تعرَّفتُ ذات يومٍ بعيد إلى بحار يوناني كان يعمل على متن باخرة ترسو في ميناء عدن كل بضعة أشهر. وكان الرجل يعشق عدن وله فيها ذكريات جميلة. وكلما حطَّت قدماه على أرض المدينة يأتي الى مقهى أعتدتُ التردُّد عليه في الحديقة الكائنة في حي حافون.
تكررت لقاءاتنا. وذات يوم -وأظنه قد اطمأن اِليّ – أسرَّ لي بأنه يهودي، ولكنه لا يؤمن بالصهيونية ولا يتفق مع سياسات اسرائيل وممارساتها ضد الشعب الفلسطيني. ولا أدري مدى صدقه في هكذا مزاعم، ولكنه حذَّرني مرة -وكررها مرة- من اليهود، وبالذات اليهود العرب، قائلاً بسخرية: مصيبة هؤلاء أنهم يهود وأنهم عرب في الوقت نفسه!
تذكَّرتُ هذه المقولة للصديق البحار اليوناني اليهودي فيما أقرأ تقريراً صحافياً مترجماً عن صحيفة تركية. يتحدث التقرير عن خارطة انتشار اليهود الشرقيين “السفارديم” والعرب منهم بالذات في المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية الاسرائيلية. ويشير إلى أن عناصر هذه الفئة -أو الطائفة- بالذات في تلك المؤسسات هم الأكثر ولاءً للدولة الصهيونية من “الاشكناز” يهود أوروبا وأمريكا، وأنهم الأكثر خبثاً وقبحاً وشراسة لاسيما في أجهزة المخابرات والبوليس) في تعاملهم مع الفلسطينيين، إذْ يُبالغون في استخدام وسائل القمع والتنكيل والتعذيب ضد المتظاهرين والمحتجين والمناوئين للسلطات الاحتلالية والاستيطانية من أبناء الشعب الفلسطيني، وبطرائق وأساليب يأنفها الوازع الأخلاقي ويندى لها جبين الضمير الانساني.
ويؤكد التقرير -الذي يحمل عنواناً ضمن أخرى يقول: العرب الأكثر قمعاً للعرب في اسرائيل- أن الكثير من الاشكناز من الرجال والنساء يتأففون من قمع وتعذيب النساء والأطفال بالذات، فيما على العكس من ذلك لا يجد السفارديم والعرب بالذات أدنى غضاضة من ممارسة ذلك، بل باستمتاع واستلاذ غالباً، ومن دون التفكير بأدنى رادع أو محذور انساني أو قانوني!
وبالرغم من أن السفارديم ظلوا في بؤرة الاحتقار ليس من قبل الاشكناز فحسب، وانما أيضاً من قبل قادة اسرائيل ورموزها التاريخيين وعلى رأسهم دافيد بن جوريون الذي كتب في مذكراته: “إن يهود أوروبا شكَّلوا شخصية الشعب اليهودي في العالم بأسره، والصهيونية هي في الأساس حركة اليهود الغربيين “مُشبِّهاً اليهود العرب (العرب بالذات وليس السفارديم اجمالاً) بأنهم مثل “الزنوج الذين أُحضِروا إلى أمريكا كعبيد”!.. إلاَّ أن هؤلاء استمروا واستمرأوا المبالغة في تنكيلهم بعرب فلسطين -المسلمين والمسيحيين على السواء- على نحوٍ سافر وسافل.
وفي السياق ذاته، في تناوله لهذه الحالة، يشير عالم الاجتماع الاسرائيلي ايهودا شينهاف الى الاهتمام الخاص الذي توليه أجهزة الأمن والمخابرات الاسرائيلية لتجنيد اليهود القادمين من البلاد العربية (لاسيما العراق والمغرب واليمن ومصر) ليس فقط “لتستفيد من لغتهم وأشكالهم في اختراق محيط الأعداء”، ولكن أيضاً وأساساً لأنهم أظهروا ميلاً واضحاً للانغماس بقوة مفرطة في المجتمع الاسرائيلي ومؤسساته بأيّ ثمن وعلى حساب أيّ شيْ بما فيه آدميتهم، ولهذا فأنهم لا يتورعون في استخدام العنف بافراط تجاه أصحاب الأرض الأصليين من العرب غير اليهود!
يا ويلك من زنابيل اليهود.. لا من قناديلهم.