جرائم مركبات الأجرة.. أوكار متنقلة في شوارع صنعاء
جرائم خطرة تقع في الحافلات غير المرقمة بصنعاء وسط تعتيم حوثي يمن مونيتور/ العربي الجديد:
نجت الطفلة اليمنية رشا مكي (8 سنوات)، بأعجوبة من محاولة اختطاف بعدما قفزت والدتها الأربعينية وهي تحملها من حافلة صغيرة (تسمى دباب وتحمل سبعة ركاب)، كانت بدون رقم وتعمل على خط حدة التحرير، وسط أمانة العاصمة، كما يقول خالها الثلاثيني أحمد حسن، مشيرا إلى أن ازدحام المكان بالسيارات في جولة (تقاطع) المصباحي حدة، مكن الأم وابنتها من الإفلات من قبضة العصابة المكونة من 3 أفراد.
لكن للأسف أطلق أحدهم النار نحو رشا وأصابها في كتفها الأيمن قبل فرارهم، وجرى إسعافها في مستشفى الإسراء التخصصي بمنطقة حدة، وفق ما يقوله ضابط تحريات برتبة نقيب في منطقة حدة بأمانة صنعاء (رفض الكشف عن اسمه للموافقة على الحديث)، ولفت المصدر إلى أن عدم وجود رقم مروري على الحافلة ومثيلاتها المنتشرة في صنعاء بأعداد كبيرة منها صعّب مهمة ضبط الجناة، ما يعد جزءا من ظاهرة متنامية خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 2015 و2019 وسط تكتم السلطة الحاكمة في صنعاء.
ويوثق التحقيق معاناة ست حالات بين اختطاف وسرقة بالإكراه جرت عبر سيارات بدون لوحات مرورية تعمل على خطوط الأجرة في صنعاء، رصدها معد التحقيق من سجلات البلاغات الشرطية في ثلاث مناطق هي (حدة والثورة والوحدة)، بمساعدة ضباط تحريات كشفوا عن 50 بلاغا تم قيدها لجرائم جرت في سيارات بدون لوحات مرورية، منها 11 بلاغا لاختطاف واختفاء، والبقية سرقة منذ العام 2018 وحتى 10 مايو/ أيار الماضي.
تعتيم سلطة الحوثيين في صنعاء
على مدى الأسبوع الأول من شهر إبريل/ نيسان الماضي داوم معد التحقيق على ركوب ثمان من تلك الحافلات التي لا تحمل أرقاما مرورية على خطي سير حدة باب اليمن، وعصر باب اليمن، ورصد من خلال سائقين وركاب حوادث سرقة لهواتف محمولة ونقود، ومن بين الضحايا أكرم المخلافي (25 عاما)، الذي تعرض لسرقة بالإكراه على خط مذبح الستين في ليل 28 فبراير/ شباط، وجرى نهب حاسب وهاتف محمول ومبلغ 3 ملايين ريال يمني (5600 دولار أميركي) تخص الشركة التي يعمل فيها، مؤكدا أنه لم يتم ضبط الجناة حتى اللحظة.
ويؤكد ضابط التحريات بأمانة صنعاء أن وزارة الداخلية تمنع الإعلان عن تلك الجرائم بحجة: “عدم خدمة دعاية التحالف السعودي الإماراتي المضادة عن الانفلات الأمني في العاصمة”، كما يرفض بعض أهالي المختطفات الإفصاح عما تتعرض له بناتهن خوفا على سمعتهن، على حد قوله، لكن بالرغم من ذلك فإن بعض القضايا خرجت إلى النور، مثل ما جرى مع الطفلة غدير محمد العصري، التي اختفت في 6 مارس/ آذار الفائت بعد خروجها من مدرستها في حي عصر، غرب صنعاء، وبتحفظ شديد يشير الضابط إلى تمكن الجهات الأمنية في منطقة بيت بوس بأمانة العاصمة في 2 مارس الفائت من القبض على مختطفي الطفلة غدير على متن باص صغير.
وتؤكد تقديرات المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر (غير حكومية) وقوع 200 حالة اختطاف واختفاء لنساء خلال عامي 2018 و2019، بعضها جرت بسيارات لا تحمل أرقاما مرورية تعمل في المناطق التي تحت سيطرة ما يسمى بحكومة الإنقاذ (المسيطر عليها من قبل الحوثيين)، حسب توضيح رئيس المنظمة نبيل فاضل، الذي يعيش لاجئا خارج اليمن منذ منتصف عام 2018.
وتذهب تقديرات إدارة مرور أمانة العاصمة إلى وصول عدد السيارات غير المرقمة مروريا والعاملة في صنعاء إلى 40 ألفا، أغلبها باصات صغيرة حتى نهاية فبراير/ شباط 2019، وتعدها الإدارة خطرا أمنيا، وفق حديث العقيد عبد الله النويرة، مدير مكتب مدير مرور أمانة العاصمة، بينما يؤكد الرائد زاهر القشطري، مساعد شؤون الأمن بأمن أمانة العاصمة، أنه جرى “تنفيذ ثلاث حملات أمنية متتابعة بين الأعوام 2017 و2019 لمحاصرة الظاهرة، وجرى ضبط 800 سيارة لا تحمل أرقاما مرورية”.
