يشكو محمد علي مما وصفه بـ”ابتزاز المستشفيات الخاصة للمرضى الذين هم في حاجة إلى رعاية خاصة في العناية” يمن مونيتور/العربي الجديد
تستمرّ معاناةُ اليمنيّين الذين ما زالوا يعيشون في ظلّ حربٍ وتداعيات قاسية أثّرت على معظم القطاعات. ولا يجد الكثير من اليمنيين أسرّة في أقسام العناية المركزة. والنتيجة هي الموت أو قبول “ابتزاز” المستشفيات الخاصة
“لم يكن في استطاعتي غير البكاء، وأنأ أرى والدتي غائبة عن الوعي أمامي والمستشفى ترفض دخولها لعدم توفّر سرير في العناية المركزة”. هكذا تصف أم عبد السلام الآنسي حالتها حين رفضت إحدى المستشفيات الحكومية في صنعاء استقبال والدتها في العناية المركزة بعدما أصيبت بجلطة دماغية. تقول لـ”العربي الجديد”: “قصدنا أكثر من مستشفى حكومي، لكن الحجة هي غياب أسرّة فارغة”، مشيرة إلى نقلها إلى مستشفى خاص لتتلقى العلاج. تستمر معاناة المرضى في اليمن في ظل وضع صحي شبه منهار نتيجة للحرب المستمرة في البلاد منذ مارس/ آذار عام 2015. إلا أن ما يزيدها سوءاً هو عدم توفّر أسرّة في أقسام العناية المركزة في كل المستشفيات الحكومية، وارتفاع كلفتها في المستشفيات الخاصة.
يقول عبد العزيز الزبيري إنه ظلّ يتنقّل من مستشفى إلى آخر في العاصمة صنعاء لمدة ست ساعات بحثاً عن سرير لطفله الذي يبلغ من العمر ثلاثة أشهر في أقسام العناية المركزة، إثر إصابته بنزيف في الدماغ، غير أنه فشل في العثور على سرير بسبب الازدحام الشديد للمرضى في كافة المستشفيات. يضيف لـ”العربي الجديد”: “اضطررت بعدها إلى وضع طفلي في قسم الطوارئ التابع لإحدى المستشفيات الحكومية، على الرغم من افتقاره إلى الأجهزة الطبية التي تستخدم في علاج الحالات الحرجة في أقسام العناية المركزة، الأمر الذي أدى إلى تدهور حالته الصحية وتعرضه لغيبوبة نُقل على إثرها إلى قسم حضانة الأطفال في محاولة لإنقاذه من الموت، إلا أنه فارق الحياة بعد خمس أيام فقط”. ويتابع الزبيري: “توفي طفلي نتيجة عدم تلقيه الرعاية الصحية اللازمة بسبب عدم توفر أسرّة في أقسام العناية المركزة في المستشفيات الحكومية وارتفاع أسعارها في المستشفيات الخاصة”. ويوضح أنّ كلفة الليلة الواحدة في غرفة العناية المركزة في مستشفى خاص يبلغ نحو 40 ألف ريال يمني (نحو 80 دولاراً)، وليس في مقدوري تحمل هذه المصاريف”. ويشير إلى أن “العثور على سرير في غرف العناية المركزة في المستشفيات الحكومية في صنعاء في الوقت الحالي بات بمثابة حلم للمرضى”.
بقيت زوجة عبد الواحد الصبري في قسم الطوارئ في مستشفى الثورة الحكومي، كبرى مستشفيات اليمن الحكومية، بعدما أكد الأطباء عدم وجود سرير في العناية المركزة. يقول عبد الواحد لـ”العربي الجديد”: “تعرضت زوجتي لحادث في محافظة تعز (جنوب غرب البلاد).
