كتابات خاصة

العنوان الأبرز لمشاورات جنيف2

أمجد خشافة

يستدير هذه المرة من جديد طرفا الصراع، الحكومة وجماعة الحوثي وصالح، نحو مشاورات سياسية في “جنيف” لوقف الحرب، بينما يستمر طرف ثالث في صُنع مكاسب على الأرض بشكل مخيف وملفت. يستدير هذه المرة من جديد طرفا الصراع، الحكومة وجماعة الحوثي وصالح، نحو مشاورات سياسية في “جنيف” لوقف الحرب، بينما يستمر طرف ثالث في صُنع مكاسب على الأرض بشكل مخيف وملفت.
هذه المشاورات أياً كانت نتائجها السياسية، لوقف الصراع في اليمن، إلَّا أن موضوع الحرب على الجماعات الجهادية هي التي ستحتل الاهتمام الأبرز في سُلم قائمة المجتمع الدولي ومن ورائه أمريكا، باعتبار أن ما يحدث في اليمن هو جزء من حالة “الصعود المتوحش” في المنطقة لتنظيم الدولة الإسلامية، وترابطه ببعضه البعض.
وسبق أن وجه مسؤولون أمريكيون وأوروبيون نقدا لقوات التحالف العربي، بأن استمرار الحرب في اليمن ضد قوات الحوثي وصالح دون التوصل لنتائج سياسية وسَّعت من رقعة حركة الجماعات الجهادية وسيطرتها على حضرموت.
إذن، هل المجتمع الدولي حريص في دفع طرفي الصراع للحل السياسي جراء تخوفاته من تنامي نشاطات تلك الجماعات في اليمن؟
نعم، ربما حريصون لسببين:
أولا- يعتبر المجتمع الدولي حسب نظرته أن الحرب في اليمن، ثبت عملياً، أن المستفيد منها هي عناصر تنظيم الدولة والقاعدة، واستمرار الحرب تعطي لهذين التنظيمين متنفساً لتوجيه مشروعهما على الأرض وبشكل عملي.
ثانيا- تعتبر أمريكا الحرب على الحوثيين وإضعافهم من قبل قوات التحالف، عمل لا يصب في مصلحتها الاستراتيجية، إذ أصبحت تبني سياستها الخارجية على استنهاض الأقليات الشيعية في الوطن العربي لمحاربة ما تفرع من التيار السني من جماعات جهادية، وهو ما بدأت به في علاقتها مع طهران حين رفعت اسمها من قائمة الإرهاب واعتبرتها حليفاً جديداً في محاربة “الإرهاب” في العراق، وهذا ما ينطبق، أيضاً، على حلفائها في المنطقة ومن بينهم الحوثيون في اليمن.
 
