كيف ينظر الإيرانيون إلى “المشروع الانفصالي” وما مستقبل التحالف في اليمن؟
حسابات إيران والتحالف في اليمن
**كُتب هذا التحليل المشترك من قِبل الكاتب الإيراني (الأحوازي) محمد مجيد الأحوازي، والكاتب اللبناني محمود علوش، يتحدّثان فيه عن الموقف الإيراني من أحداث الجنوب اليمني ومستقبل التحالف العربي في ضوء التباين السعودي – الإماراتي حول المشروع الانفصالي.
**كُتب هذا التحليل المشترك من قِبل الكاتب الإيراني (الأحوازي) محمد مجيد الأحوازي، والكاتب اللبناني محمود علوش، يتحدّثان فيه عن الموقف الإيراني من أحداث الجنوب اليمني ومستقبل التحالف العربي في ضوء التباين السعودي – الإماراتي حول المشروع الانفصالي.
إنها اللحظة الإيرانية للانقضاض على التحالف العربي بقيادة السعودية والشرعية اليمنية وابتلاع اليمن العربي، إنها لحظة قاسم سليماني حينما يرى الشرعية اليمنية التي تقف حائلا أمام تحقيق أوهامه في اليمن تسقط على يد ما يسمى بالمجلس الانتقالي الانقلابيّ في جنوب اليمن العربي الموحد. عندما كانت المليشيات الانقلابية تحاول أن تنفذ انقلابها الذي يستهدف اليمن الجريح وشرعية التحالف العربي وشرعية الحكومة اليمنية.
كانت طهران ترصد وتراقب بدقة التطورات المشهد اليمني الدامي بدقة، و تقرأ طهران المشهد اليمني بعيون عربية حتى تتخذ موقفاً رسمياً يحرج التحالف العربي بقيادة السعودية، ويظهر طهران التي انقلبت على الشرعية اليمنية بمظهر الداعم لوحدة وسلامة التراب اليمني عكس خصوم الحوثيين في اليمن وهذه تعتبر من المضحكات المبكيات لنا كعرب أن نرى الموقف الإيراني الذي أوغل في دماء اليمنيين وشرعيتهم يدعيّ بأنه ينادي بوحدة اليمن مستغلا الانفلات الذي يشهده جنوب اليمن في ظل عبث المجلس الانتقالي الجنوبي بمصير الشرعية والتحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن.
عندما كانت “مليشيات” المجلس الانتقالي منشغلة بالسيطرة على قصر المعاشيق مقر الحكومة اليمنية الشرعية في عدن، كان لسان حال الجنرال قاسم سليماني يقول؛ حسناً فعلت يا بن بريك ويا عيدروس الزبيدي، إنها اللحظة الإيرانية في اليمن التي يجب أن نستغلها لإسقاط عقبة الرئيس هادي والشرعية اليمنية، لاستكمال مشروعنا في اليمن كما في العراق، وقد يردد سليماني في حال سقطت شرعية الرئيس هادي بأنه يمكنه القول بأن ايران أصبحت جارة السعودية من الجنوب، هذا الحلم الإيراني يمتلك كل الأدوات الموضوعية ليتحقق في اليمن كما تحقق في العراق العربي، حيث أصبح العراق العمق الإستراتيجي والقاعدة الأساسية التي ينطلق منها الحرس الثوري الإيراني لتنفيذ عملياته وانتشاره العسكري في الوطن العربي بعد ما كان العراق يمثل السد المنيع أمام التوسع الإيراني في المنطقة، واليوم هكذا يريدون اليمن، أن يتحول إلى القاعدة الاستراتيجية التي ينطلق منها الحرس الثوري لاستهداف السعودية ومنطقة الخليج العربي برمتها.
طهران لا تنتظر كثيرا ولا تتردد في اقتناص لحظة خلط الأوراق في جنوب اليمن واستقبل خامنئي وفداً حوثياً برئاسة المتحدث باسم الحوثي وبعد ذلك عين الحوثيين سفيراً لهم في طهران، ومن ثم اجتمع وفد الحوثي بسفراء بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، كل ذلك حدث بعد الانقلاب الذي شهده جنوب اليمن على شرعية “الرئيس هادي” وبذلك تم فتح جبهات جانبية على حساب المعركة الرئيسية التي تمثل مواجهة المشروع الإيراني وإعادة الشرعية اليمنية المتمثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي لليمن.
