كنت أشعر بالضيق جراء ما يتعرض له أبناء بلدتي، وأشعر بحجم المأساة التي هم فيها، أشعر بذلك خيالياً، واليوم أنا أشاركهم هذه المأساة.. فمن يعيش الحصار لا كمن يسمع عنه، من يعيش حصار تعز يعيش الضنك الحقيقي بأكمله.
سمعت كثيرا عن حصار تعز وقرأت عنه أكثر، سمعت تأوهات الناس وشكاوى الساكنين، وشكاوى المارين في الطرقات التي تسيطر عليها المليشيات الحوثية، وما يتعرضون له من ابتزاز واختطاف واحتقار لهم.
كنت أشعر بالضيق جراء ما يتعرض له أبناء بلدتي، وأشعر بحجم المأساة التي هم فيها، أشعر بذلك خيالياً، واليوم أنا أشاركهم هذه المأساة.. فمن يعيش الحصار لا كمن يسمع عنه، من يعيش حصار تعز يعيش الضنك الحقيقي بأكمله.
لقد قُدر لنا أن نزور مدينة تعز، وكان ينبغي علينا في هذه الرحلة الشيقة الشاقة أن نقطع المسافات الطوال من الجبال، وأن نهبط الأودية، ونمرّ في تلكم الطرقات الوعرة، ولأجل أن نلحق حركة السير في المكان الذي توجد فيه السيارات التي ستقوم بنقلنا إلى المدينة كان من الواجب علينا أن نغادر البيت الساعة الرابعة فجراً نحمل أمتعنا الثقيلة بأيدينا، وبها نصعد الجبال الشاهقة تحت جنح الظلام وبين الرياح الشديدة التي يضج الآذانٓ صفيرُها، طرق وعرة للغاية، تكاد علامات الأقدام أن تختفي منها تماما.. نسعد كثيراً عندما نرى معالم السير فيها، جاءنا ضوء الصباح وقد قطعنا مسافة كنت أحسبها كبيرة، وأظن في نفسي أننا قد أوشكنا على الوصول إلى المكان المقصود!
انتابني هذا الشعور لأن التعب قد أخذ مني ما أخذ ولم أعد أقوى على أكثر مما مضى عليّ في هذه الرحلة، ولكن الحقيقة هي أننا بذلك الوقت لم نقطع حتى نصف المسافة وأن ما تبقى لنا من الطريق ما يزال طويلاً جداً.
كان شوقي إلى مدينة تعز الحرة يشدني أكثر، وينسيني قليلاً من التعب الذي يحل بنا، وصلنا إلى خط السير والساعة تقارب الثامنة صباحاً، وكل ما مضى من الوقت كان سيراً على الأقدام وقليلاً منه كان لصلاة الفجر في الجبل لأخذ قسطاً من الراحة أثناء السير.
كان شغفي بعد ذلك يزداد لرؤية المدينة رؤية حقيقية خالية من التصوير التلفزيوني أو النقل الإذاعي، ولقد وصلنا إلى تعز الحبيبة كما يصل المغترب إلى حضن أمه العجوز الطاعنة في السن.. مبانٍ مهدمة وشوارع مملوءة بالنفايات وأناس شاحبي الوجوه، تقرأ في وجوههم آيات المآسي كلها.
هذه هي الحالمة التي تحمل الوجع بكف والكف الآخر تحمل به الحرية والكرامة والشجاعة.
ازدحام في الأسواق، عندما تحضره تشك أن هناك حرباً بهذه المدنية ويوقظك من هذا الشك ارتفاع الأسعار وانعدام بعض المواد وصوت الرصاص ودوي الانفجارات وأوجاع السنين لدى سكان يعيشون الحرية والحصار والمأساة الإنسانية.
حصار تعز مؤسف أن يستمر دون مبرر سوى أن أهلها يرفضون الخنوع والذل ويعشقون الحرية ويرفضون العيش تحت ضغط مليشاوي بائس.
وخلال الفترة الأخيرة، كان هناك حديث متكرر عن أنه سيتم فك الحصار من قبل الحوثيين من ناحية منطقة الحوبان شرقي المدينة، إلا أن تلك الأحلام والتوقعات قد تبخرت في ظل استمرار مأساة المدينة التي لا تركع إلا لله.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.