كارثة العنف

أحمد ناصر حميدان

العنف غير المحكوم بمؤسسات دولة ضامنة مصيبة الامم، حين يتقوى الانسان على أخيه الانسان ليفرض آراءه وأفكاره وقناعاته، حين يطالبه الخنوع والاستسلام للقوة والقبول بان يكون تابع محكوم بأمر تلك القوة والتسلط والهيمنة، فارضا قانونه ونظامه الخاص المحكوم بتلك القوة.

لا رهان على العنف، ولا أمل من قواه غير المنضبطة وطنياً (عسكرية ومليشيا)، دهرا من العنف وحكم العسكر لم يقدم شيئا لنا، غير الموت ومزيد من التراكمات والشروخ الاجتماعية والوطنية والتصدع والفشل؛ قوى العنف لا تقدم نصراً للوطن، بل نصر مخصوص بنفوس مهزومة وعاجزة عن الايفاء بالوعود.

إذا تسلح الجهل المنفلت بقوة فائضة غير منضبط بنظام وقانون وعقيدة أنتج كوارث أخلاقية وانسانية، وإذا تسلحت بتلك القوة جماعات متناحرة متناقضة الولاء والعقيدة، فحل الخراب والدمار على الوطن، فأقرأ على الدنيا السلام، أن وجد طامعا مغرضا خبيثا يستثمر كل تلك التناقضات، ليجعل منها معاول هدم.
العنف غير المحكوم بمؤسسات دولة ضامنة مصيبة الامم، حين يتقوى الانسان على أخيه الانسان ليفرض آراءه وأفكاره وقناعاته، حين يطالبه الخنوع والاستسلام للقوة والقبول بان يكون تابع محكوم بأمر تلك القوة والتسلط والهيمنة، فارضا قانونه ونظامه الخاص المحكوم بتلك القوة.
العنف غير المحكوم وطنياً يميت المجتمعات بعد أن ينتزع منها الكرامة والحرية، ومجتمع بدون كرامة وحرية مجتمع خالٍ من القيم والأخلاقيات، يتحول لمجرد رعاع يمكن أن تقاد بعصاء وكلب.
المصيبة الأكبر عندما تتحول النخب لأداة تبرير لذلك العنف الفارض، ويتحول المثقف والمفكر مبرر لكل ما ينتجه ذلك العنف، يتحولا لقلم وبوق يلمع الجهل والتخلف والعصبية المحمية بالعنف، ويصفها انها الوطنية.
لا نذهب بعيدا، وننظر بما تبقى فينا من حرية لواقعنا اليوم، واقع نسف كل نظريات العلم والمعرفة، بل فقد بعض الأكاديميين والمفكرين والمثقفين كل سنوات الدراسة والبحث والتثقيف، ليعودوا كما تربوا في القرية والقبيلة والعصبة، عادوا ينازعون الآخرين حياتهم بالعنف، ويصنعون أصناماً من عصبتهم، حكاما لابد من طاعتهم وإتباعهم كقطيع دون تفكير أو مجرد سؤال أو حتى استفسار، ومن لغى فلا وطن له ولا وطنية تتسعه.
الباطل دائما يتسلق الحق، ويحتكم للعنف لفرض واقعه بشعار وطني كبير، يبدأ بإفراغه من محتواه القيمي وعدالته ليتآكل، وفي خضم موجات العنف وأعاصيرها يتلاشى ذلك الشعار ويبقى العنف مسيطرا فارضا واقعه بأدواته العفنة.
القوى التي ترتهن على العنف تتلطخ بالانتهاكات وتدان بالجرائم، وبالتالي ترفض النظام والقانون، هروبا من الثواب والعقاب والانصاف، أي ترفض الدولة الضامنة للمواطنة والحرية والعدالة، وتتمترس ضد كل ذلك، بل تطلق النار في وجه قواها الحية لتريدها قتيلا، مهما رفعت من شعارات.
هذا ما يحدث اليوم في عدن، شعار وطني كبير يحشد الناس من أجله ويبرر المعارك العبثية، كيانات طارئة، دعم لوجستي ومادي، تسليح وتدريب، منظومة اعلامية وثقافية واكاديمية، تمهيد للعملية، سلخ المجتمع من عمقه التاريخي والوطني، بل تجريده من هويته وتنوعه، زرع الكراهية والأحقاد والثأرات والعنصرية، بيئة مشحونة بالعصبية والحماس الغير واعي، بيئة صالحه للرهان على معركة ضد الدولة ومصالح الناس.
السيناريو مكرر، خلف كوارث للدول العربية ومنها اليمن، يدار من خارج الحدود، تطلق صفارة ساعة الصفر، يسقط الشهداء والأبرياء، وتدمر المؤسسات ورمز الدولة والسيادة، يبتهج المنتصر على الشيطان المرسوم في الذهنية الافتراضية، ويبحث الناس عن التطلعات والطموحات والشعار، فلا شيء من ذلك غير العنف يصفي حساباته ويطارد ما تبقى من دولة ورأي وفكر وقوى حية، تعد قوائم التخوين والتكفير والتكميم، ويزجّ بالسجن كل رافض للواقع المفروض ما لم يتم الحكم والتنفيذ، بعقلية العنف وشطح المنتصر.
تلك العقلية تتوالد وتملك من القدرة على ركب موجات كل مراحل التاريخ لتكن في مقدمة كوارثها، هي نفس العقلية التي أنتجت كوارث صراعات الجنوب، وهي نفسها من أنتجت كارثة 1994م، وهي نفسها اليوم تقودنا لكارثة يعلم الله كيف ستكون نتائجها.  
وما يزال مسلسل العنف مستمرا، والنهاية الكارثية تلوح بالأفق، والله يستر على الوطن والمواطن المتطلع والطامح للحرية والعدالة والمواطنة.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى