تذهب الحكومة إلى جولة مشاورات جديدة، وهي تدرك أن هذه المشاورات لا معنى لها وليست في صالحها أصلاً، خصوصاً بعد التقدم العسكري للقوات الحكومية، وبعد أن انكسرت معادلة القوة لصالح القوات الحكومية والمقاومة والتحالف العربي. تذهب الحكومة إلى جولة مشاورات جديدة، وهي تدرك أن هذه المشاورات لا معنى لها وليست في صالحها أصلاً، خصوصاً بعد التقدم العسكري للقوات الحكومية، وبعد أن انكسرت معادلة القوة لصالح القوات الحكومية والمقاومة والتحالف العربي.
لماذا هي إذا مضطرة للذهاب إلى جولة المشاورات هذه؟ الأمر يتعلق بالضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة والقوى الكبرى، حتى الأمين العام للأمم المتحدة صاغ رسالة التطمينات للحكومة بإيعاز من الحكومات الغربية على ما يبدو. والدافع وراء هذه الضغوط هو أن الحكومات الغربية ما تزال تتمسك بأولوياتها في اليمن، وهو محاربة تنظيم القاعدة، والذي كانت قد ذهبت إلى حد تفويض فصيل طائفي مثل الحوثيين لخوض هذه الحرب العقائدية نيابة عنها وسمحت حتى بتعطيل وإعاقة التقدم المحرز في العملية السياسية.
اليوم توشك الأمور أن تحسم لصالح التحالف في اليمن، لكن بالنسبة للحكومات الغربية ما يزال لديها شك حيال المستقبل خصوصاً وأنها ترى أن المنتصر لن يكون الحكومة فقط بل أطراف سياسية، تراها واشنطن قريبة عقائدياً من القاعدة، وهو تصور خاطئ تتبناه أيضاً مراكز الدراسات التي تدعم صناع القرار في الغرب.
الشيء الذي لا يمكن تجاهله هو أن الحكومات الغربية تقدم تغطية كاملة لتدخل حليفها القوي: المملكة العربية السعودية، في اليمن وتتفهم جيداً القلق السعودي والخليجي من تنامي نفوذ إيران في بلد يمثل أهمية استراتيجية للسعودية، ولكن الغرب لا يبدو أنه مستعد للمضي قدماً في الاستمرار في تقديم هذا الدعم في ظل المخاوف التي تسيطر عليه من تغول نشاط القاعدة ومن إمكانية استفادة هذا التنظيم، من الوضع الراهن، لأن الحكومات الغربية تعتقد أن تراجع النفوذ العسكري للحوثيين( الشيعة) وللجيش الذي بات يخضع لهم الآن، لن يكون في صالح المعركة التي يجب ان تستهدف القاعدة وليس الحوثيين.
لا أعتقد أبداً أن هذه المشاورات ستنجح، ما لم تمارس القوى الغربية ضغوطاً حقيقية ليس على الحكومة اليمنية بل على التحالف العربي بقيادة المملكة، لأن المملكة هي اليوم أحرص من حكومة الرئيس هادي على حسم الموقف عسكريا بما لا يسمح بعودة التهديدات التي تمثلها مليشيا الحوثي وامتداداتها الإيرانية…
الذهاب إلى جولة مشاورات جديدة تعني إعادة تموضع سياسي للأطراف غير المرغوب فيها إقليمياً في المشهد السياسي اليمني، خصوصاً وأن هذه الجولة ستستند إلى المرتكزات الثلاثة: اتفاق المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار، وقرارات مجلس الأمن، وهي مرجعيات مرفوضة تقريباً من طرفي الانقلاب: عفاش والحوثي.
ولهذا يتعين اختبار موقف الانقلابيين من مرجعيات التسوية، وهذا ما يجب التركيز عليه الآن.. مطلوب من المخلوع صالح والحوثي أن يتصالحا أولاً مع المرجعيات التي تحتكم إليها العملية السياسية قبل الشروع في جولة مشاورات جديدة يريدونها أن تبحث في آلية لتنفيذ القرار رقم 2216، ضمن حزمة كاملة، ويقصدون هنا أن يتم التعامل مع الحكومة الشرعية كطرف سياسي، مثلها مثل بقية الأطراف، وأن ينظر إلى المقاومة باعتبارها مليشيات مسلحة مثلها مثل المليشيا الحوثية والقاعدة، وأن يجري النظر في ترتيبات يريدونها أن تنهي شرعية الرئيس هادي وحكومته .. وتوجه من هذا النوع يصيب التحالف العربي في مقتل لأن هذا التدخل يقوم على شرعية الرئيس هادي في المقام الأول…
في تقديري أن هذا التباعد في الأهداف بين من يمكن تسميتهما مجازاً بـ:”طرفي الصراع”: الحكومة ومن ورائها التحالف العربي من جهة، والانقلابيين من جهة ثانية، لن يساعد أبداً في تحقيق أي اختراق في جولة المشاورات المقترحة، وقد تنتهي كما انتهت الجولة الأولى التي انعقدت في جنيف.