يظل كثير من الناس أسرى مفاهيم أو معلومات خاطئة لردحٍ طويل من الزمان، وذلك جرّاء قراءتهم أو سماعهم لها من مصادر ظنّوها موثوقة للأسف. وعلى أساس هذا الظن استقرت في أذهانهم كمُدخلات يقينية لا يأتيها باطل من قُدّام ولا من وراء ولا على شِق!
ونادراً ما يتيقّن المرء مجدداً أن ما ظنّه يقيناً كان بهتاناً أو ما اعتقده صحيحاً كان خاطئاً. وبرغم ذا قد يُصوّب خطأً ما فيما تظل أخطاء أخرى دون تصويب في هذا المفهوم أو تلك المعلومة.
من بين هذا وتاك ما وصل الينا على أنها من بنات اليقين أو سيدات الصواب، مما جاء في كثير من المصادر أن الملكة اليزابيث -وخلال الزيارة التي قامت بها لمدينة عدن يوم 27 أبريل 1954 ولم تدم أكثر من يوم وليلة- قد نزلت في جناح أُعِدَّ لها خصيّصاً في فندق الهلال (الكريسنت) في حي التواهي بمدينة عدن.
والحقيقة أن الملكة اليزابيث نزلت ليلتها في دار الحاكم البريطاني لعدن السير توم هيكنبوثام الواقعة على هضبة هذا الحي وهو موقع معروف للكثيرين بتسمية “رأس طارشين”. ولم تزر قط ذلك الفندق الذي كان صاحبه ومعه نفر من الوجهاء قد تمنُّوا على صاحبة الجلالة في مراسلاتهم لها الاقامة فيه خلال تلك الزيارة.
ومن تلك المعلومات المغلوطة أيضاً ما تردَّد كثيراً أن قابوس بن سعيد بن تيمور -قبل أن يصير ولياً للعهد أو سلطاناً، أي في سني عمره المبكرة- تلقّى تحصيلاً علمياً واقامة في المدرسة التي كانت كائنة على أحد جوانب جبل حديد المعروف في عدن، والتي كانت مُخصَّصة لتأهيل أبناء السلاطين والوجهاء ابان عهد الاحتلال البريطاني.
والحق أن السلطان الراحل مؤخراً لم ينل يوماً شرف الاقامة أو الدراسة أو التنزُّه في مدينة عدن، وانما نال تأهيلاً علمياً وسياسياً وعسكرياً في مدارس وكليات بريطانية، آخرها “ساند هيرست” المشهورة عالمياً بأنها حاضنة تأهيلية رفيعة المستوى والمكانة للملوك والزعماء والقادة وأبنائهم وأحفادهم.
وغير هذي وتلك ثمة معلومات شتى تردّدت على الأسماع وفي الأوراق على أنها صحيحة تمام الصحة وهي باطلة كل البطلان في حقيقة الأمر. ومن بينها ما جاء في كثير من المصادر التي تناولت سيرة الشاعر المعروف الدكتور محمد عبده غانم على أنه أول خريّج يمني، بل زعم البعض أنه أول حاصل على الدكتوراه من اليمنيين.
وقد كنتُ واحداً ممن يعتقدون بصحة هذه المعلومة حتى تثبَّتُّ من بطلانها بمعرفة أكيدة وطيدة أن صاحب هذه الصفة هو الدكتور حسين فيض الله الهمداني.
لقد نال غانم البكالوريوس سنة 1936 فيما نالها الهمداني سنة 1924..
ونال الأول الدكتوراه سنة 1969 فيما حصل عليها الثاني سنة 1931..
ونظراً لضيق الحيز، سيكون هذا العلاَّمة موضوع مقالي في الأسبوع المقبل.