“الانتقالي الجنوبي” بندقية للتأجير.. التخادم الإيراني –الإماراتي جنوب اليمن
انتقلت البنادق المؤجرة، جنوبي اليمن، من يد طهران إى أبو ظبي، في تحادم علني بين الدولتين
يمن مونيتور/ صنعاء/ تحليل خاص من عبدالله نصر
بدأت علاقة الانفصاليين جنوب اليمن مع إيران تأخذ منحىً عسكرياً بعد عام 1994، وخلال تلك الفترة بدأت إيران تمويل الحراك الجنوبي جزئياً، إضافة إلى مخابرات دول عربية أخرى. في ذلك العام، غادر “بدر الدين الحوثي”، الأب الروحي لجماعة الحوثي المسلحة إلى إيران، خوفاً من السلطات، إذ كان مؤيداً لماحولات انفصال جنوب اليمن التي حدثت عام 1994م.
يظهر في الإعلام الآن “عيدروس الزُبيدي” رئيس “المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعوم من الإمارات، ورغم حداثة تأسيس المجلس (2017) إلا أن القادة الانفصاليين الذين يخدمون في المجلس لهم تاريخ من العمل المسلح ضد الحكومة بدعم من إيران.
قاد الزُبيدي تمرداً مسلحاً ضد الحكومة الشرعية في “عدن” الشهر الماضي، واتهمت الحكومة على الفور دولة الإمارات بالتخطيط والتمويل والتنفيذ. يشبه التمرد إلى حد كبير “انقلاب” الحوثيين في سبتمبر/ أيلول2014 ضد الحكومة الشرعية، وما قبل الانقلابيين قصص استخدام “القادة الانفصاليين” مثل الزُبيدي كبنادق للتأجير من إيران حتى الإمارات مروراً بالضاحية الجنوبية في لبنان، في تخادم بين الدولتين تحدده المصالح والمخاوف المشتركة.
“الزُبيدي” كان ضابطاً في حرب 1994 إلى جانب علي سالم البيض (نائب الرئيس اليمني الأسبق، أخر رؤساء جنوب اليمن)، خسر البيض الحرب، وهرّب “الزُبيدي” ليعود عام 1996م لتشكيل حركة حتم (حق تقرير المصير)، وخلال عامي 1997 و1998م قاد عيدروس في مناطق الضالع العمليات المسلحة التي استهدفت عدداً من أبناء القوات المسلحة في الضالع في عمليات مخططة، ومنظمة بصورة سرية.
يعتقد مسؤولون في المخابرات اليمنية ومختصون في الشأن الإيراني أن العلاقة بين “الانفصاليين الجنوبيين” وإيران تعود إلى عقب 1994، حين قامت إيران بمنح العلاج لقادة الحرب والضباط الانفصاليين. وساهمت لبنان كذلك في تعزيز علاقة هذه الجماعات المسلحة في الجنوب بالمؤسسات الايرانية المختلفة (العسكرية والامنية والمدينة) التي قدمت الدعم لـ”الزُبيدي” وانفصاليين أخرين لمهاجمة القوات الحكومية.
الزُبيدي
أوقف “الزُبيدي” عمل حركة حتم عام (2002) في ذروة الانشغال الإيراني وحزب الله في ترسيخ الحوثيين وبدء حركتهم شمالي اليمن، ونشوء الحراك الجنوبي عام 2007 أعاد العمل بالقضية الجنوبية لكن “الزُبيدي” كان مستمراً في عمليات عسكرية ضد الجيش اليمني بدعم من إيران حسب ما أفاد مصد رفيع في المخابرات اليمنية مطلع على ملف إيران في البلاد. عاد “الزُيبدي” مجدداً عقب الانتفاضة الشعبية التي أزاحت الرئيس السابق علي عبدالله صالح عن السلطة عام 2011م ليظهر تحت اسم ذات الحركة مهاجماً القوات الحكومية. أدلى بتصريح لصحيفة الطريق اليمنية، يعلن دعمه للحوثيين ومرحباً بالدعم الإيراني، كانت إيران بالفعل تعمل في جنوب اليمن مستغلة جنوح اليمنيين إلى التعددية السياسية وهشاشة الدولة عقب أحداث 2011م وما تلاها.
ضاعفت إيران بعد 2011م دعمها جماعة الحوثي المسلحة -التي تأسست على عدة مراحل وصولاً للكمالية العسكرية- لكنها لم تكن الوحيدة التي تمولها إيران فهناك جماعات في الجنوب تمولها إيران أيضاً، وتستقطب ناشطين في الحراك الجنوبي للتدريب في إيران.
