كيف حول الحوثيون صنعاء إلى “سوق سوداء” كبيرة ؟!
حياة قاسية تلك التي يكابدها سكان العاصمة اليمنية صنعاء، إذ تكاد تكون المقومات الأساسية للعيش البسيط منعدمة، فلا غاز منزلي، لا كهرباء، لا ينزين ولا سولار، وبات الحوثيون الذين تسببوا في فرض هذا النمط البدائي على حياة اليمنيين، باعة في السوق السوداء بأسعار خيالية. يمن مونيتور/ تقرير خاص
حياة قاسية تلك التي يكابدها سكان العاصمة اليمنية صنعاء، إذ تكاد تكون المقومات الأساسية للعيش البسيط منعدمة، فلا غاز منزلي، لا كهرباء، لا ينزين ولا سولار، وبات الحوثيون الذين تسببوا في فرض هذا النمط البدائي على حياة اليمنيين، باعة في السوق السوداء بأسعار خيالية.
هذه الأزمة ليست محصورة في صنعاء فقط، بل امتدت لعموم محافظات اليمن، غير أن صنعاء نالت النصيب الأعظم منه.
الحطب بدلاً عن الغاز
لجأ الأهالي، وأصحاب الأفران، والمطاعم، في العاصمة صنعاء، إلى شراء الحطب واستخدامه للطباخة بدلا عن غاز الطهي الذي انعدم بالمحطات الرئيسية، لكنه يتوفر في السوق السوداء وبأسعار هائلة.
يقول “مختار عبدالله العنسي”، وهو أحد سكان منطقة “نقم” شرقي صنعاء، إن “الحوثيين احتكروا مادة الغاز، وقاموا ببيعه في السوق السوداء بأسعار مرتفعة لا طاقة لنا بها، ما دفعنا لشراء الحطب لطهي طعامنا لعله يساعدنا على الاستمرار بالحياة”.
“العنسي”، الذي يعمل سائق باص أُجرة، يضيف لـ” يمن مونيتور”، “نشتري الحطب بالشهر أربع مرات، اسرتي تتكون من 10 أفراد، ونحتاج أربع اسطوانات غاز شهرياً، وسعر الاسطوانة يصل احياناً الى 15000 الف ريال(70$)، ويباع في السوق السوداء والمحطات الخاصة” بدل أن كان سعره أقل من 6 $”، متابعاً، “عدنا نشتري حطب وأمورنا سابره، حتى يفرجها الله، انا اشتري بالشهر من الحطب مرتين ب6000 الف ريال، وهذا أسهل من شراء الغاز”.
وكانت الحكومة اليمنية حددت سعر أسطوانة الغاز (26 كيلوغراماً) بنحو 1200 ريال (5.5 دولارات). فيما تستهلك اليمن 5 ملايين و590 ألف أسطوانة غاز في الشهر الواحد.
من جهته يقول، “طارق الرياشي”، إداري في أحد المطاعم بحي حدة جنوب صنعاء، “عدم توفر الغاز أكبر معضلة نواجهها، فنحن نغلق المطعم أكثر من يومين بالأسبوع للبحث عن الغاز، واذا اشتريناه من السوق السوداء بمبالغ مرتفعة سنضطر إلى زيادة الأسعار، أسعار الوجبات، وحالة المواطنين المادية صعبة لأن أعمالهم توقفت بسبب الحرب، ما يجعلنا نخسر، ونوفي برأس المال، لنوفر الغاز”.
وأضاف، لـ” يمن مونيتور”، “نضطر للتعامل مع أصحاب المحطات الرئيسية في شراء الغاز، قبل أن ينزلوها للسوق السوداء، لكن هذا يحصل نادرا، لأنهم مراقبين من الحوثيين ويلزمهم ببيعها إما لأتباعهم بالسوق السوداء، أو يقوم صاحب المحطة ببيعها بالسوق السوداء بنفسه وله نسبة من ذلك”.
وهذا فعلا ما أكده، أحد عمال محطات الغاز الرئيسية، حيث قال لـ”يمن مونيتور”، “الحوثي يلزمنا ببيع قاطرات الغاز الخاصة بنا لأتباعه ليبيعوها لاحقاً في السوق السوداء، أو نحن نبيعها بأي سعر لكن أهم شيء نجيب له مبلغ محدد لكل قاطره، ونحن مش قادرين نجيب هذه المبالغ الا اذا بعنا بسعر السوق السوداء”.
