يدفع هادي برجال جيدين إلى الميدان لكنه يتركهم بلا سند، وكأنه يتعمّد احراجهم، وبالتالي إحراق ما تبقى لديه من أوراق قوة يمكن الاعتماد عليها. يتمادى هذا الرجل في معالجة القضايا الكبيرة، ثم يستقيظ فجأةً، وقد سحب خصومه البساط من تحت قدميه.
يحيط به صبية عديمي الرؤية والخيال، ويقفون سدّاً منيعاً أمام وصول أي أفكار من شأنها ايقاظ الرئيس “المغترب”. ذلك أن مصلحتهم تكمن في أن تبقى البلاد على ما هي عليه، أو على أقل تقدير، ألا تمسّ مصالحهم المتعقلة بقربهم من هادي، بسوء أو مكروه.
ترك الرئيس الذي يعيش ذهنية النائب، العاصمة المؤقتة عدن شهوراً، وكلما رأى رجاله عرضاً عسكرياً للجماعات المسلحة يجوب الشوارع رافعاً أعلام التشطير إلى جانب علم الإمارات الداعم الرئيس لهم، غرّد المغتربون في الرياض مهددين عبر “تويتر” كل من تسوّل له نفسه الاقتراب من “شرعية هادي”.
ترك هادي ورجاله سقطرى للإمارات وحلفائها، وبعد عام أو يزيد من الاتهامات المتبادلة، صحى هادي قبيل المغرب، وأصدر أمراً بتغيير مدير شرطة الجزيرة، وهو يعلم أن خصومه قد صادروا كل شيء، بما في ذلك أجهزة الدولة ومقراتها.
الوضع بالغ التعقيد، بلا جدال، لكن هادي ورجاله لا يبذلون جهوداً ملموسة في حلحلة قضايا البلاد، مكتفين بالفيسبوك وتويتر والسفريات بين الرياض والقاهرة وورش العمل في أوروبا، حتى اختلط على الناس التفريق بين الوزير والناشط في وسائل التواصل الاجتماعي.
يدفع هادي برجال جيدين إلى الميدان لكنه يتركهم بلا سند، وكأنه يتعمّد احراجهم، وبالتالي إحراق ما تبقى لديه من أوراق قوة يمكن الاعتماد عليها.
البعض يُرجع سبب ذلك إلى كون الرجل في حكم “الأسير” وليس بيده من أمره شيئاً، لكن حتى لو سلمنا بهكذا طرح، فإن هادي مطالبٌ بكشف الحقيقة لشعبه الذي يكتوي بنار الحرب منذ خمس سنين، ويتطلع إلى الخلاص.
أسوأ ما في جمود الرجل الأول بالدولة هو أن ذلك يُفقد الشرعية قوتها، ويحولها، يوماً بعد آخر، إلى مجرد طرف من الأطراف المتحاربة على السلطة، فاقدةً لكونها دولة يعترف العالم بشرعيتها في مقابل مليشيات مسلحة خارج نطاق القانون.
————–
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.