والسؤال الأكثر خطورة الذي يطرح نفسه في وسط معركة خلط الأوراق التي يقودها المجلس الانتقالي في جنوب اليمن، هو: ماذا لو سقطت الشرعية اليمنية؟ هل بإمكان المجلس الانتقالي إيقاف المد العسكري التوسعي لقوات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله ومليشيات الحوثي في اليمن؟ لا شرعية بعد شرعية الرئيس هادي في حال أسقطت عبر مليشيات المجلس الانتقالي وسنكون أمام واقع جديد وهو احتلال إيراني لليمن العربي حيث لا يستطيع أي تحالف آخر بعد إسقاط شرعية الرئيس هادي ليتدخل في اليمن وستكون إيران جارة السعودية من جنوب اليمن كما يحلم سليماني. كما ستكون السعودية مكشوفة أمنياً وعسكرياً واستراتيجيا وجغرافياً أمام الحرس الثوري الإيراني، وستُستنزف السعودية جنوباً من اليمن وشمالاً من العراق للحفاظ على حدودها وأمنها القومي ولا تَقِل تداعيات تقسيم اليمن عن تداعيات الغزو الأمريكي للعراق، لا بل سيكون تقسيم اليمن أسوا لأنه حينها لم تكن إيران بهذه القوة وهذا الانتشار بالمنطق العسكري والأمني الخطير بالمنطقة، والدول الأوروبية التي تدعم الاتفاق النووي الإيراني اليوم وتقف في وجه عقوبات الولايات المتحدة للحفاظ على بقاء النظام الإيراني، بكل تأكيد ستدعم سيطرة الحوثي على عموم اليمن بحجة مواجهة القاعدة و التخوف من نزوح موجات اللاجئين والإرهاب وتهريب المخدرات إلى أوروبا وبذلك ستكون أوروبا داعمة للمشروع الإيراني متمثلاً بالحوثي في اليمن كما دعمت هذه الدول الحشد الشعبي في العراق.
يجب على السعودية وصانع القرار السعودي واليمني أن يكون على بيّنة في هذه اللحظة التاريخية من مصير أمتنا العربية في ظل الدعوات التي تطلق لتقسيم اليمن بأن المستهدف الرئيسي هي السعودية وشرعية السعودية في قيادتها للتحالف العربي وفشل التحالف العربي سيحمل السعودية تكلفة عسكرية وسياسية وأمنية وسياسية باهظة وستكون قدرة السعودية في العالم في موضع الشك لإدارة الملفات الكبرى العربية والإسلامية في حين ستكون إيران استكملت بسط نفوذها وسيطرتها على أهم الحواضر العربية والإسلامية دمشق إلى بغداد وصنعاء وإخضاع العرب لولاية الفقيه. كما اكد وفد الحوثي خلال لقائه بخامنئي حينما قال بأنه ليس فقط “أنصار الله” بل الشعب اليمني بأكمله يعتبر ” ولاية الفقيه وإمامة المرشد خامنئي “هي امتداد لولاية النبي محمد بن عبدالله وعلي بن ابي طالب”. ومشروع التغيير الديموغرافي الذي ينفذ الآن في العراق وسوريا بتمويل وتنفيذ جهات مرتبطة وممولة إيرانياً سينفذ ذلك لاحقاً في اليمن، لذلك يجب أن يكون القول خليجياً وعربياً ويمنياً واحداً وهو يا محمد بن سلمان أوقف تقسيم اليمن، وتسليمها لجنرال طهران “سليماني”.
