آراء ومواقف

نظام في حالة إنكار

خليل العناني

لا يُعوّل كثيراً على أن يفهم النظام الحالي في مصر مغزى الرسالة التي حملها عزوف الناخبين عن المشاركة في المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية التي أجريت الأحد والاثنين الماضيين. وليس من المتوقع أن يفزع هذا النظام لحالة السلبية وعدم الاكتراث لا يُعوّل كثيراً على أن يفهم النظام الحالي في مصر مغزى الرسالة التي حملها عزوف الناخبين عن المشاركة في المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية التي أجريت الأحد والاثنين الماضيين. وليس من المتوقع أن يفزع هذا النظام لحالة السلبية وعدم الاكتراث التي أبداها ما يقرب من 26 مليون شخص، اختاروا التعبير عن استيائهم من الأوضاع بطريقتهم الخاصة. فالأنظمة السلطوية مصابة بمرض عضال، هو “الإنكار” الذي لا يقفز فقط على الواقع، وإنما أيضا يحاول تجميله وتبريره، حفاظاً علي صورته وهيبته. وهو المرض نفسه الذي تعانيه الديكتاتوريات المتصلبة التي ترفض التغيير، حتى تُجبر عليه. خذ مثلاً بشار الأسد الذي قام بزيارة سريعة لموسكو، وكأنه لم يأت من بلد دمرته آلياته وبراميله، وإنما من دولة هادئة ومستقرة. وكذلك أيضا كانت الحال مع نظام حسني مبارك الذي ظل، طوال العقد الأخير من حكمه، يتخيل أنه مسيطر ومتحكم في الأوضاع، حتى انفجرت بين عشية وضحاها، وألقت به خارج القصر الجمهوري، وهو الذي ظن أن في وسعه أن يورّث البلاد والعباد لولده جمال.
أقول لن يكترث نظام عبد الفتاح السيسي لما حدث، وسيعتبر عزوف الناخبين، أو مقاطعتهم التصويت، دليلا على “ثقتهم في الجنرال”، وشعورهم بعدم الحاجة إلى برلمان، على غرار ما قال أحد دراويشه ودعاته المعممّين. ولن يعتبر الرجل مما حدث لمبارك وحاشيته، في آخر انتخابات برلمانية عام 2010 التي مهدت الطريق، بشكل أو بآخر، لثورة 25 يناير، بعد عملية التزوير الفج التي قام بها سدنة الحزب الوطني، وفي مقدمتهم أحمد عز.
يريد السيسي انتخابات بلا برلمان، وصناديق بلا أصوات، وضجيج بلا طحين. فالمهم هو الجلبة الإعلامية التي تثيرها الانتخابات، داخلياً وخارجياً. يبحث بكل الطرق عن قشرة “الشرعية” التي لا تزال غائبة عن حكمه السلطوي، وهو يدرك جيداً أن انتخابات، ولو شكلية وبدون ناخبين، تظل أمراً مهماً لإسكات الداخل والخارج، أو على الأقل هكذا يتوهم.
أذكر حين أجريت انتخابات 2010، وقام مرشحون خسروا الانتخابات بتشكيل “برلمان موازٍ” للبرلمان المنتخب، أطلق مبارك عبارته الشهيرة “خليهم يتسلوا”، مصحوبة بقهقهة عالية. وهكذا تبدو الحال مع النظام الراهن الذي لا يعير اهتماماً لشرعية الصندوق، بل انقلب عليها، ولا يكترث كثيراً لحالة الرفض والغضب التي تنخر في “عظم” المجتمع، نتيجة اليأس والإحباط التي أصابت الجميع.
يعيش نظام السيسي في حالة إنكار كبيرة، على الرغم من كل المؤشرات التي تؤكد أن ثمة حقيقة يواجهها هذا النظام، ليس فقط على الصعيد السياسي، وإنما اقتصادياً واجتماعياً. فالمؤشرات الاقتصادية التي تم تداولها، في الأيام الماضية، تدل جميعها على أن النظام على وشك الإفلاس، وإن كان ليس بالضرورة الانهيار، وأن قدرته على تلبية احتياجات الناس الأساسية تتراجع باستمرار، في ظل تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي، وانخفاض القوة الشرائية للجنيه المصري بعض تخفيض قيمته أمام الدولار. ناهيك عن تراجع حجم الدعم المالي الخارجي، خصوصاً من حلفائه الإقليميين. وقد وصل الأمر إلى درجةٍ بدأ فيها النظام يفرض ضرائب على كل شيء، من أجل توفير موارد مالية لسد العجز في الموازنة العامة.
يعتقد النظام في مصر، خطاً، أن صمت الناس علي ما يحدث هو استسلام ورضى بالأمر الواقع. وأن اليد القمعية الثقيلة نجحت في إسكات الجميع. وهو لا يدرك أن الصمت لا يعني، بأي حال، الرضا وإنما العكس، وأن القمع لن يولد استقراراً حقيقياً، وأن ما يحدث الآن قد يمهد الأرض نحو انفجار مقبل، لن يستطيع الجنرال، ولا جهازه القمعي، إيقافه.
*العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى