من صعدة توجهنا مع أيوب صوب عدن، تلك المدينة الفاتنة التي تُسامر البحر وتُعانق الجبل، تنسمنا على عجالة عبق مائها وهوائها الملون، وحينما لم يشتد لأيوب فيها وتر ولا رن، عاد وحلّق بنا صوب صنعاء اليمن، لنجد هناك للحياة مذاقاً خاصاً، بنكهة عابقة تتضوع في أرجاء تلك المدينة الجميلة، عايشنا تاريخها الحي المُهيب، وغنينا:
الجوال أيوب طارش، رحلاته في ربا الأرض اليمنية شيقة وماتعة، حلّقت مع صدى صوته آلاف العقول، ورأت العيون من بعيد عناق جبال ريمة وشماريخ شمسان، حين تفسح «وادي القرية» ذات صباح في بيحان، والتقى الجميع مساءً في عرس حسناء وحسان، في ذلك الحفل الساهر الذي شهدته صعدة، وغنى فيه «الآنسي، والمُرشدي، والقمندان»، «باوزير» من حضرموت صدّر «الحنا، والتتن، والريحان»، أما البن فمن سفح صعفان، والعسل دوعني، والبُر من قاع جهران.
يا الحبايب سقى الباري ديار الحبايب
بين سيئون والحوطة وصنعاء ومارب
قد جُمع بالهنا والسُعد شمل الأقارب
من صعدة توجهنا مع أيوب صوب عدن، تلك المدينة الفاتنة التي تُسامر البحر وتُعانق الجبل، تنسمنا على عجالة عبق مائها وهوائها الملون، وحينما لم يشتد لأيوب فيها وتر ولا رن، عاد وحلّق بنا صوب صنعاء اليمن، لنجد هناك للحياة مذاقاً خاصاً، بنكهة عابقة تتضوع في أرجاء تلك المدينة الجميلة، عايشنا تاريخها الحي المُهيب، وغنينا:
من ذي يزن فيك الهوى تمكن
وأنا واشواقي أنام واذهن
حتى الزمن غنى على صنعاء اليمن ودندن
أرض الملاح الغيد جنة الفن
المحطة التالية كانت «همدان»، جنة الله حيث وادي العناقيد والاعناب، والطباع الرقيقة:
ما حلا لي من الدنيا سوى كرم همدان
والرياض المريعة
وكذا السحر والوادي وجنة ثقبان
والحقول الوسيعة
والجداول تُرى مُتلاوية مثل ثعبان
والوجوه البديعة
أمام تلك القصور الناطحات الثريا، والحدائق الغنّاء المتراصة كعقود من المرجان، وجدنا العقيق اليماني يتدلى فوق صدور الرغاديد، أطلق أيوب حينها صرخة التمني المشروعة: «ليتني من زمان، قد كنت للريف سلطان.. والخصور الرشيقة».
تتكرر الرحلة مع «وطائر امغرب ذي وجه سنا أم تهايم»، حيث تنسكب الفتنة انسكاباً، «أحيان في أم زيدية، وأحيان منها وشايم»، حيث للمُتعة لون وطعم ورائحة، وفي حضرتها استمر التحليق:
أهدى بعيش أم هنا التمس ولي قلب سالي
يهوى أم طرب وأم تنفاس
في أم خبت وأنا فدى أم أب مُحمل جمالي
من أم خميس لجبل رأس
سرت في الاعماق دفقات الاعجاب المملوءة بالغبطة والسرور، في تنقل آخذ بمجامع القلب والعقل، مع حفظ الله وأم سلامة، وكل قطر أم غيث في أم غمامه، وابن عجيل يبخلش بام كرامه، لمن مشى به في أم هوى هيامه.
كل أم غُنى وأم فل من تهامة
وسجعة أم قمري وأم حمامة
وخضره أم ريحان والتمامه
وكل ما في أم روض من خزامه
وصلنا إلى «وادي العدين» الأخضر، وتجاوزناه إلى «تلال الدليل» التي أهدتنا تحية الحب الأولى، لنركع مع الأحبة فوق «جبل بعدان»، ومنه شلَّنا شلال «وادي بنا» جنوباً صوب أبين، اغتسلنا من مائه الغزير الرقراق، ورقصنا على أنغام شبابة الساقية رقصة البالة.
شلال وادي بنا شل العقول
وشل لا بين زغاريد الغيول
يا نشوة الرعيان يا شوق البتول
لعين علان العوالي والسهول
مع ندائه الآسر «جوال هنا وهناك»، أطل بنا أيوب على جبال حيفان، «المدارة، والقباع، والجاح»، والقمر ساري ووضاح، خاطبنا بلسانه شموخ المصنعة «قلعة الاغابر»، صاحبة التاريخ المُوغل في الزمن الغابر، أما «الراهدة»، فقد كان لها هذا النداء الخاص والمُعبر عن فترة انتعاش عاشته يوماً ما:
يا راهدة يا زرب يا مدارة
يا مُلتقى الأموال والتجارة
رأس النقيل سريع كل غارة
طاب جنا البن في «وادي بني حماد»، والصبايا الملاح مُستمرات بقطف المشاقر والورود، يرصفنه بهدوء وسط المزاهر، فجأة لمع البرق على «جبال الاحيوق»، شن المطر وسالت السيول صوب «وادي الضباب»، فكان نصها ماء، أما النص الباقي فدموع الأحباب.
أستمرت رحلتنا مع أيوب دون توقف، صحت فرحتنا كفرحة الطائر حين رأي الفجر غبش، وذرعنا الوديان الخضراء الرطاب، وطربنا لعزف الجدول الشنان، وفي الحقول والسواقي رأينا السعادة ألوان، والزرع أخضر، والجهيش بالاحجان.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.