كتابات خاصة

اٍنظر في المرآة!

حسن عبد الوارث

منذ اندلاع الحرب في 2015 راح العام يمتزج بالخاص على صعيد الفجيعة في فضائي الشخصي.

أشعر أنني بلغت حدَّ اليباس في المشاعر والجفاف في الأحاسيس من كثرة ما ازدحمت أيامي الماضيات بأخبار الموت الذي داهم عديداً من أصدقائي وزملائي والأصحاب.

رويداً رويداً صرت أسمع النبأ عن وفاة صديق أو زميل عزيز، فاذا بمشاعر الحزن تخفت وأثر الفجيعة يبهت والأسى يخبو حدَّ التلاشي.
أكاد أجدني غداً أو بعد غد، يصلني خبر رحيل عزيز، فأردُّ على الفور: بسيطة.. بكره با يكبر وبا ينسى!
هل أضحك على حالي، أم تراني أبكي.. أم أنني شارفت على شفا الجنون؟

منذ اندلاع الحرب في 2015 راح العام يمتزج بالخاص على صعيد الفجيعة في فضائي الشخصي.
عدد غير قليل من أعز الأصدقاء وأروع الزملاء وأفضل الرفاق اما ذُبحوا بمنجل شيطان هذي الحرب، واما انتحروا بصور شتى ولظروف شتى، واما ارتحلوا فجأة عن هذه الدنيا لمرض غاشم أو لسبب غائم، واما ماتوا فيما لا يزالون على قيد الحياة!
فجأة يشعر المرء أن لا حدَّ فاصلاً أو لا برزخَ حقيقياً بين الحياة والموت، وبالذات في بلد كهذا يُعَدُّ الحي ميتاً فيه لا محالة، ولو كانت لديه قوة هرقل وثروة قارون وجمال يوسف وحكمة لقمان ودهاء معاوية!
لعمري كدت أُجَنُّ يوماً وأنا أسمع لأحد مليونيرات هذا البلد وهو يشكو لي حالة النكد التي تعتريه فيما هو مقيم هنا ، وكيف يسارع الى السفر أثر كل شهرين أو ثلاثة أشهر بالكثير لكي يشعر بأنه لا يزال على قيد الحياة!

إن اليمن هو البلد الوحيد الذي تسمع فيه عبارة “راح واستراح” كلما جاء نبأ رحيل أحدهم عن الدنيا!
ويكون رحيل المرء أحياناً راحة له ولأهله، إذا كان قد وقع ضحية مرض عضال لا يقوون معه على سداد مصروفات علاجه الفادحة، بل تكون أحياناً كُلفة الدفن والعزاء أكثر وأكبر من طاقتهم!
ففي هذا البلد، حيث الفقر المدقع -الذي استفحل جراء هذي الحرب- يتباهى بجبروته الذي يُنابِز جبروت الحرب نفسها، يغدو الموت فوزاً عظيماً للخلاص من كلفة القوت والدواء.
وفي امكانك أن تعيش -على النحو الأدنى من العيش- في هكذا بلد، شريطة أن لا تأكل ولا تشرب ولا تلبس ولا تتطبّب ولا تسكن بالايجار أو تدفع مصروفات مدارس ووسائل نقل، وحبذا لو امتنعت  عن استخدام سائر الحواس.. وعن الحلم أيضاً فضريبته في هذا البلد باهظة!

إن من غضب الله وغبطة الشيطان أن يُبتلى هذا الشعب المنكوب منذ انهدام السدّ بنُخب حاكمة ومُتحكمة لم يخلقها الرب من طين وماء كباقي البشر، انما خلقها من روث الطيور وفضلات البهائم المدهون بزبدة الأفاعي والسحالي والمغموس في دَبَس الجنّ والمنقوع في نبيذ الجحيم.
سيأتي في هذي اللحظة وغد سقيم ليقول لي: لا تكفر! .. ويتعامى هذا الأحمق عن حقيقة أننا نحيا الكفر الخالص حتى النخاع في كل لحظة تمر علينا ونحن نقيم في هذا البلد.
انظر حولك واخبرني ان كنت ترى شيئاً واحداً يشير الى أننا نعيش كباقي البشر..
انظر حولك واخبرني ان كنت تعتقد بأن حكامنا وساستنا لهم أدنى علاقة بصفة واحدة من الصفات الآدمية المتعارف عليها في قاموس الانسان وناموس الانسانية..
انظر حولك واخبرني ان كنت تعتقد بأنك قادر على الابتسام -مجرد الابتسام- كلما تطلَّعت إلى وجهك في المرآة..
أنت تدري جيداً ما الذي تشعر به كلما تطلَّعت إلى وجهك في المرآة. فلا تضحك عليَّ.. ولا على نفسك!
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى