من خلال التسريبات والمشاحنات، من خلال الكم الهائل من التدليس والتزوير للحقائق، والكم من الاتهام وفتاوى إشعال وتأجيج الفتن والصراعات، التي تؤسس لحروب ابدية، عدن هي الضحية، الكل يصب غضبه فيها.
الناس تترقب وبحذر التوقيع على مسودة جدة، وعدن اكثر ترقب لهذا التوقيع، على أمل أن تعيد لها روح الدولة المفقود اليوم في عدن، وعدن المدينة بثقافتها المدنية السائدة لا حياة فيها واستقرار دون دولة بشخصيتها الاعتبارية ونظامها والقوانين الضابطة.
غياب الدولة تعني الفوضى التي تفقد النظام والقانون الضابط، وهذا ما تعيشه عدن اليوم، الفوضى والانفلات وضبابية المشهد، والتخلي عن المسئوليات واستحقاقات المدينة وناسها، ومن يقول غير ذلك نذكره أن عدن وابناءها أكثر وعياً من أن تنطلي عليهم المغالطات والتدليس وتزوير الحقائق.
الأسئلة المتداولة اليوم في عدن، في مقاهيها ومنتدياتها ومبارزها وجلساتها العامة، لماذا كانت الحرب الاخيرة؟ وضحاياها الأبرياء والدماء الطاهرة التي أسفكت، وهي لم تقدم لعدن والجنوب شيئاً يذكر من تطلعات الناس، في أبسط الامور الحياتية والمعيشية، بل استفحلت الأزمات والمآسي والأوجاع، وصار الجرح اليوم غائراً والعلاج معدوم والطبيب مشغول في امور اخرى. المطلوب اليوم شيئاً آخر لا علاقة له بما كان يرفع من شعارات، وخطاب، يردد البعض هل فعلا لم تكن المعركة معركتنا؟ وخدعنا.
من خلال التسريبات والمشاحنات، من خلال الكم الهائل من التدليس والتزوير للحقائق، والكم من الاتهام وفتاوى إشعال وتأجيج الفتن والصراعات، التي تؤسس لحروب ابدية، عدن هي الضحية، الكل يصب غضبه فيها.
بدأت الحرب اعلامياً، كلٌ يرمي الآخر بوابل من التهم، الفساد والارهاب والبسط والنهب وتهالك الخدمات، والإنفلات الامني وغياب العدالة، انتهت الحرب، ولم يحدث تغيرٌ يذكر بعدن للأحسن، بل عدن من سيء لأسوأ، أي ان المشكلة ما تزال قائمة، ويفهما العقل الفطن.
كانت الحكومة تحاول أن ترسخ كيان دولة بشخصيتها الاعتبارية كمؤسسات، وحاولت جاهدة في وضع موازنة عامة، وحصر لإيرادات الدولة وتوريدها للبنك المركزي لتصب في خدمات ورواتب، وتفعيل دور المؤسسات الرقابية والمحاسبة، والقضاء والنيابة ومؤسسات الدولة الاخرى، ولم تستطيع لأن الأطراف الاخرى تتهمها بكل ما ذكر سابقا من اتهامات، لم تجد دعماً ولا مساندة، ولا حتى ثقافة جماهيرية تدعم ضبط النظام والقانون ليكشف لنا حقائق الامور، ويحد من الاتهام والتخوين جزافاً في مغالطات سياسية، ليكن الاتهام قانونيا مسئولا، قانون ونظام للثواب والعقاب لكلٍ ما قدمت يداه خيرا وشر، لم يكن ذلك متاحا، بل كانت الفوضى تصنع ضبابية وتخلط الأوراق، بسخرية وازدراء، تصنع حالة خداع صدقها البعض، ولم يصدقها كل عقل فطن محترم، لا يقنع دون اثبات وبرهان قاطع وحكم عادل.
ذهبت الحكومة، ولم تذهب كل تلك الماسي والاتهامات، لا تزال أراضي عدن تستباح، والفساد فيها ينتشر، والأسعار يحكمها مزاج المحتكرين وعصابات التقطع للتجار و واردات المواد الغذائية، في منافذها البرية والبحرية، والايرادات تذهب لكروش منتفخة فساد يتقاسمها النفوذ، والجماعة مشغولون في مداهمات وقهر وارهاب الخصوم، ومن يتطاول على نفوذهم، والله يستر!
العقل والعقلاء لا يرفضون أي مكون سياسي أو اجتماعي مهما كان مزاجه، يرفضون المكونات التي تنشأ خارج إطار الدولة والنظم والقوانين، ولهدف تدمير فكرة الدولة، لتحويلنا لمجرد عصابات وجماعات متناحرة، أدوات قتل وقهر وكسر وتحطيم الإرادة للآخر، كأدوات صراع وتناحر وانتهاكات وفوضى.
الدولة هي القادر على ضبط إيقاع حياة الناس بنظامها وقوانينها العادلة والمدعومة بإرادة الناس وثقافتهم الوطنية، هذا الضبط إذا وجد ثقافة شعبية تدعمه، قادر أن يستأصل الفساد والارهاب من جذوره بنظام وقانون عادل، دون أن يمس حقوق الناس وينتهك كرامتهم بإجراءات خارجه عن نظام وقانون وشرع وعرف وعدالة، بل فوضى ترفض الدولة ككيان سياسي واجتماعي مهم في بناء المجتمعات.
لا حل لنا ولغيرنا، بغير الدولة الضامنة للمواطنة والحريات والعدالة، الدولة المدنية التي تستوعب الجميع، بكيانها القابل للإصلاح والترميم، خيرا من غيابه، دولة تتشكل لتلبي تطلعات الجميع بمختلف مشاربنا واطيافنا، لتكن الضامنة لحقوق الجميع القانوني والدستوري في الحياة الطبيعية دون وصاية وتهميش وإلغاء واتهام وتخوين وتكفير، من أجل أن يمارس الكل حقه السياسي والعقائدي والأيدلوجي بحرية وفق نظم وقوانين تنظم هذه الممارس بحيث لا تضر بحرية الاخرين وحقهم القانوني والدستوري ايضاً.
معا لدعم الدولة، في تطبيق العدالة الانتقالية لترسيخ عدالة اجتماعية تنصف الضحايا وتعاقب المجرمين بحكم قضاء ونيابة مستقلة عادلة، ما لم سنبقى مخدوعين مظلومين مهانين الكرامة عبيد في بلاط السلطان الذي يتربع عرشه جهلة ومتخلفون طغاة مستبدون، والبقية مجرد ادوات ووقود لحروب عبثية.
————–
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.