“الناسور الولادي” في اليمن.. مرض صامت يحول حياة الأمهات إلى جحيم (تقرير خاص)
لم تعد “رحاب” قادرة على الانجاب، بعد أن عانت من مرض صامت قتل إمكانية الانجاب بعد ولادة متعسرة أدت إلى إنهاء أحلامها ومزقت أسرتها بعد أن تخلى عنها زوجها وساهمت الحرب في تفاقم حالتها.
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من فايقة حسين
لم تعد “رحاب” قادرة على الانجاب، بعد أن عانت من مرض صامت قتل إمكانية الانجاب بعد ولادة متعسرة أدت إلى إنهاء أحلامها ومزقت أسرتها بعد أن تخلى عنها زوجها وساهمت الحرب في تفاقم حالتها.
“الناسور الولادي” المرض الذي يفتك بنساء اليمن مع تدهور الصحة في معظم المناطق اليمنية، حيث تعمل أقل من نصف المستشفيات والمراكز الصحية في البلاد، أما مدينة تعز فوضعها أشد صعوبة فالمستشفيات الموجودة في المدينة وبسبب الحصار يصعب الوصول إليها.
بالنسبة لنساء الريف مثل “رحاب” فـ”الناسور الولادي” شبح يطارد النساء. فالمرض الذي ينتشر في أماكن يقل فيها الوعي بين النساء، وتعيش معه كثير من النساء في جحيم لا يطاق وسط صمت مجتمعي يغيب مثل هذه الأمراض ولا يتفاعل معها بالشكل المطلوب.
رحاب الرشيدي فتاه في منتصف العقد الثاني من عمرها، قدمت من المخا منطقه (الوازعية) قالت إنها بعد تشخيصه بالمرض تعاني “نبذ الأهل والزوج لها قبل نبذ المجتمع. عندما كانت تعاني نفسيًا ومعنوياً كان زوجها يكتب ورقه طلاقها بحجه أنها لم تعد إمراه صالحة لتكمل معه بقية حياتها. مضيفة أنه “تخلي عنها وعن أولادها”.
تقول لـ”يمن مونيتور” إنها تعرضت لولادة منزلية متعسره، طلب إحالتها إلى أي مستشفى مختص بالولادة عبر قابلتها التي كانت معها أثناء الولادة بمنزلها، إلا أن الزوج رفض؛ بحجه أن النساء تلد بالمنازل، وكان وضعه المادي صعب إلى جانب صعوبة الطريق.
وعندما شعر الزوج بأن حالتها متعبة جدا وربما تفارق الحياة، أخذها فورا إلى أحد مستشفيات تعز ونتيجة قطع الطريق وطولها بسبب الحرب والحصار القائم حالياً تعسرت الولادة بشكل أقوى مما جعلها تلد بالطريق، “وصاحبها نزيف حاد لم يتوقف، إلى أن وصل بها إلى مستشفى حكومي، وتم الكشف عليها وتشخيصها بإصابة ناسور مهبلي مستقيمي نتج عن الولادة المنزلية وطوله فترتها التي كان ينبغي على الأهل أسعفها الى مركز صحي متخصص بالنساء والولادة بمجرد شعورها بالطلق الأول”.
تزايد الحالات
توجهت مع أمها الى مستشفى بتعز لأجراء عملية جراحية في المهبل والمستقيم من أجل تخفيف معاناتها والوقوف مجددا للحياة وتربية أولادها بمفردها بعد تخلي زوجها فور إصابتها.
تقول الطبيبة جواهر المروني طبيبة نساء وولادة بمستشفى المظفر بتعز تقول لـ” يمن مونيتور”: تبلغ عدد الحالات خلال سنه 8-10حالات بالمستشفى المظفر وجميع الحالات تأتي إلينا بعد الولادة المنزلية المتعسرة، وخاصة تعسر الأم وصعوبة اسعافها نتيجة قطع الطرق ووعورتها من منطقة إلى أخرى؛ بسبب الحرب والحصار الذي نتج عنه أوجاع الامهات وإصابتهن بالناسور الولادي بكل أنواعه.
وأضافت، بأن ذلك ينتج عن قلة الوعي في الأرياف والمناطق التي لا يوجد فيها مراكز توعية في مجال الولادة المتعسرة وأضرارها. كما لا يوجد وعي من الأهالي بأن العلاج بالمستشفى يحمي الام وطفلها، ويفضل ولادة البيت بحجة أنه أفضل لها وأرخص وتكون في وأمان وستر وهو لا يعرف العواقب التي ستحصل جراء ذلك.
وتقول الدكتورة المروني: “قد تكون الأم محتاجة عملية قيصرية إذ يكون ضغط المتواصل من رأس الطفل على عظام حوض الأم يضر بالأنسجة الرخوة، ويخلق ثقبًا أو ناسورا بين المهبل والمثانة أو بين المستقيم المهبل يمنع الضغط الانسجة من تدفق الدم اليها مما يؤدي الى تأكلها في نهاية المطاف الانسجة الميتة تنزلق خالقة ناسوراً وهذا الامر يسبب تسرب للبول مستمر أو براز مستمر عن طريق المهبل.
وتضيف المروني: الناسور يندرج تحت الأمراض التي يسببها الفقر وقلة الوعي ويكون هناك انفجار بين فتحة المثانة والمهبل أو بين المستقيم والمهبل فيتبين لنا بعد الكشف أنها مصابة بناسور ولادي نتيجة تأخير في وصولها الى المستشفى ومتابعتها من بداية الولادة.
