يمنيون مهاجرون.. بحثاً عن حياة جديدة آمنة في الخارج
الحرب المستمرة في اليمن تدفع الكثير من اليمنيين إلى البحث عن فرص خارج البلاد، ولو كان الخيار هو الهجرة السرية يمن مونيتور/ العربي الجديد
دفعت الحرب المتصاعدة في اليمن منذ نحو خمس سنوات، الكثير من اليمنيين إلى البحث عن فرص للهجرة وبدء حياة جديدة في دول أخرى، بعدما شعروا باليأس واعتقدوا أن الأوضاع لن تستقر في بلادهم. من بين هؤلاء محمد القادري (26 عاماً)، وهو من محافظة إب (وسط).
يقول إنه يبحث منذ أكثر من عامين عن طريقة تمكنه من السفر إلى الخارج بهدف العمل، نتيجة انعدام مصادر الدخل في البلاد.
يضيف لـموقع “العربي الجديد”: “الحياة في اليمن باتت صعبة للغاية. حتى وإن كنت تملك مصدر دخل ثابت، فإنه غالباً لا يلبي احتياجات الأسرة الأساسية في ظل الارتفاع المستمر للأسعار”.
يؤكد القادري أنه يحاول جمع المال منذ بضعة أشهر لشراء “فيزا” عمل في السعودية، على غرار الكثير من أصدقائه. لكن قيمتها المرتفعة البالغة نحو 18 ألف ريال سعودي (نحو 4800 دولار أميركي) شكلت عائقاً كبيراً أمامه، وفشل في توفير ربع المبلغ حتى الآن “ما جعلني أشعر باليأس والإحباط”.
لا يختلف وضع وائل عبد الله (30 عاماً) وهو موظف حكومي من صنعاء، عن القادري، هو الذي يعد نفسه للهجرة من اليمن. يقول إن انقطاع راتبه الحكومي كلياً منذ نحو ثلاث سنوات، دفعه للتفكير بشكل جدي في مغادرة اليمن، لا سيما أن كل المؤشرات تؤكد أن الحرب التي تشهدها البلاد لن تنتهي قريباً.
يضيف: “خلال سنوات الحرب الماضية، أنفقت كل مدخراتي وبعت مقتنيات زوجتي الثمينة، لتوفير مصاريف الأسرة وبدل إيجار المنزل الذي أسكنه، على أمل أن تتحسن الأوضاع لكن من دون جدوى.
والآن، أنا مطالب بإيجاد حل جذري لهذه المشكلة”. يشير إلى أنه يملك قطعة أرض في صنعاء ورثها عن أبيه، وإذا ما وجد فرصة مضمونة للعمل في الخارج وبراتب مناسب، لن يتردد في بيعها لإيقاف معاناة أسرته التي تتفاقم يوماً بعد آخر.
يؤكد عبد الله أن “مغادرة البلاد باتت حلماً يراود معظم الشباب في اليمن بحثاً عن حياة أفضل لهم ولأسرهم في ظل التراجع المستمر للأوضاع الاقتصادية داخل البلاد”، مشيراً إلى أن العيش داخل اليمن أصبح “صعباً للغاية”، سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة أنصار الله الحوثيين أو حكومة عبد ربه منصور هادي بحسب تعبيره.
أما حسين محمد (اسم مستعار)، والذي يبلغ من العمر 27 عاماً، وهو من سكان صنعاء، فقد بدأ خطوات عملية للهجرة، وباع سيارته بمبلغ ثلاثة ملايين ريال يمني (نحو 6 آلاف دولار أميركي) لتغطية نفقات الهجرة، هرباً من الانفلات الأمني والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد جراء الحرب.
