بعد اندثار الحضارة اليمنية القديمة، تعرضت اليمن للغزو الحبشي، ومن بعده الفارسي، ويعتبر أبرهة الحبشي هو أخر حاكم قام بترميمات لسد مأرب الشهير في العام 542 م. بعد اندثار الحضارة اليمنية القديمة، تعرضت اليمن للغزو الحبشي، ومن بعده الفارسي، ويعتبر أبرهة الحبشي هو أخر حاكم قام بترميمات لسد مأرب الشهير في العام 542 م.
أما الأنفجار الأخير للسد فقد كان في منتصف القرن السادس الميلادي، وطوي تاريخ حضارة عربية مزدهرة شاعت شهرتها في العالم القديم. وأشارت إليها النصوص المقدسة في الديانات التوحيدية الثلاث.
وبقدر ما قدم اليمنيون خبراتهم في الحضارة العربية الإسلامية لم تقدم الخلافة لهم الكثير، فهي لم تعد بناء سد مأرب وظلت اليمن، البلاد المنسية .
وتم نفي كثير من الأيدولوجيات المزعجة لبلاط الخلافة الى اليمن، والتي انتجها فلاسفة الاعتزال، فالزيدية التي أسسها الفقيه الهادي ابن الحسين في العام 282 هجرية، تحولت إلى إمامه سلطوية، حتى العام 1962م هي إحد نفايات ايدلوجيا البلاط العباسي التي هاجرت إلى اليمن على مرحلتين، الأولى مرحلة تأسيس المذهب، والتي كانت على يد الهادي؛ والمرحلة الثانية لما قام سلاطين السلاجقة بتحريك الحنابلة والحشوية بإبادة المعتزلة وقتلهم وتسعير النار في مكتباتهم وآثارهم.
وعمد بعض الزيدية بنقل ما أمكن من كتبهم إلى اليمن، منهم القاضي عبد السلام (550 – 573 ه) فقد نقل المغني للقاضي عبد الجبار، والأصول الخمسة، وغيرهما من الآثار الكلامية من العراق إلى اليمن، وبقيت محفوظة هناك من الاندثار إلى أن نشرتها أخيرا البعثة العلمية المصرية.
بعد أن استمر حكم هذه الايدلوجيا أكثر من ألف عام في اليمن ماذا قدمت للحضارة بشكل عام والإسلامية على وجه الخصوص؟
لقد استوطن هذا المذهب المناطق الخصبة والمطيرة، وحاولت السيطرة على الريع، وهذه البيئة لاتسمح بأي تجديد حضاري، فالتجديد الحضاري يقوم على المغامرة ومواجهة التحديات.
فمن ناحية عسكرية وفرت الطبيعة الجبلية تحصينات ضد أي خطر خارجي، فلا وجود لأي محفزات للأبداع أو المغامرة. وبدلاً عن ذلك ظل الصراع يدور حول الخروج على الإمام واستبداله بإمام جديد .
هذا الوجود السلطوي الديني يقوم على الشكوك، ويتجسد هذا الشك في الممارسة، فجد أن الإمام “يحيى” أجبر القبائل على نظام الرهائن، الأمر الآخر منع الأجانب وخاصة البعثات الأثرية
من الوصول إلى مأرب، حصل هذا مع المستشرق الألماني “هانز هولفيتر” والذي قدم إلى مأرب عن طريق حضرموت كما ذكر في كتابه “اليمن من البوابة الخلفية”.
استثني من ذلك “وليام فلبس” مؤالف كتاب “كنوز بلقيس”، والذي أبرم اتفاقية مع ولي العهد “البدر” في العام 1952 م، ويرجع هذا إلى طمع الإمام في الكنوز، حيث نصت الاتفاقية على التقاسم. وأعتقد أن شكوك الإمامة تقوم على شك متوارث، مرده الاحساس بالغربة.
على الرغم أن الجمهورية مصطلح حداثي وارتبطت بالتحديث، إلا أن الزيدية ظلت على رأس سلطة الجمهورية، وظلت تحكمها رغبات المذهب، واتضح هذا أكثر من مرة في نتاج فكري وفني، وهناك ربما زلات لسان للنخب السياسية على الرغم من قشور التحديث.
فالانبعاث الجديد للايدلوجيا المذهبية واستخدامها للعنف المسلح، هو امتداد لهذا التاريخ.
ولكي نكون منصفين، فليست المشكلة في المذهب الزيدي، فهو تراث ديني، قد نجد ما يماثله في المذاهب الأخرى، لكن هناك رؤية سياسية تم الصاقها بالمذهب، وحاولت تكييف المذهب لكي يلبي الطموح السياسي دائماً.
وفي العقدين الأخيرين، شهدت المنطقة تحولات نتجت عن انتهاء الحرب الباردة، واستفراد القطب الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط ورغبته في تحريك الفوضى عبر النبش في تاريخ الأقليات، والتاريخ الديني للمنطقة، وللأسف فقد حدثت استجابة لهذه التحركات في اليمن واستجابة أخرى تعبر عن الرغبة في التحالف مع قوى الفوضى.
فالتحرك العربي صوب اليمن والذي تشارك فيه معظم الدول العربية الفاعلة بقيادة السعودية، لا اعتقد انه حدث عرضي، وإن كانت السياسة قد خلقت بيئة للتدخل، فمن النادر أن يجمع العرب
على أمر واحد في تاريخهم الحديث، أملاه الإحساس المشترك بوجود فراغ في هذه البلاد.
وتقديري أن هذا الوجود يقوم بعملية إعادة البناء في اليمن، وتصحيح وضعه عبر عملية “برسترويكا عربية” طويلة وشاقة ومحفوفة بالمخاطر، ومرهونة باستجابة اليمنيين تجاه المتغير الجديد، بما فيها جغرافيا المذهب، حيث دفع الناس هناك ثمناً باهضا لهوس المغامرات.