وقالت إن المستشفى الذي تعمل به “يفتقر إلى وحده تختص بالناسور الولادي، كما أنه لا يوجد قسم جراحه متكاملة لهذه الحالات، وبالتالي: يصعب علينا معالجتهم فيتم تحويلهم إلى مستشفيات خاصة فهناك الأطباء المختصين بذلك ويتم التعاون من أجل انقاذ المصابة بالناسور”.
الخوف من الأطباء
حال هدى إبراهيم ليس أفضل من “رحاب” حيث “تعسرت ولادتها؛ لأن حوضها ضيق ولا تنفع لولادة طبيعية، كما أنها ولدت طفلها الأول بعملية قيصرية بمدينه تعز بمستشفى الجمهوري”.
في الولادة بطفلها الثاني “بمستشفى أطباء بلا حدود في منطقه الحوبان، وهنا أخبروها بانها تستطيع أن تلد طبيعي ولن يحصل لها شيء، زوجها كان خائف عليها ولم يركز على أي أوراق وقع عليها، وتبين له بعد ذلك، أن المستشفى تخلي مسؤوليتا في حال اصابها بشيء.”
طالبهم بإجراء عملية قيصرية لها كما حصل بمولوده السابق ولكن لا حياة لمن تنادي حسب قوله.
مضيفاً: “جعلوها في غرفة تتولد بأشراف قابلة متعلمة جديدة على المهنة، وتعسرت ولادتها وكان جنينها ضاغط على منطقة المهبل والمثانة وحصل انفجار مهبلي، ولدت وأنجبت فتاه بحجم القمح ولكن لضيق حوضها أصيبت بالناسور الولادي في منطقة المهبل والمثانة”.
وعلى عكس “رحاب” لم يتخل الزوج عنها وظل مساند لزوجته إلى أن شفيت بعد شهور طويلة. لكنها ترفض الذهاب لطبيب مختص “فما زالت بحالة نفسية تولدت لديها عند النظر الى جسدها. ورفضها الذهاب الى طبيب مختص أخرى خوفاً منه يصيبها بنتيجة أكثر سوء”.
وتقول الدكتور إشراق عبدالقوي التي تُدرس في المعهد العالي الصحي بتعز لـ”يمن مونيتور”: إن النواسير الولادية منتشرة بشكل كبير وهي مرض صامت لدى الكثير من الأمهات والأهالي، كما إنه يصيب الامهات حديثي الولادة وخاصة المقبلة للولادة الحديثة والمتعسرة في المنازل، وأغلبها ريفيه لقلة الوعي لديهم.
وأضافت: “كما أن بعض الامهات تجد أن حوضها ضيق ولا ينفع لولادة طبيعة ابداً، فنواجه نحن قلة وعي بهذا الجانب لدى الكثير من النساء والأهالي، ونحاول أن نشرح ونوعي الامهات والازواج والاهل عن النواسير الولادية التي هي عبارة عن فتحات غير طبيعية في قناة مجرى البول أو قناة مجرى البراز”.
الوعي المجتمعي
وقالت إن “النواسير لها أنواع النوع الأول: نواسير مهبلية مثانية والنوع الثاني: نواسير مهبلية مستقيميه، المهبلية المثانية تكون فتحة ما بين المثانة والمهبل أو تكون ما بين الحالب والمهبل والنواسير المستقيمة تكون بين المستقيم والمهبل، وهذه فتحات غير طبيعية”.
وأشارت إلى أن الأم في هذه الحالة “تشكي بعد الولادة بسبب التعسر التي وصلت اليها أثناء الطلق وفي المرحلة من مراحل الولادة تظهر هذه النواسير لدى الام، وكطبيبه وقابله يتم الفحص في زيارات متابعه الام والطفل نكتشف وقتها أن الام لا تذهب الحمام وتتبول لا أرادي فنعرف أنه ناسور مهبلي أو ناسور بولي وبهذه الحالات نحن كطبيبات ننصح القابلات، بمتابعة الأم المصابة بالناسور ويتم استخدام القطارة البولية وتستمر أسبوع إلى عشر أيام إذا كانت النواسير بسيطة لا يحصل أي تلوث للأم، واذا كان الناسور له مضاعفات كبيرة وفتحات فأنه من المستحيل أن تلتئم كما ننصحها بالنظافة الشخصية وأجراء عملية جراحية للمنطقة المصابة بالناسور فورا بعد ثلاثة أشهر من الولادة.
صندوق الأمم المتحدة أوضح، بأن أكثر من 70-80% من النساء المريضات يتعرضن للطلاق والعنف المجتمعي من الأهل والزوج والمجتمع في محافظات اليمن، وهو ما يؤثر على حالتهن النفسية كونهن بحاجة إلى الدعم والمساندة وعدم التخلي عنهن حتى يتماثلن للشفاء.
فهميه الفتيح مسؤوله الاعلام والتواصل في صندوق الأمم المتحدة قالت ل”يمن مونيتور” إن مرض الناسور من الأمراض المغيبة في الماضي والحاضر، الصندوق عقد أكثر من دوره تدريبيه لعدد من الصحفيين في مختلف المحافظات من أجل تكاتف الاقلام وتوعية الناس بهذه الأمراض المغيبة.