مرضى الكلى في تعز اليمنية.. أوجاع وآلام ومخاوف الموت في ظل معاناة الحصار (تقرير خاص)
الحاج سعيد أحمد فارع (60عاماً) دوره لجلسة غسيل كلى واحدة في الشهر بدلاً من مرتين كل أسبوع، يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ فايقة حسين
بجسمه النحيل وبقايا إنسان، ينتظر الحاج سعيد أحمد فارع (60عاماً) دوره لجلسة غسيل كلى واحدة في الشهر بدلاً من مرتين كل أسبوع، في مستشفى حكومي بمدينة تعز وسط اليمن، إذ يزيد حصار المدينة معاناته ذهاباً وإياباً من موطنه في مدينة المخا الساحلية غربي المدينة.
توضح قصة فارع الوضع الذي يعانيه أبناء المدينة المحاصرة منذ 2016 وسط معارك بين الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة الحوثي المسلحة. حيث قذفت الحرب وضاعف الحصار مأساة الكثير من السكان فقد باتت أبواب الهلاك مشرعة أمامهم، حيث تضيق سبل الحياة شيئاً فشيئاً وتسير نحو التدهور المريع الذي أصاب القطاع الصحي في المدينة الذي أصبح مشلولًا.
يقول فارع لـ”يمن مونيتور” عند لقاءه في مستشفى الثورة (الحكومي) إنه تحمل عناء السفر للوصول إلى مستشفى الثورة لإجراء غسيل للكلى. وعانا كثيراً من تمزق في الشرايين نتيجة الغسيل المستمر كل مرة في الشهر.
اختصار قصة الحرب
يشكو فارع لـ”يمن مونيتور” وضعه المعيشي “صعب للغاية”، فبدلاً من مرتين في الأسبوع يضطر فارع إلى جلسة واحدة في الشهر بسبب التكاليف التي لا يمكنه تحملها. وقال إن تكاليف المواصلات “باهظة الثمن، فهو يأتي من منطقه تبعد عن مدينه تعز ست ساعات، ومع الحصار فهو يحتاج إلى عشر ألف ريال ذهاباً وإياباً، فيما قبل الحصار كانت المسافة تبلغ نصف ساعة فقط وبخمسمائه ريال”. (الدولار=565ريالاً).
تختصر مدينة تعز وحصارها، قصة الحرب اليمنية التي بدأت مع سيطرة الحوثيين على صنعاء وتوسعهم في باقي محافظات البلاد. فالمدينة تحتضر وتموت “فالمطالبات بفك الحصار لا يتم التعامل معها بجدية”.
عشرات المرضى الذين ينتظرون دورهم في مركز غسيل الكلى في مستشفى الثورة، بجوار الحاج فارع، يبحثون عن العلاج، في ظل أوضاع مأساوية يعيشها المستشفى.
ويقول صادق علي الذي يعمل ممرضاً في المستشفى لـ”يمن مونيتور” إن كثيرين يقومون بعمل جلسة غسيل واحدة في الأسبوع وبعضهم في الشهر بدلاً من مرتين أسبوعين رغم أن ذلك يعرضه لمخاطر الموت والتسمم وزيادة التعب.
وحول أسباب ذلك يقول علي إن ذلك يعود لأسباب عِدة مثل بُعد أماكنهم وأن قِسم غسيل الكلى ” يكافح للاستمرار في العمل تحت الحصار الراهن وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح الناس”.
وتسببت الحرب في زيادة التدهور للمراكز الصحية وأجبرت البعض منها على الاغلاق بوجه المرضى لفترات طويلة؛ بسبب انعدام النفقات التشغيلية والنقص الحاد في الأدوية والتحاليل التي يحتاجها المرضى باستمرار، بينما المراكز المفتوحة تكافح وتقاوم، حيث يستمر العمل فيها من أجل البقاء خدمة للمرضى وبالحد الأدنى فقط.
أما آمنة القاسم فإنها تعاني من فشل إحدى كليتيها وقالت لـ”يمن مونيتور” إنها تحتاج إلى غسيل دوري أو “أنها ستفارق الحياة بأي لحظة.