يضيف لـ “العربي الجديد” أن الطرقات الرسمية لهجرة اليمنيين منذ بدء الحرب تكاد تكون معدومة، فنصحه أحد الأصدقاء القاطنين في مصر بأن يستعين بمهربين لمساعدته في الوصول إلى أوروبا عبر دول المغرب العربي. يتابع: “تزداد قناعتي بأن الهجرة هي الحل الوحيد لوضعي، وقد اتخذت القرار وبدأت العمل على ذلك على الرغم من معرفتي بأن إجراءات الهجرة بالنسبة لليمنيين معقدة للغاية، سواء كانت شرعية أو غير شرعية. مع ذلك، لن أتراجع عن الهجرة، حتى وإن دفعت حياتي ثمناً لذلك”.
ويفضّل الكثير من اليمنيين الهجرة السرية. وتعد السعودية الوجهة المفضلة لغالبيتهم بسبب وجود حدود برية طويلة بين البلدين مقدرة بنحو 1470 كيلومتراً، إضافة إلى انخفاض كلفة التهريب بالمقارنة مع أسعار تأشيرات العمل الرسمية.
نازحون يمنيون محرومون من السلّة الغذائية
في هذا السياق، يقول الشاب عمر حمود (27 عاماً) وهو من محافظة المحويت غرب البلاد، إنه اضطر إلى دخول السعودية بطريقة غير شرعية، قبل ثلاثة أعوام، عبر طرق وجبال وعرة من منطقة آل ثابت في محافظة صعدة شمال اليمن وحتى محافظة الداير جنوب السعودية بمبلغ 3 آلاف ريال سعودي (نحو 800 دولار أميركي).
يضيف عمر : “عانيت كثيراً من الطريق الجبلية، وكانت حياتي على المحك في أوقات كثيرة، لكن المهرب كان يطمئنني بين الحين والآخر”، مشيراً إلى أنه عمل لمدة 9 أشهر في أحد المحال التجارية في مقابل 1500 ريال سعودي (400 دولار أميركي)، وكاد يحصل على تأشيرة عمل قانونية، “غير أن السلطات الأمنية أمسكت بي ورحلتني إلى اليمن بعدما أخذت بصماتي”. يؤكد أنه ينوي العودة مجدداً إلى المملكة من الطريق نفسها التي سلكها في المرة الأولى على الرغم من المخاطرة، لكنه لا يملك المال الكافي في الوقت الحالي لتغطية تكاليف السفر ودفع المال للمهرب.
يستعين حمود بمقولة يمنية معروفة هي “الغربة كربة” لوصف تحديات الهجرة وقسوة الغربة والبعد عن الوطن والأهل، في إشارة إلى الهم والحزن الذي يسيطر على المهاجر خارج بلده والبعيد عن أسرته.
ويؤكد أنه لا حلول أمامه إلا أن يغادر اليمن ليضمن حياة كريمة لأسرته. “من المؤلم العيش بعيداً عن أهلي لفترة طويلة، لكنني أضحي من أجلهم كي يعيشوا مستورين لا يحتاجون شيئاً ولا يمدون أيديهم لأحد”.
ولا يسعى الفقراء في البلاد إلى الهجرة فحسب، إذ إن الكثير من التجار وأصحاب رؤوس المال نقلوا أعمالهم إلى خارج اليمن كنتيجة طبيعية للأوضاع الأمنية والاقتصادية السيئة.
انتقل محمد عبد الرحمن (45 عاماً) للعيش في القاهرة منذ أكثر من عام، وافتتح صيدلية بعدما وجد نفسه مضطراً إلى مغادرة اليمن بسبب الظروف الأمنية.
يقول إن الحرب تسببت في انهيار أنظمة الدولة، ولم أعد أشعر بالأمان. الأجهزة الحكومية باتت تتصرف كالعصابات وبدأت تدخل الأدوية المزيفة التي تهدد حياة الناس، وأنا لا أستطيع العيش في بيئة كهذه”.
وأشار إلى أن “التجارة في اليمن بشكل عام لم تعد مُجدية، كما في السابق، جراء ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، وزيادة الضرائب، وانعدام الوقود، وارتفاع أسعاره عند توفره، والانفلات الأمني”. وعن سبب اختياره مصر لبدأ حياته فيها، يؤكد عبد الرحمن أنه لا يشعر بالغربة في مصر، “كأنني أعيش في وطني”.