وينفي القشطري بشدة وجود ظاهرة اختطاف نساء في تلك الحافلات، قائلا: “ما ينشر بهذا الخصوص تضخيم إعلامي من قبل إعلام تحالف العدوان السعودي هدفه إظهار أن الأمن في العاصمة صنعاء هش”، لكنه استدرك بالقول: “يمكن تأكيد وقوع حالات اختفاء فتيات عادية مثل أي مجتمع وسرقات بالإكراه قد تصل الى 40 جريمة سرقة بين العامين 2018 وحتى الربع الأول من عام 2019”.
عقوبات واهية
يعاقب سائق السيارة التي لا تحمل لوحات مرورية ويجري القبض عليه متلبسا بالسير بها بالحبس لمدة سبعة أيام أو بغرامة لا تزيد على 20 ألف ريال (63 دولارا)، وفق ما جاء في جدول العقوبات المقررة على المخالفات المرورية في قانون المرور رقم 46 لسنة 1991. وفي هذا السياق، يقلل العقيد متقاعد محمود طه، الذي عمل سابقا في شرطة السير، من نجاعة العقوبات التي وصفها بغير الكافية لأن الغرامات المفروضة زهيدة، إضافة إلى غياب نصوص قانونية تحمي رجال الأمن، خصوصا وهم يتعاملون مع عصابات مسلحة.
ويعترف نائب مدير عام مرور الجمهورية العميد محمد أحمد المسيبي، بأن دائرة مخاطر السيارات غير المرقمة تتسع يوميا على الصعيد الجنائي لأنها تستغل في الجريمة، خصوصا في ظل ظروف الحرب، وهو ما تؤكده العشرينية حياة الحفاشي، التي أصيبت بجروح بالغة بعد إلقاء نفسها من باص بداخله السائق وشخص آخر ولا يحمل رقما مروريا ويعمل على خط الحصبة التلفزيون في صنعاء، مساء الرابع من ديسمبر/ كانون الأول 2018، إذ لاحظت أن السائق حوّل مساره بعد صعودها مباشرة، وعندما سألته لماذا قام بذلك؟ طلب منها هو والراكب الآخر التزام الصمت. وتقول شقيقتها أفراح إن “حياة تمكنت من القفز من الباص وتعرضت لإصابات في الرأس والساقين، فيما فر السائق ورفيقه دون التمكن من تحديد هويتيهما لأن الباص الذي بحوزتهما لا يحمل رقما مروريا، لكن ماذا عن غيرها؟ ما هو مصيرهم؟”..
مسؤولية المرور
يشتكي أصحاب سيارات غير مرقمة من صعوبة الحصول على لوحات رغم استكمالهم لإجراءات استصدار رقم مروري، ومن بينهم أكرم المطري، الذي قال: “معاملتي وكثير من السائقين جاهزة لكن المرور يمتنع عن منحنا أرقام أجرة، وهذا يجعلنا دوما في دائرة الشبهة من قبل الركاب والجهات الأمنية”.
ويوجز الكتاب السنوي الإحصائي الصادر عن الإدارة العامة لمرور أمانة العاصمة في الإصدار السابع عشر للعام 2018 ما تم إصداره من أرقام لوحات معدنية للسيارات الخاصة في 6016 لوحة بين أعوام 2015 و2018 فيما بلغ المنصرف لسيارات النقل 1817 لوحة”.
ويرد نائب مدير عام مرور الجمهورية العميد المسيبي قائلا: “المسألة يمكن حلها بترقيم جميع السيارات بما فيها الباصات بأرقام (خصوصي ونقل)، لكن هذا المقترح تم رفضه من مالكي الباصات والتاكسي لإصرارهم على ترقيم سياراتهم أجرة، ما فاقم من المشكلة”، ويضيف: “أصدرنا حتى نهاية العام 2017 نحو 8000 رقم أجرة وتوقفنا، لأن العاصمة صنعاء، وفق دراسات مرورية، لا تحتمل المزيد من سيارات الأجرة التي يصل عددها إلى 120 ألف سيارة”، لكن العقيد النويرة يعود ليطالب مصلحة الجمارك بالتحرك أكثر واستكمال إصدار بيانات جمركية للسيارات غير المجمركة حتى تستكمل عملية إصدار أرقام لها، كي يتم التغلب على مخاطرها الأمنية في حال عملت في الشارع.
سجال الجمارك والمرور
مصلحة الجمارك، حسب مدير عام العلاقات العامة بالمصلحة أمل الأغبري، أعلنت عن “بدء حملة ترسيم (فرض رسم) جمركية منذ مطلع العام الجاري واستمرت شهرين، وبلغ إجمالي السيارات المرسمة فيها 1442 سيارة، وحددت الحملة مكتب رقابة جمركيا في صنعاء وسبعة مكاتب جمركية أخرى موزعة على محافظات ذمار، الحديدة، صعدة، عمران، حجة، تعز برسوم مخفضة تفاوتت بين 50% و80% استنادا لقرار وزير المالية رقم 273 لسنة 2016″، وفق إفادة الأغبري، الذي اشتكى من بطء سير إجراءات الترقيم في المرور وهو ما يجعل الناس يحجمون عن استكمال الإجراءات. بالمقابل، يؤكد مرور العاصمة صنعاء من خلال العقيد النويرة جاهزية المرور للترقيم في مركزين بصنعاء عدا سيارات الأجرة التي يصر أن العاصمة لا تحتمل عمل المزيد منها في ظل مخاطرها الأمنية.