ظل الآلاف من المعلمين ينتظرون حلول قد تعيد مستحقاتهم المالية التي توفر العيش الكريم لأسرهم وتساعدهم على مزاولة مهنة التدريس وتربية أجيال تدمرها الحرب وتدفع بها نحو مستنقع الجهل والاستغلال. يمن مونيتور/تقرير خاص
يواجه المعلمون في المناطق الواقعة تحت سلطة الحوثيين، خيارات صعبة بعد ثلاثة أعوام على إيقاف مرتباتهم، مما دفع عدد كبير منهم للبحث عن عمل بالأجر اليومي أو النزوح أو الالتحاق بجبهات القتال.
ومنذُ الأشهر الأولى لانقطاع مرتباتهم ظل الآلاف من المعلمين ينتظرون حلول قد تعيد مستحقاتهم المالية التي توفر العيش الكريم لأسرهم وتساعدهم على مزاولة مهنة التدريس وتربية أجيال تدمرها الحرب وتدفع بها نحو مستنقع الجهل والاستغلال.
لكن ذلك لم يحدث، وأصبحت معاناة المعلم اليمني عابرة لكل توقع مغرقة في المأساوية، وتجاوزت الوصف ونالت أقصى درجات التعاطف والعجز عن المساندة.
يقول معلمون وطلاب إن جودة التعليم لم تعد في قائمة المدرس أو الطالب، واستمرار التدريس بعد خمسة أعوام من الصراع نابع عن قوة إرادة وتضحيات كبيرة يقوم بها معلمون ومتطوعون وسط معاناة وهموم وخيبة أمل حولت عدد كبير من المعلمين إلى مجانين في الشوارع ووسط مخلفات القمامة يبحثون عن لقمة عيش يسدون بها رمق الجوع الذي حل بهم.
انقطاع الرواتب يؤثر على 4 ملايين طالب
وقال المجلس النرويجي للاجئين في تغريدة بصفحته الرسمية على موقع التدوين المصغر “تويتر”، إنه منذ ما يربو عن ثلاثة أعوام يبقى غالبية المعلمين في اليمن بدون رواتب وذلك يؤثر على ما يقارب 10,000 مدرسة ونحو 4 ملايين طالب.
ويحتفل العالم بيوم المعلم في الـ 5 من أكتوبر كل عام، وذلك منذ 1994، للإشادة بدور المعلمين حول العالم. ويهدف إلى تعبئة الدعم وللتأكد من أن احتياجات الأجيال القادمة سيوفرها المعلمين بكفاءة. أكثر من 100 بلد يحتفل بيوم المعلم العالمي.
وفي أواخر شهر سبتمبر الماضي، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، إن النزاع والفقر في اليمن سيحرم مليوني طفل من الذهاب إلى المدرسة هذا العام.
وأوضحت المنظمة “في ظل العنف المتواصل في اليمن، يوجد مليونا طفل خارج المدارس بما في ذلك ما يقرب من نصف مليون تسربوا من الدراسة منذ تصاعد النزاع في مارس 2015”.
كما حذرت من أنّ تعليم 3.7 ملايين طفل آخر، من بين سبعة ملايين طفل في سن الدراسة في اليمن، بات “على المحك حيث لم يتم دفع رواتب المعلمين منذ أكثر من عامين”.
وقالت ممثلة “يونيسف” في اليمن سارا بيسلو نيانتي: “لقد تسبب النزاع في تأخر عجلة التنمية والفقر في حرمان ملايين الأطفال في اليمن من حقهم في التعليم”.
وفي عام 2016، علقت رواتب المدرسين، بعدما أدت الحرب بين المتمردين الحوثيين والحكومة إلى انهيار الاقتصاد.
غادرت المدرسة مجبرا
يقول المعلم “أحمد قاسم” إنه لم يصمد كثيرا بعد انقطاع راتبه، حتى غادر المدرسة والقرية إلى المدينة واشترى له باص من أجل العمل وتوفير متطلبات الحياة له ولأولاده الأربعة الذين لازال يدرسون في المرحلة الأساسية.
