المؤرخ اليمني عبدالله العُمري و170 كتابا مخطوطا تنتظر نهاية الحرب
قد يندهش البعض من أن لدى المؤرخ والمحقق والباحث والشاعر اليمني عبدالله خادم العُمري (1950) وهو رجل تِهامي (نسبة لمنطقة تهامة) يُقيم في بلدة ساحلية بعيدة عن صنعاء، أحمد الأغبري
قد يندهش البعض من أن لدى المؤرخ والمحقق والباحث والشاعر اليمني عبدالله خادم العُمري (1950) وهو رجل تِهامي (نسبة لمنطقة تهامة) يُقيم في بلدة ساحلية بعيدة عن صنعاء، 170 كتاباً مخطوطاً تنتظر الطباعة؛ وهو اندهاش قد يتراجع عندما يعرف القارئ أن هذا الرجل، الذي يعاني كثيراً من آثار الحرب المستعرة في بلاده، سبق وصدر له عن وزارة الثقافة في صنعاء ومؤسسات يمنية وأجنبية عشرات الكتب في التراث والتاريخ واللغة وتحقيق المخطوطات والشعر والمسرح والقصة وغيرها.
لقد انهكت الحرب المستعرة هناك جميع أشكال الحياة ومختلف مجالات العمل والإنتاج بما فيها العمل الثقافي؛ فهذا الباحث والمحقق والشاعر والمؤرخ، كان ينعم قبل الحرب بوضعٍ مستقر ظل فيه دائب البحث والكتابة؛ فأصدر عددًا كبيراً من الكتب في التاريخ الأدبي والفلكلور الشعبي لليمن، خاصة منطقة تهامة الساحلية على البحر الأحمر، الذي يعد أهم مراجعها الثقافية، وقد شملت كتبه إصدارات شعرية وقصصية ومسرحية ولغوية وتراثية مختلفة، بما فيها تحقيق مخطوطات، وبالإضافة إليها يتحدث عن 170 كتاباً تنتظر الطباعة منها كتب كثيرة في تحقيق مخطوطات، مؤكداً على أن الحرب أثرت فيه تأثيراً كبيراً وأوقفت حاله، حد تعبيره.
يُقِيم في مدينته «بيت الفقيه» التابعة إدارياً لمحافظة الحديدة (غرب)، وهناك يمضي يومياته متعايشاً مع أمراضه ومتاعبه، منتظراً أن تتوقف الحرب ويستعيد اليمن عافيته، حيث يمكن أن يجد طريقاً لطباعة كتبه المصفوفة في حاسوبه، متسلحًا، في سبيل ذلك، بتفاؤل العالم.
من أهم الكتب التي صدرت له: «الألعاب الشعبية اليمنية» و«النهضة الأدبية في اليمن في عهدي الحكم العثماني» و«الأدب الشعبي العربي» و«صنعاء تهامة المخلاف السليماني»، وغيرها من الكتب الصادرة عن وزارة الثقافة في صنعاء، بالإضافة إلى كُتب صدرت ضمن سلسلة منتدى العمري؛ وهي المؤسسة التي أنشأها، وكان يُدير من خلالها أنشطته، ومن أبرز كتبه الصادرة عن المنتدى: «اللهجة التهامية في الأمثال اليمانية» و«الموال الساحلي في تهامة» و«فلكلور تهامة ـ مسرحيتان»، وسلسلة «بيوتات العلم في اليمن» في ثمانية أجزاء، بالإضافة إلى كُتب تحقيق مخطوطات، وهي كثيرة؛ نتيجة تميز منطقته (تهامة) بغزارة تراثها من المخطوطات، علاوة على إصداراته الأدبية في الشعر والقصة والمسرح مثل: «السمهري والرغود – مجموعة قصصية وحكايات شعرية» و«هموم» ديوان شعر ومثله أربعة دواوين أخرى، وكتاب «ذريعة المجاز لمحمد بن حسن فرج»، الذي فاز بجائزة السعيد عام 2000 في اليمن، وغيرها من الكُتب التي صدرت عن مؤسسات يمنية وأجنبية، كالمعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية في صنعاء.
وكما سبقت الإشارة فقد بلغ ولعه بتراث تهامة أن أنشأ منتدى باسمه، تجاوز بنشاطه في التأليف إلى إحياء هذه الفلكلور من خلال تشكيل فرق شعبية، أسهم، من خلالها، في تقديم تراث تهامة في عددٍ من البرامج الثقافية داخل اليمن وخارجه، ضمن مشاركات ثقافية يمنية في عددٍ من عواصم العالم.
