لو تأملنا في صورة الربا الذي حرمه القرآن وبين معاملة البنوك إيداعاً وتمويلاً فإننا سنجد عدة فروق واضحة لا تجعل من البوك رباً:
التعامل مع البنوك قد يكون إيداعاً فيها، وقد يكون أخذ تمويل منها، والإيداع قد يكون لأجل الحفظ ويدفع المودع مقابل ذلك، وقد يكون للاستثمار، وأخذ التمويل قد يكون للاستثمار، وقد يكون للاستهلاك، وسأتحدث عمن يودع ماله للاستثمار ومن يأخذ تمويلا للاستثمار، أما من يأخذه للاستهلاك فسأرجئ نقاشه بعد ذلك، وأما من يودعه بلا استثمار فلا إشكال حوله.
ولو تأملنا في صورة الربا الذي حرمه القرآن وبين معاملة البنوك إيداعاً وتمويلاً فإننا سنجد عدة فروق واضحة لا تجعل من البوك رباً:
1. في المعاملات البنكية يكون الدائن والمدين -أو بالأصح الممول والمستثمر لأنها ليست دينًا- كلاهما من أصحاب رؤوس المال على درجات مختلفة، فقد يكون أحدهما أكثر امتلاكا من الآخر ولكنهم في الأخير يعتبرون من التجار صغارا كانوا أو كبارا، وعليه فلا تحل الصدقة لأحدهما فيما لو طلبنا من الدائن أن يتصدق على المدين، لأن المدين يأخذ المال للمتاجرة به، بينما المدين في صورة الربا فقير ومحتاج للصدقة ولذا نزلت الآيات لتحث الدائن على الصدقة لمدينه ﴿وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.
2. إن الدائن (الممول) والمدين (المستثمر) في المعاملات البنكية كلاهما يحصل على منفعة، وليست المنفعة محصورة على الدائن فقط، كما هو الحال في صورة الربا الذي نهى عنه القرآن، والدائن هنا لا يستغل المدين المحتاج للصدقة بل يشترك معه في المنفعة بموجب عقد تجاري قائم على الرضا بينهما يقوم فيه المدين باستثمار المال بما يحقق مصلحة الطرفين، بينما لا نجد أي منفعة للمدين في صورة الربا المنهي عنه.
3. المعاملات البنكية ليست مجرد زيادة لمال الدائن وحده في أموال المدينين، كما هو الحال في الربا الذي حذر منه القرآن الكريم، وإنما هي تجارة تدير مصالح الناس في معاشهم، وأصبحت العمود الفقري لاقتصاد أي بلد، كما أنها ترتبط ببنوك أكبر منها لتحقيق مصلحة البلد بأكمله في تعاملاته الاقتصادية مع الدول الأخرى، وبتحريمها نفقد منافع ومصالح كثيرة على مستوى الأفراد ومستوى الدول.
4. أن الدائن والمدين في المعاملات البنكية تكون بينهم جهة تدير أموالهم بما يدعو للأمان والطمأنينة من أن يستغل أحدهما الآخر أو يظلمه بفائدة كبيرة، ولذا فإن البنوك تتفق على فائدة معينة تكون مناسبة ومعقولة لكلا الطرفين ولا يكون فيها استغلالا أو ظلما، ولو كان فيها ظلم أو استغلال لأحد الطرفين لعدلوا منها، بينما يكون الدائن في صورة الربا المنهي عنه في كامل حريته في استغلال مدينه ووضع الزيادة عليه دون أن يمنعه شيء، حتى لو ضاعف المال عدة أضعاف.
5. الزيادة المعقولة في البنوك المصرفية إنما تشترط في أصل عقد الدين لأغراض تجارية وليست طارئة عند حلول الأجل مع المدين المحتاج للصدقة، وذلك ما يجعلها في الأصل ذات صفة تجارية في المعاملات المصرفية، أي في مقابل منافع متبادلة، وهذه الزيادة تختلف تماماً عن الزيادة التي أشار إليها القرآن الكريم والتي اعتبرها محرمة لأنها تشترط على رجل محتاج للصدقة وبعد حلول أجل الدين وعجز المدين عن الوفاء.
6. أن البنوك تقوم أساسا على التجارة فهي لم تقم لمساعدة الفقراء بإقراضهم قرضا استهلاكيا لحاجتهم، وإنما قامت على أساس أنها تمنح الأفراد تمويلاً لمضاربة استثمارية، وهذا المبلغ المأخوذ من البنك هو للاستثمار والنماء عن طريق النشاط التجاري أو الصناعي أو كليهما معاً، وهو هنا يشبه المضاربة، حيث يكون المال من شخص والعمل لاستثمار هذا المال من شخص آخر بجزء مسمى على جهة الشيوع من الربح، وبناء عليه فالفائدة التي تؤخذ على المبلغ الاستثماري يمكن احتسابها جزءاً من ربح المضاربة المشروعة.
7. إن صاحب المال في البنوك هو الذي يسعى للبنك بينما صاحب المال في الربا يُسعى إليه، والربح الذي يدفع في استثمار البنوك ضئيل جداً بالقياس إلى ما يدفع في صورة الربا الذي يصل إلى الأضعاف المضاعفة كما صوّره القرآن الكريم، والمرابي يرفع السعر أو يتساهل تبعاً للضرورة التي يمر بها المحتاج، فهناك استغلال له وإذلال، وهذا ما لا يوجد في معاملة البنوك.
8. في الربا نحن أمام دائنٍ ومدين، أما في البنوك فنحن أما ممولٍ ومستثمر، ولذا من الخطأ أن يطلق على المال المودع في البنك أو المأخوذ منه قرضاً، وإنما هو تمويل للاستثمار، وهو بهذا أقرب للمضاربة.
بعد هذه المقارنة الواضحة بين الربا الذي ورد تحريمه في القرآن الكريم وبين المعاملات المصرفية يتضح لنا الآتي:
1. أن المعاملات البنكية تختلف تماماً عن الأعمال الربوية التي حذر منها القرآن الكريم لأنها معاملات جديدة لا تخضع في حكمها للنصوص القطعية التي وردت في القرآن الكريم بشأن حرمة الربا ولهذا يجب علينا النظر إليها من خلال مصالح العباد وحاجاتهم المشروعة، وهي تشبه ما عملوه في بيع (السلم) رغم ما فيه من بيع غير موجود وبيع ما ليس عند البائع. حيث يبرر العلماء إباحته بأنها كانت لحاجة الناس إليه.
2. إن البنوك حاجة من حاجات العباد لا تتم مصالح معاشهم إلا بها، ولذلك فإنه من غير الجائز التسرع والحكم عليها بأنها من الربا المقطوع فيه وذلك لأن حظرها يوقع العباد في حرج معاشهم لا مثيل له، بل إن حظرها يهدد كيان الدولة ويقضي نهائياً على مصالحها الاقتصادية. ولو أحصينا المسلمين الذين يتعاملون مع البنوك لوجدنا أن تعداد هؤلاء قد بلغ مئات الملايين، فهل نحكم على هذا العدد الكبير من المسلمين بالإثم رغم كل تلك الفروق، ثم إن أموال الدولة ومرتبات الموظفين كلها تعود للبنك فهل سنحكم على كل أولئك أنهم يأكلون الربا؟
3. إن توفير السيولة في البنوك مصلحة اقتصادية ضرورية لإشباع الحاجات المشروعة، ولذلك يجب إلزام المصارف والمقترضين منها بحد أدنى من الأرباح لأن ذلك سوف يشجع على ظهور السيولة في البنوك وعلى إشراك أصحاب الأموال الصغيرة في أرباح المشاريع التجارية الكبيرة والصغيرة ذات المصلحة المحققة، وفي ذلك بلا شك مصالح معاشية ضرورية من غير استغلال ولا ظلم مما هو من خصائص الربا المحرم في القرآن الكريم.
4. نحن نعرف أن البنوك تقرض بأجل، أي توظف الزمن، ولا شك أن للزمن في ميدان النشاط الاقتصادي دوراً بارزاً لا مجال لإنكاره، ومن ثم فمن حق المتعامل أن يستفيد به، ولذلك جاز بيع السلعة بثمن أعلى نظير الأجل.
5. النفع في المعاملات البنكية للعامل أكثر من النفع لصالح صاحب المال، فصاحب المال يستطيع أن يستغل أمواله بطرق مختلفة كأن يشتري أرضاً زراعية ويزرعها أو يؤجرها، وكأن يشتري بيتاً أو بيوتاً ويؤجر شققها، أما العامل فهو الذي يحتاج للمال ليستثمر به نشاطه، وإن أي توقف في ذلك يكون ضرره على العامل أبلغ منه على صاحب العمل، ثم إن العامل المجتهد يستطيع أن يقدم 15% من رأس المال مثلا لصاحب رأس المال ويحقق لنفسه ربحاً واسعاً، فدورة رأس المال في التجارة سريعة، والربح وفير، والطرفان مستفيدان.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.