يتحسر “قاسم” خلال حديثه لـ “المونيتور” على أيام التربية والتعليم الصحيحة ونشاطه الكبير منذُ الصباح الباكر من أجل ألقاء دروس مادة الفيزياء للطلاب وتفننه في إيصال المعلومة لهم، لكنهم كما يقول يواجهون صعوبات كثيرة حاليا خاصة أن المدرسين شباب أكملوا الثانوية وتطوعوا للقيام بالتدريس، لافتا إلى أن المواد العلمية تحتاج مدرس متخصص وفاهم.
وأضاف: أنه يتمنى أن يعود راتبه من جديد لكي يعود إلى القرية ويعود لتربية أبناء قريته في أحد مديريات محافظة “حجة” ويترك عناء الانتظار والشقاء فوق الباص الذي يقول باع من أجل أن يشتريه أشياء غالية على نفسه من ضمنها ذهب زوجته.
من جانبه يفيد مستشار المنظمة العربية للتربية في اليمن “لطاهر الشلفي” أن ما يقارب من (200) الف معلم ومعلمة في اليمن يعملون بلا مرتبات، وسط تجاهل عالمي لمعاناة هذه الشريحة المهمة في المجتمع.
ودعا “الشلفي” زملاء المهنة من أفراد ونقابات واتحادات اقليمية ودولية إلى التحرك الجاد والفاعل من أجل التضامن مع زملائهم وزميلاتهم المعلمين في اليمن.
وشدد على أهمية الضغط بكل السبل من أجل إطلاق مرتبات مئات الآلاف من المعلمين الذين يعولون عائلات تعيش على الراتب الشهري كمصدر دخل لهم، وذلك انطلاقاً من المسئولية المهنية الاخلاقية والإنسانية التي لا تتوقف عند أي حدود جغرافية.
وثمن الشلفي مبادرة المنظمة العربية للتربية التي حددت 1 ديسمبر 2018 الماضي يوماً للتضامن العربي مع معلمي اليمن، مشيراً إلى أنه وبالرغم من تنفيذ تلك المبادرة في عدد من الدول العربية إلا أنها لم ترتقي إلى مستوى المظلومية التي يعيشها زملائهم المعلمين والتربويين في اليمن حسب تعبيره.
قذائف الحرب تقتل آلاف المعلمين
وفي أغسطس الماضي كشفت نقابة المعلمين اليمنيين في تقرير لها عن مقتل أكثر من 1500 معلم ومعلمة منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من 4 سنوات.
وأفادت النقابة أن قرابة 2400 من العاملين في القطاع التعليمي باليمن تعرضوا لإصابات نارية مختلفة، نتج عن بعضها إعاقات مستديمة.
وأوضحت أنها وثقت 32 حالة اختفاء قسري لمعلمين اختطفتهم ميليشيات الحوثي من منازلهم ومدارسهم ولم يشاهد أي فرد منهم بعد ذلك، كما لم تتلق عائلاتهم أي إجابة من الحوثيين بشأن مصيرهم.
وأكدت النقابة أن 60% من إجمالي العاملين في القطاع التعليمي باليمن البالغ عددهم 290 ألف موظف لم يحصلوا على مرتباتهم بشكل منتظم منذ 3 أعوام، وأن أكثر من 9 آلاف تربوي من المعلمين النازحين لا يتقاضون مرتباتهم شهريا، ما جعلهم عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الأساسية في المعيشة والحياة.
ودعت نقابة المعلمين اليمنيين، الجهات المختصة والمجتمع الدولي لحماية التربويين في اليمن وإجراء تحقيقات موثوقة في كافة وقائع القتل والاختفاء والاعتقال ومختلف الانتهاكات الإنسانية بحق المعلمين، وتقديم توضيحات علنية بما تم إنجازه من التحقيق في هذه الجرائم، وضبط ومحاكمة الجناة.