غزارة وتنوع التراث اليمني، خاصة تراث تهامة، هو مَن فرض عليه هذا التنوع، لاسيما وأن كثيرا من الباحثين لم يتفوق في هذا المجال؛ لعدم المعرفة بخصوصيته الثقافية كاللهجة التهامية
التنوع
مَن يقف على نشاط العُمري يندهش من تنوعه، وهنا يوضح، في حديث لـ«القدس العربي»، أن غزارة وتنوع التراث اليمني، خاصة تراث تهامة، هو مَن فرض عليه هذا التنوع، لاسيما وأن كثيرا من الباحثين لم يتفوق في هذا المجال؛ لعدم المعرفة بخصوصيته الثقافية كاللهجة التهامية، وعدم معايشتهم لأهلها، كما لم يتمكنوا من مخطوطاتها؛ وهو ما توفر له،» حيث امتلِك من اللغة حظاً أعطاني القدرة لتوضيح المعنى المقصود، إلى جانب الصبر والدقة في التعامل مع التراث، كما أنني استطعتُ الحصول على مخطوطات لبعض علماء تهامة، وتوفر لي الوقت والجهد والإمكانية لدراستها وتحقيقها».
170 كتابا
كما أشار إلى أهم الأسباب التي ساعدته في إنجاز ما أنجز من كتب مطبوعة وأخرى مازالت مصفوفة، والمتمثلة في وضعه قبل الحرب، حيث تفرغ للبحث والتعليق والأدب، عوضاً عن شغفه بالمعرفة وامتلاكه مكتبة مراجع عامرة، كما أن وضعه المادي، سابقاً، باعتباره مارس التجارة، وفّر له إمكانات التنقل وتحمُل أجور مَن كان يعمل معه من الباحثين والدارسين في المنتدى، علاوة على أن صحته كانت أفضل مما هي عليه الآن؛ وهو واقع مكنه من إنجاز ما أنجز من كتب، بما فيها الكتب المخطوطة، التي منها «خمسة كُتب في الأساليب النحوية، وخمسة كتب عن مدينة زبيد التاريخية، وعشرة كُتب في التاريخ والتراث، وعشرة كُتب في عروض الشعر وبحوره وعلاقتها بالموشحات والشعر الشعبي، وكتب في اللغة وآلاتها، وكُتب في التاريخ وعلم المواريث والوصايا، وكُتب في أسانيد الأحاديث النبوية… والكثير من هذه الكتب هي تحقيقات، وكُتب تُعنى بالتراث العلمي والشعبي». يقول العُمري معرباً عن سعادته بما أنجزه، مؤكداً على أن كتبه غير المطبوعة لن تتأثر ببقائها حتى أوان طباعتها، متمنياً أن ترى النور في حياته، مثلما يتمنى أي أب أن يرى انتساب أبنائه وأحفاده إليه، حد تعبيره.
التوقف
«الحرب أثرت عليّ تأثيراً مباشراً صحياً ومادياً ونفسياً؛ ومَن في اليمن لم يتأثر بالحرب؟ فقد أصابت جميع اليمنيين، وتسببت بكثير من المعاناة للبلد كله، وأنا واحد منهم، حيث أعاني كثيراً من الأمراض، بما فيها كسر في ذراعي، وضعف شديد في بصري وغيرها من الأمراض، عوضاً عن انعكاسات الحرب على الظروف المادية نتيجة توقف صرف الرواتب وانقطاع سبل الحياة، لاسيما وأنني كنت أنفقتُ مالي في عملي الثقافي قبل الحرب؛ ولهذا توقف جهدي في الكتابة والتحقيق خلال الحرب»، يقول عبدالله العمري موضحاً ما آلت إليه حياته، جراء الحرب كنموذج لما يعانيه اليمنيون تحت وطأة حرب لم تتوقف منذ خمس سنوات.
وجراء هذه الحرب، أصبح كثير من اليمنيين غير قادرين حتى على التنقل والوصول إلى حيث يمكنهم الحصول على الخدمة الملائمة، ما يجعل من وصول العُمري إلى صنعاء، مثلاً، ليس بالمهمة اليسيرة، وهو يعاني مرضاً وعوزاً.. وحتى في صنعاء لن يجد مَن يتبنى طباعة كتبه، كما كان قبل الحرب، إذ يجب عليه أن يتحمل نفقات طباعة كتبه تجاريًا في الداخل، أو يتواصل مع دُور نشر عربية، ومثله لا يستطيع بحالته الصحية والمادية على أي منهما، ما يجعل من التعايش مع وضعه وانتظار توقف الحرب واستئناف الحياة في بلاده هو الأمل المتاح له، وهو التهامي البسيط الذي لا يملك سوى الكتب التي يفخر بها كنتاج لمسيرته في البحث والكتابة.
حصل العُمري على ليسانس بكالوريوس شريعة وقانون، وعمل مدرسًا وله مشاركات رياضية، قبل أن يتفرغ للأدب ودراسة التراث.
نقلا عن القدس العربي