في الثاني عشر من أغسطس/ آب الماضي، أجرى ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد زيارة إلى السعودية في محاولة للتأكيد على متانة التحالف في اليمن عقب استيلاء قوات ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات على مدينة عدن وطرد الحكومة الشرعية منها. ورغم أن الزيارة حظيت باهتمام سياسي وإعلامي في كلا البلدين كما جرت العادة، إلاّ أنها لم تنجح على الفور في نزع فتيل الخلاف بين الطرفين حول مستقبل جنوب اليمن. وقد برزت سلسلة معطيات بعد الزيارة تُشير إلى ذلك. فبعد سيطرة الانفصاليين على عدن، دعت السعودية الحكومة اليمنية والانفصاليين إلى محادثات في جدة لإنهاء التوتر، لكنّ المحادثات لم تُعقد بسبب رفض حكومة هادي لها من دون انسحاب الانفصاليين من عدن، وكذلك بسبب تمسك الانفصاليين بالحفاظ على المكاسب العسكرية التي حقّقوها. وفي كلا الحالتين، فإن عدم انعقاد المحادثات يعكس الخلاف بين الرياض أبو ظبي على اعتبار أن كلّ منهما تدعم طرفاً في الصراع.
لم يتوقف الخلاف السعودي الإماراتي عند هذه النقطة، بل سرعان ما تُرجم بعد ذلك في الميدان. فقد سعى الانفصاليون للتمدد في باقي المحافظات الجنوبية الأخرى، لكنّ القوات الحكومية تصدّت لهم بقوة واستعادت زمام المبادرة قبل أن تعود للسيطرة على عدن مجدداً في ضربة كبيرة للمشروع الانفصالي. وبغض النظر عن العوامل العسكرية التي ساعدت الحكومة في العودة مجدداً إلى المشهد الجنوبي، إلاّ أنها ما كانت لتتمكن من تحقيق ذلك من دون غطاء سياسي سعودي لها. وقد برز هذا الغطاء في عدّة أشكال، منها البيانات السياسية السعودية التي أكّدت مراراً على دعم الشرعية، وكذلك الزيارة التي أجراها وزراء الحكومة اليمنية المقيمين في الرياض إلى شبوة للإشراف على سير العملية العسكرية المضادة، بالإضافة للتغطية الإعلامية السعودية الداعمة للشرعية.
التمسّك السعودي بدعم الشرعية ورفض المشروع الانفصالي لم تقتصر تبعاته على تحول ميزان القوى العسكري لصالح الشرعية، بل كان له تأثير سياسي على ما يبدو في موقف الإمارات. ففي السادس والعشرين من أغسطس/ آب الماضي، أصدرت السعودية والإمارات بياناً مشتركاً دعتا فيه إلى وقف التوتر وأكّدتا على دعم البلدين للشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي. وتنبع أهمية هذا التأكيد من أن موقف أبو ظبي من شرعية هادي بدت مثار شكوك خلال السنوات الماضية، لكنّه من غير الواضح ما إذا كان هذا الموقف يُعبّر عن تحوّل حقيقي في الموقف الإماراتي أم أنه مناورة سياسية لاستيعاب الهزائم العسكرية التي مُني بها المجلس الانتقالي الجنوبي. وبطبيعة الحال، فإن خطوات الإمارات المقبلة إلى جانب السعودية ستُحدد على نحو كبير ما إذا كان التحالف قد تجاوز هذه الأزمة.
إن اللحظة التي اختارت فيها أبو ظبي تحريك المشروع الانفصالي بالتزامن مع إعلانها الانسحاب من اليمن، اعتبرت على نطاق واسع على أنها محاولة لقطف ثمار مشاركتها في التحالف على حساب مصلحة التحالف والسعودية على وجه الخصوص، كما أنّها تُهدد أبرز المكاسب التي حقّقها التحالف على مدى خمس سنوات من تدخّله العسكري في اليمن كحماية حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي من الانهيار، ناهيك عن أن الدفع باتجاه تقسيم اليمن وتفكيك جغرافيته الوطنية سيُدمّر مصداقية التحالف العربي لدى غالبية اليمنيين وسيُفقد مشروعيته وسيتحول في نظر كثير من هؤلاء إلى قوة احتلال، والأخطر من هذا كلّه أن انفصال الجنوب اليمني عن شماله سيُفيد الحوثيين بالدرجة الأولى وسيعتبرون ذلك بمثابة تعزيز لشرعية سيطرتهم على المناطق التي يسيطرون عليها في الشمال بما فيها العاصمة صنعاء.
**(محمد مجيد الأحوازي – كاتب أحوازي) **(محمود علوش – كاتب لبناني)