أبو علي الحضرمي
وقام المسؤولون في الحرس الثوري بتنفيذ زيارات إلى مدن إيرانية لمئات من الشباب اليمني بعدة لافتات ثقافية ودينية وسياسية. كانت من بين الزيارات تقديم “تدريبات عسكرية”، وعروض إيرانية طًرحت على قيادات في الحراك الجنوبي، بينها “الدعم مقابل الاستثمار في البنية التحتية”، استهداف السعودية وتحميلها وزرَ حرب (1994) والقضية الجنوبية، وإثارة الاضطرابات في الدولة المجاورة للسعودية لتهديد أمنها القومي.
في عام 2012، برز اسم صالح علي بن الشيخ أبوبكر، “أبو علي الحضرمي”، المنحدر من محافظة حضرموت، شرقي اليمن، والحامل للجنسية الفرنسية، كأبرز شخصية مقربة من “البيض” إلى جانب يحي غالب الشعيبي وأحمد الربيزي، ويقدّم نفسه بأنه “المستشار الخاص” تارة، و”الاقتصادي” تارة أخرى، للرئيس البيض.
ويوصف “أبو علي” بأنه الشخصية التي اقنعت “البيض” بضرورة التنسيق مع إيران عبر شبكة علاقاته القوية بقيادات تابعة لحزب الله، ويحرص الرجل دوماً على تقديم نفسه مستشاراً خاصاً أو مستشاراً اقتصاديا للبيض.
امتلك أبو علي الحضرمي علاقة جيدة للغاية مع “عيدروس الزُبيدي” لذلك بعد أن أصبح “الزُبيدي” محافظاً لـ”عدن” قام بتعيين الحضرمي “مستشاراً له”[1]، وظهر الحضرمي مجدداً بعد إقالة “الزُبيدي” من منصبه بجانب قيادات “المجلس الانتقالي الجنوبي”، وعقب التمرد المسلح الذي حدث في أغسطس/ آب2019 في عدن بدعم من الإمارات، ظهر “أبو علي الحضرمي” في أبوظبي إلى جانب “علي سالم البيض”.
ليُطرح تساؤل ما علاقة إيران وحزب الله اللبناني بالمطالبين بانفصال جنوب اليمن؟!
على الرغم من أن إيران سعت إلى دعم فصيل بجنوب اليمن، يشبه الحوثيين في شمال البلاد، إذ أنها تتعامل مع الدول وفق جماعتها وأي بيئة حاضنة وقادرة على تنفيذ أجندتها، بغض النظر عن المشروع القائم.
كان فصيل عيدروس الزُبيدي وتحضيراته بعد 2011 جهة تدعو للكفاح المسلح لتحقيق الانفصال، وذلك كانت علاقته مع إيران متجذرة أكثر من باقي قادة الحراك الجنوبي السلمي.
وقال مسؤول في المخابرات الحكومية كان مطلعاً على ملفات إيران في اليمن إن “الحضرمي كان قناة الاتصال الإيرانية ب”الزُبيدي”، وأن مئات الشبان أرسلهم الزُبيدي للتدريب في إيران وفي الضاحية الجنوبية للبنان.
ولفت المسؤول لـ”يمن مونيتور” شريطة عدم الكشف عن هويته، إلى أن “الحضرمي” لم يغلق قناة الاتصال مع الإيرانيين بل استمرت حتى اليوم، وبينما كان “الحضرمي” مستشاراً للزُبيدي التقى قادة في “الحرس الثوري” ضمن لجنة اليمن الخاصة في إيران –التي تقدم تقاريرها للمرشد الأعلى ومجلس الخبراء في إيران- في “دمشق” و”بيروت” إلى جانب حضور ضابط الارتباط الإيراني ” ناصر أخضر” وهو لبناني الأصل.
المئات تدربوا في إيران بين (2012-2015)
يؤكد ذلك تصريحات سابقة حيث أن الكثير من شباب الحراك الجنوبي غادروا اليمن بهدوء للتدرب في إيران، وفي لقاء مع صحيفة الغارديان البريطانية عام 2012م[2] أوضح قيادي في الحراك “جماجم” كيف جرى لقاؤه مع الإيرانيين في بلدهم والتحضير للتدريبات وكيف تم نقلهم إلى “دمشق” ثم إلى طهران دون “فيّز” أو ختم جوازات في إيران. عرضت إيران ملايين الدولارات كرواتب للنشطاء إضافة تدريب وتزويد بالسلاح. أعترف أمين عام الحراك الجنوبي قاسم عسكر بذهاب المئات إلى إيران للتدرب[3] في حديث لـ”وول استريت الأمريكية”. وكذلك اعترفت قيادات حوثية بتدريبات لـ”الحراك الجنوبي” في جنوب لبنان وإيران. في نهاية المطاف رفض “جماجم” العرض لكن كان “الزُبيدي” موجوداً وداعماً.