وتشير آمنة إلى أنه تخشى “شحة المواد الخاصة بغسيل الكِلى وخاصة ماده الهبارين المسيلة للدماء داخل العروق والتي تعتبر المادة الأهم في عملية الغسيل”.
وكان مدير قسم الكلى في المستشفى قد أبلغ المرضى أن “الهبارين” بدأت تنفد من المشفى، ما أثار هلع المرضى، الذين تحدثوا لـ”يمن مونيتور”.
وقالت آمنة إنها تصل إلى المدينة بعد سبع ساعات من السفر من شمال المدينة بعد أن كانت المسافة قبل الحرب أقل من ربع ساعة فقط للوصول إلى المستشفى.
وتعيش آمنة في منطقة الحوبان الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فيما يخضع المستشفى لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.
وكان الحوثيون والحكومة المعترف بها دولياً، قد اتفقوا في ستوكهولم في ديسمبر/كانون الأول 2018 على تفاهمات بشأن تعز، تقضي برفع الحصار عن المدينة، لكن الطرفان يتبادلان الاتهامات بالعرقلة.
وقالت آمنة إنها تترك أولادها الخمسة، في الحوبان من أجل تلقي العلاج في المدينة ولا تجد من يرعاها. داعية إلى فتح الطريق من أجل أن تقوم بالغسيل بشكل دوري ويكون أولادها بجوارها لرعايتها.
مستشفى في أوضاع صعبة
يستقبل مركز الغسيل الكلوي في مستشفى الثورة بتعز في الأوضاع الاعتيادية 280 حالة يومياً لكنة الآن يستقبل أعداد إضافية فوق طاقة الاستيعابية منذ اندلاع الحرب؛ ونزوح العشرات من المصابين بالفشل الكلوي من مناطق أخرى ريفية وساحلية تعاني من ويلات الحروب. كما أن مركز الغسيل الكلوي بمستشفى العسكري توقف جراء تعرضه للقصف المدفعي، وأصبح الحمل ثقيل على قسم الغسيل بالثورة داخل تعز.
وقال الدكتور يوسف الزكري نائب رئيس قسم الكلى الصناعية بمستشفى الثورة بتعز لـ”يمن مونيتور”: إن قسم مرضى الكلى في المستشفى يستوعب أكثر من 250 مريضاً يحتاجون جلسات غسيل حيث إن حياتهم باتت في خطر نتيجة نقص المحاليل”.
أضاف أن “المركز رفع نداء استغاثة للمعنيين وناشد المنظمات الدولية بنفاذ الكمية داخل القسم أكثر من مرة، ومن جانبة أكد ان مركز الملك سلمان قام بالدعم للمركز، وهناك فاعلين خير قاموا بتزويد المركز ايضاً، ولكنه مازال ينقصه الكثير من الاحتياجات الضرورية”.
وأشار الزكري، إلى أن “المشاكل والمعوقات الطبية، تبدأ من الازدحام الكبير الذي يحتويه القسم، فهو يستقبل هذا القدر من الحالات ولا يستطيع المركز احتواء الجميع لصغر سعة المكان وقله أجهزه الغسيل وانعدام ماده “الهيابارين” التي تعتبر مسيل للدم في عملية الغسيل، فالحصار القائم سبب رئيسي بعدم إيصال المواد المطلوبة لقسم الكلى بالمستشفى”.
توفي أكثر من 50 مريضاً بالفشل الكلوي في تعز خلال سنوات الحرب، لعدم قدرتهم للذهاب الى المستشفيات المتخصصة خارج تعز، فتكاليف المواصلات ومشقة الطريق ووعورتها تدفع المرضى إلى البقاء في المدينة أو الوصول إليها. كما أن المراكز المتواجدة بتعز كمستشفى الثورة العام لا تملك الامكانيات الكافية لدعم مرضى الكلى، وهنا تفاقمت معاناة مرضى الكلى منذ نشوب الحرب، بانتظار فك الحصار والنظر إلى قسم الكلى بشكل خاص وإلى مستشفى الثورة والقطاع الصحي بتعز بشكل عام.