وبعيداً عن لغة المؤامرة التي يتناقلها الجميع، داخلياً، على اعتبار أن تلك الجماعات صناعات إيرانية أو أمريكية أو سعودية؛ فإن تلك الدول نفسها تعتبر أنها واقعة أمام تحركات خطيرة على مصالحها في اليمن من قبل تنظيم الدولة والقاعدة، خاصة ما حدث مؤخراً في عدن، ومن المحتمل أن يلتقي الجميع في نقطةٍ وزمنٍ معين للحرب ضدهما، كما يحدث الآن في سوريا بعد أربع سنين من الصراع.
 وربما يأخذ الموضوع أكثر بُعداً، حين حاول المسؤول الإيراني “علي رفسنجاني” مغازلة السعودية خلال الأسبوع الجاري بقوله إنه بالإمكان استخدام طاقات البلدين في مسار “مكافحة الإرهاب”، ما يعني إمكانية أن يتعاون البلدان في المجال الأمني والاستخباري ضد “الإرهاب” على المدى البعيد.
وعلى هذا الأساس من الاهتمام الدولي، حاولت جماعة الحوثي خلال الفترات السابقة تسويق نفسها أمام المجتمع الدولي كقوة ضد “الإرهاب”، وضربت على هذا الوتر الحساس وآخرها ما عبر عنه ناطق الحوثيين “محمد عبدالسلام” في لقائه بصحيفة “السفير” اللبنانية أن انسحابهم من عدن جاء “حتى يعرف العرب والمجتمع الدولي أن البديل هو تنظيم القاعدة”.
الآن سيجتمع ممثلو الحوثي وصالح مع ممثلي الحكومة اليمنية في “جنيف”، ومن ورائهم السعودية وإيران وأمريكا وروسيا، وسيكون النقاش حول تطبيق قرار مجلس الأمن 2216، وهناك مساران يمكن رسمهما لقادم الأيام في كيفية التعامل مع ملف الحرب على “الإرهاب” على النحو التالي:
في حال التوصل إلى اتفاق لحل سياسي سيكون بالظاهر الحرب على القاعدة وتنظيم الدولة موكل للسلطات اليمنية، لكن سيفرض الحوثيون أنفسهم شركاء لتثبيت سلطتهم الأمنية والسيطرة على مفاصل القوة.
وميدانياً، ربما لن تكون المعركة مع القاعدة بقدر ما ستكون مع عناصر تنظيم الدولة باعتبار أن القاعدة، حسب الكثير، تحاول تحاشي أي حرب قادمة ومباشرة مع السلطات اليمنية، فهي تعرف كُلفة الحرب مادياً وبشرياً في تجربتها في 2011م أثناء السيطرة على أبين وأجزاء من شبوة، أما تنظيم الدولة رغم قِلَّة مقاتليهم ولم يصلوا بعد إلى مستوى الظاهرة في اليمن، غير أن المعلومات التي تُـثار حول نيتهم السيطرة على محافظة شبوة التي تتواجد فيها شركات نفطية، هي المعركة القادمة بينهم وبين السلطات اليمنية.
لكن المشكلة تكمن حين يكون الحوثيون شركاء في هذه الحرب سيتم التداخل في مفهوم “الإرهاب”، بين مفهومه عند الحوثيين ومفهومه عند المجتمع، فالحوثيون يعتبرون أن منافسيهم وخصومهم في الجانب الفكري والمذهبي هم (دواعش)، وسبق أن تقاطعت مصالح الحوثيين والغرب في إغلاق مؤسسات تعليمية ومنها “جامعة الإيمان” الذي قال دبلوماسيون أوروبيون “إننا نعبر عن ارتياحنا حين أغلق الحوثيون جامعة الإيمان”، حسب ما نقل ذلك القيادي الحوثي السابق، “علي البخيتي”، في لقائه معهم.
هنا ستكون المشكلة، والحل في قوة الدولة القادمة التي ستعمل على كبح جماح أي مشاريع لـ”عرقنة” اليمن وبعيدة عن الإملاءات الخارجية.
أما في حال استمر الصراع وعدم التوصل إلى اتفاق في “جنيف”، فإن قوات التحالف ستستمر في تأجيل الحرب ضد القاعدة، لأن القاعدة، حالياً، لا تشكل خطراً على مسار عملياتها الاستراتيجية في البلد، بل وصرح عسيري أكثر من مرة أن للتحالف أهداف، ولن يلتفت إلى أي حرب جانبية لا تخُص إعادة الشرعية لليمن.
هذه الاستراتيجية ربما هي أشبه بخطة أوباما في الحرب على طالبان والقاعدة في أفغانستان، فقد كانت على ثلاثة مراحل، إضعاف طالبان باعتبارها حركة متمردة، ثم تقوية شرعية كرزاي وسلطته الأمنية، وأخيراً تأتي الحرب على القاعدة من مهام الجيش الأفغاني بمساندة من قوات أمريكية.
لكن يبقى في الأخير الخطر الأبرز القادم أمام الحكومة اليمنية وقوات التحالف في تنامي تحركات مقاتلي تنظيم الدولة دون التوصل لخطة لتحجيمهم، فقد تأخذ الأطراف السياسية هذ الموضوع بشكل هزلي ومحصور بين اتهامات متبادلة غير واعية، وتستمر في ذلك، فيما يشق التنظيم طريقه نحو “بيئة التوحش” التي يُجيدون إدارتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى