كتابات خاصة

كفى شر أنفسنا

أحمد ناصر حميدان

كلٌ منا يصرخ ألماً وقهراً وكمدا، وكلا له وجعه، والحرب والصراعات لها المنتفعين منها، لا احساس لديهم بوجع الناس وصراخهم، همهم كم كسبوا وكم باعوا وكم نهبوا، والخطر يداهمنا وهم في غيهم سائرون!

كلٌ منا يصرخ ألماً وقهراً وكمدا، وكلا له وجعه، والحرب والصراعات لها المنتفعين منها، لا احساس لديهم بوجع الناس وصراخهم، همهم كم كسبوا وكم باعوا وكم نهبوا، والخطر يداهمنا وهم في غيهم سائرون!

خطر سوء ظننا ببعض، فسوء الظن يخرب العلاقات الاجتماعية والسياسية، يجعل من الشراكة عداء، ومن كل مختلف ومخالف عدو، والحقيقة أننا لسنا أعداء بل شركاء، مختلفين ومتخالفين، ولم يكن يوماً الاختلاف والخلاف جريمة، ولا يفسد للود قضية، بل هو حق مكفول دستورا وقانونا، به نشكل طيفاً متنوعاً، فسيفساء من الأفكار والرؤى والمشاريع التي تمتزج معا لتنتج لنا عصارة رائعة جامعة مبنية على قيم ومبادئ سامية وأهداف وطنية وانسانية عليا.
لن نعيش سعداء بفكر واحد ورؤية واحدة وطيف واحد، انها التعاسة، المجتمعات الأكثر سعادة وحياة ونهضة وتطوراً هي تلك المجتمعات المتنوعة التي تقبل بعض بنظام وقانون ينظم العلاقات والاختلاف والخلاف.
هي تلك المجتمعات الديمقراطية التي ذابت فيها الأعراق والطوائف والمناطق والأيدولوجيات في بوتقة ايقونة وطن متنوع يحتكم للصندوق وارادة الجميع.
عدونا جميعا هو من أقنعنا بأننا أعداء، ووفر الظروف الذاتية والموضوعية لهذا العداء والدعم اللوجستي و البيئي والمعنوي له، وشكّل منا جماعات متناحرة، نقتل بعض دون أن تؤلمنا دماء بعض المهدورة، وصنع مبررات كل ذلك، وصور منا شيطاناً نرجمه بكل ما فينا من سوء وقبح، وقرر توجيه الساهم للقضاء عليه، والحقيقة أنه قرار القضاء علينا وعلى كل خير فينا وحب وتسامح وتوافق وتنوع واختلاف وخلاف نمتلكه كقوة.
اليوم، صار البعض مقتنعاً بهذه المبررات وهذه الشيطنة، لا يحتاج اثبات ولا براهين ليدين ويخون ويتهم، فكل مختلف عنه ومعه خائن ومجرم ومتهم، وقرر التخلص منه، فكرة جهنمية جعلته شيطاناً منكفئاً على ذاته ومنطقته، ويرى كل من يعارض هذا الانكفاء هو عدو، وجب قتاله، وابيح دمه، ومن أجل ذلك نتقاتل اليوم، ونبرر كل المعارك الجانبية التي تُدار دون أن تؤثر فينا الدماء المهدورة، والأرواح التي تزهق، بل بعضنا يهلل لتلك المعارك.
وللأسف زرع فينا روح الانكفاء على الذات وبتعصب مناطقي عرقي أو طائفي، والبعض الآخر أيدولوجي حزبي مقيت. هذا التعصب لم يُتح لنا الفرصة للانفتاح على الآخر والبحث عن وسائل للتقارب وبناء جسور للثقة، لم نعد نمتلك وسائل العدل الجاذبة للآخر، ونقدم روح الاطمئنان له، والقدرة على الاندماج والانصهار في مخاض الصالح العام ووطن يستوعب الجميع.
يعلم العقل الفطن والمنطق السليم أن تدخل الغرباء يزيد من حجم الخلاف ويعمق الاختلاف السلبي، خاصة وأن كان هذا التدخل مرهون بالأطماع والتنافس، يدخلنا في سياسة شد وجذب سياسي وعسكري، لنجد أنفسنا أعداء لا شركاء، وصراع وحروب نحن ضحاياها.
الصراعات السلبية لا تقبل منطق النخب المثقفة والناعمة، وتغيب معها الأفكار والرؤى والعقلانية، وتتصدر المشهد القوى العنيفة، وتسيطر العضلات والعنف على الواقع واللاعقلانية، ونتوه في خضم متاهات الحروب العبثية التي لا فيها منتصر غير من يديرها، وكل القوى الداخلية المتصارعة مهزومة لا محالة.
هذا هو حالنا اليوم، معارك عبثية، والبعض يهلل لها ويطبل، مدعيا نصرا زائفا، أهم ما في هذا النصر، قهر شركائه بالوطن وانتهاك كرامتهم والتورط في جرائم يندى لها جبين الانسانية، والكل يدرك جيدا صعوبة اقصاء أو استئصال الآخر، وأن يوما لك ويوميا عليك، وكثيرا ما يركب الغرور في اليوم الذي يكون لك، وبالتالي تبدأ مرحلة الفشل، والرعب من الحساب والعقاب.
اليوم، نحن في خضم مرحلة الفشل، وفرائص الظالمين والمنتهكين ترتجف فزعا، وتحاول الدفاع عن جرائمها وفسادها، مما يزيد من حجم المشكلة تعقيدا، ولهذا تفشل مشاريعنا الوطنية، لتتحول لمشاريع صغيرة تدافع عن أصنام وكيانات طارئة، ونتوه في زوبعة من الأوهام.
الحقيقة مؤلمة تلتمسها في الواقع المعاش، مجرد ما إن تستطلع حال عدن المدينة تتألم كثيرا، وتعرف حقيقة من يديرها وأدارها، ولا داعي للمكابرة والشطح والضجيج، فالنفوس مكسورة ومحبطة خارج السيطرة، لذلك قبلت الارتهان والتبعية للخارج، ولن يرتهن للخارج غير ضعيف هش منكسر، لم يجد أمامه غير ذلك التحالف المهين، على أمل تحقيق انتصار ولو جزئي في مجازفة ومكابرة غير محسوبة النتائج، والضحية وطن ومستقبل امة.. وكفى شر أنفسنا.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى