انتشار الكتب الرديئة ……. الطريق لبلد خالٍ من الثقافة والتنوير
من أجل إيقاف انتشار هذا السيل الكبير من المنشورات الرديئة والسطحية لابد من البحث عن الحلول التي قد تحد من تنامي وتفشي هذه الظاهرة، يتفق الكثير من الأدباء على ضرورة دعم الكتب الجيدة يمن مونيتور/رهان عبد الله / حمود القديمي
مؤلفات كثيرة غزت الأسواق بحروفها الدخيلة، والتي صارت تُسهم بشكل أو بآخر في إهانة الأدب، من خلال خلوها من المحتويات الإبداعية، وانحدار واضح لمسار الأدب المطبوع، يقابله غياب واضح للكتب الحقيقية والإبداعية، وغياب الدور الرقابي، عوضًا عن توارٍ خطير للمرموقين من الأدباء والكتاب.
اتهامات متبادلة هنا وهناك، كلًا يُحَمِّل الآخر مسؤولية انتشار الكتب الرديئة التي صارت منتشرة وبكثرة، في حين تختلف وجهات النظر حول هذه المشكلة، التي لها تأثير كبير على مستوى الثقافة والإبداع وتنذر بتفشي الثقافة السطحية وعديمة الفائدة في أوساط الجمهور اليمني بشكل خاص، وهو ما يُنذر باضمحلال الدور التنويري للأدب والثقافة، وغياب الأدب الحقيقي الذي يحتاجه المجتمع.
ونظرًا لأهمية الموضوع والخوف من تحوله لظاهرة سعينا إلى طرق الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انتشار الثقافة الرديئة والأطراف التي تقف وراءها، فضلًا عن إمكانية وضع الحلول التي قد تحد من تفشي هذه الظاهرة وتأصلها في الوسط الأدبي والثقافي اليمني.
– (نظرة مختلفة للكتاب):
يرى مفتاح العلواني بأن مسألة تقييم الكتاب من حيث الجودة والرداءة تعتبر مسألة تخضع للذوق ، لكن هناك مقاييس لتقدير قيمة الكتاب ، باعتبار أن فقدان تلك المقاييس لدى الناشر أو الكاتب نفسه تُفقد الكتاب قيمته الحقيقة وتخلق فرصة لانتشار الكتب الرديئة ، مؤكدًا على أن أغلبية الكتاب والمثقفين يرون بأن السبب الأكبر لانتشار هذا النوع من الكتب هدفه الربح المادي ، فضلًا عن انعدام القدرة المالية للكتاب الحقيقيين ، مدعيًا بأن القراء غير المتذوقين يعدون سببا أساسيًا في انتشار الكتب الرديئة لأنهم يسهمون في تغليب الكتب الرديئة على حساب الكتب الجيدة ، وهو ما اتفق عليه القارئ معتز البعداني الذي أشار إلى فراغ الصفحات في الكتب التي تدّعي الأدب ، مؤكدًا بأنها تكتب أربعة أسطر فقط في الصفحة الواحدة على الأكثر ، فيما يتذمر غالب العاطفي بسبب انتشار مثل هذه الكتب ، مطالبًا بإغلاق دور النشر التي تروج للكتب السطحية وغير القيمة.
– (أسباب سياسية وأخرى اجتماعية):
يعتقد الأديب محمد دبوان بأن ظاهرة انتشار الأدب الرديء تُعد ظاهرة سياسية في المقام الأول ، زاعمًا بأن غياب حرية التعبير وانغلاق الفضاء السياسي ومُصادرة حرية التعبير عبر وسائل الإعلام ، دَفَعَ الجماهير والمثقفين للبحث عن مساحات تعبيرية عبر منافذ أخرى ، مما دفع الرواية لتصبح منفذًا تعبيريًا بديلًا يحاول من خلاله المثقف والجماهير المقموعة إيجاد مساحة كتابية للتعويض عن الحرية المصادرة عنها ، فضلًا عن انتشار ثقافة الاستهلاك التي حولت الكتاب إلى مظهر من مظاهر الترف ، مشيرًا إلى أن جائزة البوكر أُلغيت نتيجة رداءة الروايات المقدمة ، متهمًا التكنولوجيا بإتاحة المجال لانتشار عدد مهول من الروايات التي تعتمد في محتواها على الأحاديث اليومية والدردشات ، مدعيًا بأن الروايات المحتوية على إيحاءات جنسية تشتهر بكثرة نظرًا لاحتوائها على محظورات اجتماعية تخضع للرقابة ، وهو ما يدعمه عبدالله شروح بقوة مضيفًا بأن الملمح الأدبي يتأثر بالجوانب الحياتية الأخرى للمجتمع وأن الانحدار الأدبي يُعد أحد تجليات رداءة الواقع السياسي والاجتماعي لبلداننا العربية وليس اليمن فقط ، فليس بمقدور أي إنسان أن ينتقل في سلم احتياجاته إلا بإشباع الحاجات الأساسية وبالتالي فالحاجة للتذوق الجمالي ستكون غائبة تمامًا إلا كاستثناءات.
– (غياب المتلقي الجيد):
وبعيدًا عن الاتهامات التي وجهت للكتاب ودور النشر وإلقاء اللوم عليهم وتحميلهم مسؤولية انتشار الثقافة الرديئة في المجتمع يرى الأديب طه الجند بأن انتشار هذه الظاهرة يعود إلى غياب المتلقي الجيد ، زاعمًا بأن العالم يقوم على الرداءة والتفاهة وبأن الذوق العام أصبح في منحدر خطير ، لكنه يُبدي تفاؤله بأن ما هو جميل سيبقى ، في حين سينتهي كل ما هو رديء( حد وصفه) وهو ما يتفق معه الكاتب يوسف الدموكي الذي اكد على أن هذه الإشكالية لا ترتبط بعصرنا فقط ، إذ أن كل عصر يحمل بجعبته الكثير ، إلا أنه لم يصلنا من الأدب القديم إلا أجوده ، وبالتالي لن يصل للأجيال القادمة إلا المنشورات الجيدة لأن الكاتب السيء يموت بموت قارئه السيء ( حد وصفه).
– (تبريرات مختلفة):
يؤكد محمد عبدالوكيل جازم بأن الإصدار الاول للشخص يغلب عليه الركاكة إلا أن تجربته تتطور بعد ذلك ، في حين يعتقد الشاعر يحيي الحمادي بأن العشوائية في الإصدار غير الملتزم بالمعايير والأسس الفنية والأدبية ، ناهيك عن تراجع النقد الأدبي في المشهد الحالي مما أدى إلى انتشار كل هذا العبث ( حد تعبيره).
– (اتهامات متبادلة):
وباعتبار أن انتشار الكتب الرديئة يخضع لأسباب كثيرة ، كان من الطبيعي أن يتهم كل طرف أطرفًا أخرى ، لعله يخلي مسؤوليته ، حيث يتهم الكاتب يوسف الدموكي دور النشر بأنها السبب الرئيسي في انتشار الكتب الرديئة ، في حين يؤيد كلامه هاني الصلوي ( مدير دار أروقة للنشر ) الذي يؤكد بأن الكتب الرديئة تمت طباعتها من قبل بعض دور النشر الكبيرة دون العودة للأكاديميين والمتخصصين في مراجعة تلك المحتويات ، ويضيف الدكتور حمزة عبدالله ” مدير دار نقش للطباعة والنشر ” أن دور النشر تعتبر ضمن أهم المسبيين لانتشار الكتب الرديئة، خصوصا عندما تكون الدار غير شهيرة ويهمها زيادة النشر دون الأخذ في الاعتبار للمحتوى.. أما بالنسبة لسياسة الدار التي يديرها فقد أكد على أن كلّ الأعمال في الآونة الأخيرة تخضع لمعايير قبول قبل الموافقة على نشرها، منها كتابة النص باللغة العربية الفصحى وعدم احتوائه على محتويات تمس الأديان والقيم أو محتويات تحض على الرذيلة أو الإباحية أو العنصرية، وأن يحتوي على مستوى معين من الاحترافية والإبداع.
– (انعدام الرقابة):
يتهم الكثير من الباحثين والكتاب بأن إستشراء الظاهرة يعود إلى غياب الرقابة الحكومية ، حيث يرى محمد المنيفي( مدير مركز عزيز للطباعة بأن آلية طبع الكتب صارت مختلفة تمامًا ، حيث كانت في السابق تتم من خلال إطلاع مكتب الثقافة على محتويات الكتب التي ترغب في الطبع والنشر ومن ثم إعطائها رقم للإيداع ، في حين يتم تسليم أرقام الإيداع في الوقت الحالي دون الاطلاع على محتويات تلك الكتب ، مما يشير إلى انعدام الرقابة الحكومية على تلك الكتب مما ساهم في انتشار الرداءة ، متهمًا المقالح بكتابة مقدمات لكل من هب ودب دون أي نقد لمحتويات تلك الكتب (حد وصفه).
– (دعم الكتب الجيدة):
ومن أجل إيقاف انتشار هذا السيل الكبير من المنشورات الرديئة والسطحية لابد من البحث عن الحلول التي قد تحد من تنامي وتفشي هذه الظاهرة، حيث يتفق الكثير من الأدباء إلى ضرورة دعم الكتب الجيدة، فضلاً عن تشكيل لجنة تضم كوكبة من الأكاديميين والمثقفين والمبدعين لتقرير ما يصلح للنشر بعد القراءة الفاحصة، بالإضافة إلى تكريم المبدعين والمؤلفين المبرزين ما يسهم في خلق نوع من المنافسة والتي ستحد حتمًا من انتشار الكتب عديمة الفائدة.