وعلى إثره، تضرر عمودها الفقري والحبل الشوكي ودخلت في غيبوبة، واضطررت إلى السفر إلى صنعاء لإدخالها إلى مستشفى الثورة الحكومي، لكنني فوجئت بعدم وجود سرير في قسم العناية المركزة”. يشير إلى أنّ الطبيب نصحه بنقلها “على الفور إلى إحدى المستشفيات الخاصة لأن حالتها الصحية خطيرة للغاية. وبناءً على ذلك، نقلتها إلى قسم العناية المركزة في مستشفى خاص. وفور وصولي، طلبت مني الإدارة مبلغ تحت الحساب، وأعطيتهم كل ما في حوزتي من مال على أمل أن تتحسن حالتها الصحية”.
يوضح الصبري أنه “بعد ثلاثة أيام من دخولها العناية المركزة، لم تظهر عليها علامات التحسن. ثمّ تواصل معي أحد معارفي ليبشرني بأنه استطاع حجز سرير في العناية المركزة في مستشفى الثورة الحكومي، وأنّه علي نقل زوجي إلى هناك فوراً”. يشير إلى أن المستشفى الخاص رفضت السماح له بإخراج زوجته من العناية المركزة، إلا بعد دفعه مبلغ 360 ألف ريال يمني (نحو 700 دولار أميركي)، إضافة إلى مبلغ 40 ألف ريال يمني (80 دولاراً) في مقابل سيارة الإسعاف التي نقلت زوجته إلى المستشفى الثورة الحكومي. يضيف: “بقيت زوجتي بضعة أيام في مستشفى الثورة الحكومي وفارقت الحياة”، مؤكداً أن المستشفيات الخاصة في صنعاء تستغلّ حاجة المرضى للرعاية الصحية وتفرض عليهم مبالغ كبيرة، “على الرغم من خدماتها السيئة”.
من جهته، يشكو محمد علي مما وصفه بـ”ابتزاز المستشفيات الخاصة للمرضى الذين هم في حاجة إلى رعاية خاصة في العناية”. ويقول: “تشعر بأن لديهم قلوب من حجارة، يشاهدون المريض يموت، لكنهم لا يحرّكون ساكناً، ولا يرضون إدخال المريض إلى قسم العناية إلا بعد حصولهم على المال”. ويشير إلى أن إحدى المستشفيات الخاصة طلبت منه مبلغ 500 ألف ريال يمني (نحو 1000 دولار أميركي) مقدماً تحت الحساب في مقابل إدخال جدته إلى العناية المركزة. يضيف لـ”العربي الجديد” أنه “لم يكن في حوزتي حينها سوى نحو 300 ألف ريال (نحو 600 دولار) دفعتها كلها ورهنت سيارتي الخاصة إلى حين سداد باقي المبلغ”. يضيف أن “المستشفيات الخاصة في صنعاء تبتز المواطنين لأنها تعلم أنهم مجبرون على العلاج فيها بسبب الازدحام في المستشفيات الحكومية”، لا سيما في ظل عدم قدرة المرضى على السفر إلى الخارج بسبب الحظر المفروض على المطارات في المناطق الخاضعة لسيطرة أنصار الله الحوثيّين.
إلى ذلك، يؤكد الطبيب أنور الشميري أنّ “الكثير من المرضى في اليمن يجدون صعوبة كبيرة في الحصول على سرير في العناية المركزة بسبب قلتها في المستشفيات الحكومية في مقابل زيادة عدد المرضى”. ويشير إلى أن المستشفيات الحكومية تضطر أحياناً إلى إضافة سريرين أو ثلاثة فوق طاقتها الاستيعابية لقسم العناية المركزة، لإنقاذ بعض الحالات الحرجة من الموت”. يضيف لـ”العربي الجديد” أن “غالبية المرضى في صنعاء يحصلون على سرير في العناية المركزة من خلال الوساطة، وتكون بمعظمها على حساب مرضى آخرين حالتهم الصحية خطرة للغاية”.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن أكثر من نصف المرافق الصحية في اليمن باتت خارج الخدمة من جراء الحرب المتصاعدة منذ مارس/آذار عام 2015. وبحسب خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2019، والتي أعدتها في فبراير/شباط الماضي، فإن 19.7 مليون شخص في حاجة إلى رعاية صحية في كل أنحاء البلاد. أما الكلفة، فتصل إلى 627 مليون دولار أميركي.