طفلة في الثامنة من العمر.. عمر البراءة الغض، إنها تتميز باسمرار جميل يبعث في الذات أنواعا من الانبهار وأنواعا من الإعجاب الشديد.
صادفتها تمشي حافية القدمين بخفة لم يعتاد لي رؤيتها، لم أكن فضولية للحد الذي أسألها عن سر هذا، وليست فضولية صديقتي أيضا عندما التقتها وسألتها عن سر ذلك.. كان جوابها مثيرا للحزن ومثيرا أيضا لنوع من الأمل المفقود، سألتها صديقتي لماذا تمشين حافية القدمين يا سعاد ألا تخشين على ذاتك أن تجرحي والطريق مليء بما يجرح لولم نحمل لنا الوقاية.
أجابتها بتلك البراءة التي يتميز بها الأطفال وحدهم، قالت إن حذائي قد انتهى قبل فترة كبيرة وقد وعدني أبي أن يشتري لي حذاءً جديدا بعد أن يحصل على العمل في هذه الأيام القريبة وسألبسه للمدرسة فقط حتى لا ينتهي علي بتلك السرعة التي انتهى بها الحذاء الأول.
ترى هذه الصغيرة من علمها سرعة البديهة هذه وهذه الحنكة والقناعة؟ مضت مسرعة بعد أن أجابت على السؤال الذي طرح عليها تخطو بخفة تلعب بين الأطفال الذين يشابهونها حالاً ومستوى تجيب على من يحاول السخرية من رجيلها المتسختين بأنها تغلسها أول ما تدخل البيت وهذا ليس بمعيب عليها!
جاء النصف الدراسي الثاني وهي غائبة عن المدرسة لذلك العذر بالإضافة إلى عدم قدرتها على الحصول على مستلزمات الدراسة لكنها مقتنعة بما قدر لها تنتظر اليوم بعد الآخر حتى يتسنى لأبيها شراء الحذاء ومستلزمات الدراسة، وهي بشوق للمدرسة تتدبر في ذاتها أعذارا واعتذارا للمعلمة التي ستسألها عن سبب الغياب.
هي ذكية جدا ولا تود أن يطرح حالها محل الرحمة والإشفاق تقول: إنه من المستحيل أن تعلم المعلمة أن سبب غيابها هو عذر مادي بحت وإنما ستخبرها أنها عانت من مرض شديد أقعدها وغيبها عن المدرسة، جاءها أبوها بما طلبت فكانت سعيدة للغاية وفي الوقت ذاته تحمل بذاتها هما كبيرا إذ إن أباها أحضر لها ما تريده ولكنه دين عليه هذه الطفلة مازال أبوها على قيد الحياة يحاول جاهدا توفير حاجياتها ويحاول ألا يراها تعيسة بين من هم في سنها.
ترى كيف هو حال بنات من راحوا إلى العالم الآخر ومن أباؤهن طريحي الفراش مرضى وجرحى بيحثون عن العلاج الذي يعيشون به فقط ونوعا من الأمل بالشفاء؟