تقرير صحافي لصحيفة سعودية في 2012 أظهر قيام طهران بإنشاء وتمويل سبعة أحزاب يمنية إضافة إلى “الحوثيين”، وتنسيق على مستوى رفيع مع قيادات في الحراك الجنوبي [4] لإعلان تحالف سياسي استراتيجي ينسق المواقف والتوجهات للطرفين.
وفيما يخص أنشطة قوى الحراك أفاد التقرير المخابراتي أن الجانب الإيراني طرح ضرورة تفعيل المظاهرات والاحتجاجات وتحميل دول الخليج وخصوصا المملكة العربية السعودية مسؤولية إهمال القضية الجنوبية دوليا إضافة إلى التنسيق لتنظيم تظاهرة كبيرة في كل مدن جنوب اليمن بالتزامن مع تاريخ إعلان المبادرة الخليجية وتكون التظاهرة موجهة ضد المملكة العربية السعودية ويتم فيها رفع شعارات منددة بـ”التدخل السعودي والوصاية على اليمن” حسب ما ورد في التقرير.
ولفت التقرير إلى أن الجانب الإيراني عرض على نائب الرئيس اليمني الأسبق علي سالم البيض وقيادات جنوبية أخرى في القاهرة وأوروبا تنسيق المساعدات والدعم من المغتربين الجنوبيين في المملكة العربية السعودية عن طريق عناصر سعودية تعمل لصالح إيران داخل المملكة نظرا لشكوى البيض من أن الدعم الذي يأتي من المغتربين اليمنيين لقوى الحراك يواجه بملاحقة أمنية سعودية خشية توجهه لتنظيم القاعدة. وسبق أن رحب البيض عام 2009 بالدعم الإيراني من اليمن.
التخادم الإماراتي-الإيراني جنوب اليمن
تحولت بنادق الانفصاليين من إيران، إلى الإمارات العربية المتحدة. حيث أصرّت أبوظبي على تقاسم جغرافيا العمليات العسكرية في اليمن، لتُمسك بالمنطقتين العسكرية الثانية والرابعة والساحل الغربي لليمن. وبدأت استلام زمام القيادة من طهران إلى أبوظبي، كاستلام وتسليم.
ظهر الزُبيدي و”شلال شايع” (مدير أمن عدن) من يملكون مقاتلين من الضالع وقادرين على التجنيد، مع أن العناصر الذين تم تدريبهم في إيران والضاحية الجنوبية كانوا هم نواة القوة الجديدة، أضافت الإمارات السلفية المتشددة ضمن صفوف التكوينات التابعة لها جنوب اليمن، لتظهر قائدة تشكيلات شبه عسكرية، توسعت لتشمل معظم المحافظات الجنوبية اليمنية الثمان.
يقول المسؤول في المخابرات اليمنية “يتفق الإيرانيون والإماراتيون على أن إشغال السعودية بتهديد لأمنها القومي جنوباً وشمالاً قادر على تخفيف حدة الاحتقان في المنطقة. حيث يؤثر التصعيد والعداء السعودي ل”إيران” على الإمارات من خلال فرض العقوبات التي تؤثر بالتأكيد على الاقتصاد الإماراتي”.
يُثير الكثير من المحللين توقيت زيارة وفد عسكري إماراتي إلى طهران بعد سنوات من الانقطاع، وتحرك أبوظبي في اليمن عبر إعلان الانسحاب من البلاد أو قيادة تمرد ضد الحكومة الشرعية في عدن، من أجل انتقاص “الشرعية ومشروعية التدخل في اليمن” في خدمة متبادلة لتثبيت ميليشيات الطرفين جنوب وشمال اليمن، ووضع السعودية في حرج قانوني وسياسي أمام المجتمع الدولي بتحمل تكلفة الحرب وفقدانها مشروعية التدخل ليضعها أمام تبعات دولية كبيرة.
مراجع
[1] “أبو علي الحضرمي”.. عرّاب المشروع الإيراني في عدن اليمنية http://www.yemenmonitor.com/m/details/artmid/1052/ArticleID/10916 [2] Yemenis choose jihad over Iranian support https://www.theguardian.com/world/2012/may/10/yemen-jihad-iran-saudi-interference [3] Fears Grow Over Yemenis Ties to Iran https://www.wsj.com/articles/SB10001424127887324904004578536884215565420 [4] تقرير استخباراتي يرصد دعما من طهران لإنشاء أحزاب ووسائل إعلام واستغلال “الحراك الجنوبي” لمهاجمة المملكة http://www.alsharq.net.sa/2012/01/28/101747