كتابات خاصة

التورط في الإجرام وخياراته

أحمد ناصر حميدان

إن الحرج الذي يقع فيه نتيجة هذا التناقض يولد لديه أسوأ النزعات الإجرامية التي يمكن تخيلها، ذلك أنه يبداً في كره الحقيقة التي تدينه وتصلح عيوبه).

يقول العالم الرياضي والفيلسوف الفرنسي باسكال: (يود الإنسان أن يكون عظيماً ويرى أنه صغير، ويود أن يكون سعيدا ويرى أنه شقي، ويود أن يكون موضع الحب والتقدير من الناس، ويرى أن أخطاءه لا تجلب سوى كراهيتهم واحتقارهم).

إن الحرج الذي يقع فيه نتيجة هذا التناقض يولد لديه أسوأ النزعات الإجرامية التي يمكن تخيلها، ذلك أنه يبداً في كره الحقيقة التي تدينه وتصلح عيوبه).
فالشعوب تثور على واقها لتصلحه، والثورة تظل في حالة مخاض عسير لأحداث تغيير أفضل، فالتغيير هنا يقصد به حالة الناس وحياتهم، فيما يلبي تطلعاتهم، فلا يعني التغيير الشكلي للأدوات واللاعبين أي النخب السياسية للسلطة، فالثورة لا ترتبط مبدئيا بالأفراد، بل بقيمها واخلاقياتها، لتلبي تطلعات الثوار.
وعند البحث في السؤال عن خذلان الثورة وانتكاساتها، ستجد ان لتخلف وعصبية المجتمع دور في ذلك، حيث لا يستوعب المتعصبون الثورة خارج نطاق تعصباتهم، يرونها تغيراً شكلياً للنخب السياسية، وصراع على السلطة، ومزاجهم السياسي الذي يلبي تعصباتهم كانت مناطقية أو طائفيه أو أيدلوجية جهوية، ضاربين عرض الحائط بمبادئ وقيم وأخلاقيات الثورة، واحتياجات الناس الجوهرية.
من أبرز مظاهر التعصب هو الرهان على نخب وأفراد، وصناعة أصنام منزهة عن النقد محرم التطرق لأخطائها، في خرق واضح للنظام والقانون والدستور، وبالتالي من يفكر أن ينتقد تلك الأصنام صار يوصف بكل أوصاف العمالة والخيانة والعداء.
فتكثر أخطاء تلك الأصنام، ويكثر معها المدافعون عن تلك الأخطاء، وبالتالي يندفع هذا الدفاع لارتكاب انتهاكات بل جرائم، مما يتطلب سياسة إخفاء تلك الجرائم فيولد نزعات إجرامية أكبر مما يتخيلها العقل والمنطق، وهنا تشكل الحقائق خطرا على هؤلاء المجرمين، فيضطرون لمواجهة الحقائق، بنشر الإشاعات والاكاذيب الفبركة والتدليس وسياسة العبث والفوضى، لتغيب تلك الحقائق، ليتوه الناس بين واقع من التزوير والوهم، و واقع الحقائق.
يتسأل الناس اليوم، ماذا يجري في بلادهم، غير مصدقين من هول ما يحدث من جرائم وانتهاكات، وينطبق ذلك على مدينتنا عدن، المدينة التي عشنا وتربينا في كنفها، مدينة الحب والسلام، المدينة الكونية (الكوزموبوليتانية) مفتوحة على كل الثقافات والأعراق، لا تقبل العنف وإراقة الدماء، هي اليوم مسرح لجرائم يندي لها الجبين، وانتهاكات تدمي ضمائر ناسها الصالحين والمسالمين، من بسط ونهب وقهر وسجون سرية وعلنيه خارج اطار دولة ونظام وقانون وانفلات أمني مريع.
وحقيقة ما يحدث هي تراكمات أخطاء وتجاوزات نخب سكت عنها وتواطئ الكثير معها، بل التماهي المتعصب مع تلك الأخطاء، حتى وصلت لمستوى الجرائم، واليوم يدافع المجرمين عن أنفسهم، بفرض امر واقع يخدمهم.
اول دفاعهم، لا يمكن ان يسمح هولا المجرمين  والقتلة بتدعيم اركان دولة للنظام والقانون، دولة ضامنة للعدالة والمواطنة، يركزون جهودهم وامكانياتهم وميليشياتهم لتعطيل مؤسسات الامن والنيابات والقضاء , والرقابة والمحاسبة، فتلك المؤسسات، هي مؤسسات العدالة، من مهامها فضح المخلين والمجرمين والقتلة، ولن يسمح لها بالعمل في واقع يسيطر عليه مرتكبو الجرائم، فيتحسسون رقابهم.
وثاني دفاعهم هي حروب عبثية تمكنهم من الوصول لسلطة ما وسيطرة، تعبث باستدلالات الجرائم وملفاتها، ومجريات المحاكم والقضاء، واطلاق سراح المجرمين، وتصفية الشهود، والمحققين وكل ما يتعلق بالجرائم.
إلى جانب عملية انتقام هنا وهناك , ورسائل تهديد لمن يتجرأ ليفتح ملفات جرائمهم، أو يفكر يعمل استقصاء لحوادث تلك الجرائم.
بعض هولا مجرمون سابقون وبعضهم متورطون بدون وعي، وجدوا انفسهم في لعبة قذرة تديرها استخبارات وعصابات، ولا مفر امامهم غير الاستبسال للدفاع عن أنفسهم.
في واقع كهذا سنشهد حوارات ومشاورات وتحالفات، كلها تصب للبحث عن ضمانات لتلك الاطراف المتورطة من المحاسبة والقضاء، في مخاض عسير بين مجرمين يريدون الافلات من جرائمهم، وبين شرفاء يريدون عدالة انتقالية لترسيخ عدالة اجتماعية، تضمن حق انصاف الضحايا وادانة المجرمين.
ولن ينتصر غير الحق، ولا يصح الا الصحيح.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى