والمواطنين، وتحرمهم نزهة بجمال عدن.
هذا كوم والسلم الاجتماعي المهدد كوما آخر، صرنا تحت رحمة المليشيا والسلاح وهو متاح بيد كل الجهلة والمتخلفين والمتعصبين، سلاح لا قانون ينظمه ولا نظام يضبطه، هو بيد جماعة تهددنا من حين لآخر، الزموا بيوتكم، الوضع سينفجر، ولن نستسلم سنحرق عدن عن بكرة أبيها، خطاب تهديد ووعيد للناس، وعندما تتمعن في مصادر ذلك الخطاب تعرف حجم المعاناة، مصدره المتورطين بانتهاكات وجرائم يندى لها الجبين، هم المتهمين بقتل الشباب أمجد عبدالرحمن وباطويل وغيرهم، وهم المتهمون بقتل الائمة ورجال البحث والأمن، تقارير وشواهد واستدلالات كشفت حقائق تورطهم، وهم لصوص وناهبي الأراضي والمتنفسات وممتلكات الناس والدولة، يجدون مصالحتهم في تأزم الامور، ليحكم سلاحهم المدينة، ويفرض واقع يقوي من نفوذهم، ويصعب محاسبتهم وتنفيذ القانون في حقهم، ويعطل العدل والانصاف، وتذهب دماء الأبرياء أدراج الرياح، حسابهم عند أرحم الراحمين.
يخافون من الاستقرار، واستقامة عود الدولة والنظام والقانون، خوف الحساب والعقاب، والعدل والانصاف، واتفاق الرياض باب من أبواب هذا الاستقرار، الذي ينشده الشارع اليوم للخروج من جور المعاناة، اتفاق الرياض الذي سيعيد للدولة مكانتها، وللنظام والقانون احترامه، وللمواطنة شيئا من الاحترام، عندما تستقيم الدولة والشراكة، ويتم تنظيم إيرادات الدولة التي اليوم تذهب لجيوب الفاسدين ولصوص فرض الإتاوات، في الأسواق ونقاط استخلاص الضرائب والجمارك، تصور هذا الكم من العبث، والكم من الأموال التي تذهب لتغذي العصابات والنفوذ والمليشيات، والتي هي اليوم تستبسل لتدافع عن تلك المصالح، وترفض أي اتفاق يخضعها للنظام والقانون، لوبي يمتد ليصل الى قمة اللاعبين السياسيين والعسكرين في أطراف الصراع، ومعه لوبي اعلامي يتغذى من فتات تلك المصالح ويدافع عنها.
حتى اضراب المعلمين هو جزء من هذا السيناريو العبثي، وهي كيانات نقابية شكلت وتم تموينها لهذا الغرض لتعيق استقامة الدولة والنظام والقانون، الذي سينصف المعلم، وسيبني استراتيجية تعليمية تنهض بالبلد، وما يحدث على الواقع هو تجهيل، وأصابت التعليم بحالة من الخمول والتذمر والاحباط، للمعلم والطالب معاً، مما ينقل تلك الإصابة للمجتمع ككل.
واثق انه لن يمر الوقت طويلاً دون أن تتحرك الكتلة الاجتماعية الحية صاحبة المصالحة الحقيقية باستقامة الدولة، وتفعيل النظام والقانون، لإنقاذ البلد من طيش وتهور تلك الكائنات، من تلك المصالح الضيقة، من الفاسدين ولصوص من يقتاتون على حساب معاناة الناس، ولا يريدون للواضع أن يستتب، والعود أن يستقيم، والعبث أن يزول، وهناك تفاعل اجتماعي ينهض بفكرة مقاومة العبث وزوال التململ في أوساط الناس واستنهاض الهمم، للدفاع عن حقهم في الحياة، وأطفالها في التعليم، صحو لابد منها حتى ننفض من على كاهلنا هذا العبث والمعاناة، وإن غدا لناظرة لقريب.