من جهته، يؤكد الناشط المجتمعي محمد ناصر أن أعداد اليمنيين الراغبين في الهجرة مستمرة في التزايد، ولم تعد محصورة بأشخاص محبطين أو عاجزين عن إيجاد فرص عمل كما في السابق.
يقول: “كل من يستطيع مغادرة اليمن أصبح محظوظاً في نظر الناس. من يجد فرصة للعيش أو العمل خارج اليمن قد منحه الله نعمة حرم منها الملايين. وإن كانت حياته متواضعة، إلا أنه يحصل على الأمان”، مشيراً إلى أن الناس يلاحظون أن “كل المؤشرات تدل على أن الحرب مستمرة لسنوات عدة مقبلة. لذلك، الجميع في اليمن، بمن فيهم السياسيون، يبحثون عن أية فرصة لمغادرة البلاد بهدف بناء حياة جديدة”.
يضيف ناصر: “الأوضاع سيئة للغاية ولا يمكن وصفها، لا سيما تلك المتعلقة بالجانب الأمني. يمكن أن تقتل أو تسجن بسبب آرائك أو انتمائك المناطقي أو العرقي”، لافتاً إلى أن “الكثير من الشباب خاطروا بحياتهم وحاولوا الوصول إلى دول أوروبية عبر البحر وبطرق غير شرعية، الأمر الذي أدى إلى وفاة بعضهم غرقاً”.
من جهتها، ترى المتخصصة في علم الاجتماع بلقيس عزي أن دوافع هجرة اليمنيين متنوعة. “الكثير من اليمنيين يغادرون بلادهم من أجل كسب الرزق، والبعض الآخر يهاجر خوفاً على حياته وبحثاً عن الأمن. بعض اليمنيين يخاطرون كي يصلوا إلى دول غربية تمنح أولادهم حياة كريمة وتضمن لهم التعليم والصحة بعدما يقدمون فيها اللجوء”.
تقول بلقيس، إن المواطن اليمني يعاني الفقر والاضطهاد والعزلة الاجتماعية والكوارث البيئية والأمراض والحروب والصراعات والعنصرية والبطالة وغيرها من المشاكل.
وتضيف: “نادراً ما تجد شباباً في اليمن لا يفكرون بالهجرة، حتى الذين ينتمون إلى أسر غنية، ذلك لأن غالبية الخدمات الأساسية غير متوفرة مثل الكهرباء والصحة والتعليم والأمن”.
تتابع: “بعض الشباب يصلون إلى المرحلة الإعدادية، وقد بدأوا التفكير في ترك المدرسة والسفر إلى أية دولة خليجية للعمل، لأنهم يدركون أنهم لن يجدوا أعمالاً في المستقبل. حتى وإن أكملوا دراستهم الجامعية، لن يجدوا عملاً في إطار تخصصهم، وسيضطرون للعمل في مهن أخرى ليس لها علاقة بما تعلموه”.
تجدر الإشارة إلى أنه ما من إحصائيات رسمية حول أعداد المهاجرين اليمنيين في الخارج. إلا أن منظمة الهجرة الدولية تُقدر إجمالي أعداد المهاجرين حول العالم بأكثر من 258 مليون مهاجر، يمثلون 3.4 في المائة من سكان العالم، بينهم نحو 40 مليون طفل في مرحلة الدراسة.
وتشير إلى أن أكثر من 18 ألف مهاجر توفوا غرقاً أو فقدوا في البحر الأبيض المتوسط منذ أكتوبر/ تشرين الأول في عام 2013 وحتى يناير/ كانون الثاني من العام الجاري، خلال محاولاتهم الوصول إلى أوروبا، من بينهم 2297 شخصاً في 2018.
ويشهد اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم بحسب الأمم المتحدة، ويحتاج 80 في المائة من السكان البالغ عددهم 24 مليون نسمة إلى مساعدات إغاثية عاجلة.