اللجوء إلى احتطاب اشجار زينة الشوارع
شارع الستين الذي يحوي أكبر عدد من أشجار الزينة المنسقة على جوانبه، بدأ يفقد زينته كحال باقي الشوارع، ولاحظ مراسل “يمن مونيتور” أثناء تجواله في الشارع امرأة مسنّة، وهي تحاول اقتلاع إحدى أشجار الزينة الموجودة بتقاطع شارع تعز؛ وحين سألناها عن سبب ذلك، أجابت “داخل بيتي 25 فرد، فانا وزوجي وعيالنا وأحفادنا، اجتمعنا كلنا ببيت واحد بسبب الحرب، وما يكفينا الا بـ100 ألف ريال بالشهر غاز، فاضطررنا للحطب لنشتريه، وأحيانا نخرج نجمع كراتين من الشوارع، أو شجر من الطرقات”.
وتابعت، “الضرورة دفعتني يا ابني إلى احتطاب الشجر الموجود في الشوارع، وانا عارفه انه “ما يصلحش” (ليس صحيحاً)، لكن الضرورة خلتني احتطبها، والسبب هو الحوثي، حسبي الله عليه ونعم الوكيل، اخفى الغاز ويوزعه بالسوق السوداء وقيمته غاليه قوي (جداً)”.
وأشارت وهي تمسك الشجرة بيدها ولم تستطع اقتلاعها، “أنا احرقتها قبل ثلاثة أيام، وهي شجرة صغيرة ما سخيت على الشجر الكبار فهذه بلادي، وما تهون عليا، واليوم جيت وقدها يابسة واحاول قلعها، لكن ما قدرت، وشكلي اليوم باخليها لبكرة وأكلم ولدي يجي يقلعها”.
وتعاني العاصمة صنعاء ومحافظات يمنية عدة، من اختفاء غاز الطهي، وظهوره بالسوق السوداء المنتشرة على جوانب الطرقات، وبأسعار خيالية تتضاعف يوما عن آخر.
وحسب محللين فأن بيع قاطرة واحدة حمولتها 45 ألف لتر تعني بسعر السوق السوداء الحصول على أرباح تصل إلى 9 ملايين ريال يومياً من بيع 2500 أنبوبة”.
أما المحطات الرئيسية فلا يوجد فيها غاز إلا ما ندر، وغالبا ينعدم منها، وتحتاج إلى طوابير قد تستغرق ثلاثة إلى أربعة أيام حتى يتم التزود بالغاز وأحيانا أكثر من اسبوع كامل.
“أم عمر”، وجدناها بجوار إحدى محطات الغاز بجوار دار الرئاسة، قالت “وضعت اسطوانتي في المحطة منذ خمسة أيام، وقد صرفت أكثر من أربعة ألف ريال، لو دريت إني اشتريتها من الشارع ولو غالية، هي بالمحطة رخيصة بـ1800 لكن ما تخرج إلا بعد خسارة ساعها ثلاث مرات، حق مواصلات وأكل وشرب لواحد من عيالي فهو سيمسك طابور عليها بالمحطة”.
أزمة الوقود
لم يقتصر الأمر على الغاز فقط، بل امتد إلى مشتقات النفط الأخرى ( بنزين، ديزل، كيروسين) هذه المواد ليست منعدمة تماماً وإلا لكان أمراً متقبلا، لكن المشكلة بأنه موجود وبكميات كبيرة في “السوق السوداء”، ومنعدم في المحطات الرئيسية، ولاحقاً اتجهت الأخيرة لبيعه بنفس أسعار السوق السوداء، حسب أحد سائقي الشاحنات وسط العاصمة .
وأضاف “صالح المطري”، احتاج من ثلاثة إلى أربعة أيام للوقوف في طابور محطات الوقود للتزود بالبنزين، وأصرف مبالغ كبيرة، وتجنباً لهذا الجهد والخسارة، اشتري البنزين من السوق السوداء، كي لا أخسر وقتاً في الانتظار”.
وبسبب ارتفاع أسعار البنزين، توقفت بعض الاعمال، فيما يشتكي المزارعون من نقص مادة الديزل وارتفاع سعره، وبالتالي تتضرر مزروعاتهم”.
يقول “يحيى السلامي”، مزارع من ذمار جنوبي صنعاء، “خسرت أكثر من مليون ريال يمني”نحو 4500$) لأن جربتي (مزرعتي) تضررت كثيراً بسبب عدم وجود ديزل”.
وتعاني المخابز جراء هذه الأزمة الخانقة، فبعض الأفران في صنعاء اضطرت إلى الاغلاق، فيما بعضهم اتجه إلى استخدام الحطب بدلاً عن الديزل.
“خالد الشرعبي”، صاحب مخابز الرحاب للخبز والروتي في شارع تعز بصنعاء، قال لـ” يمن مونيتور”، “أغلقت المخبز أيام العيد بسبب ارتفاع الديزل، واستمر مغلق لعدة أيام، وقبل يومين اشتريت الخشب واستخدمته بالفرن، نحاول نعيًش الناس، ونعيش نحن ايضا”.
وأضاف، “كان الجالون الديزل بـ 7000 ريال يمني، والحطب أو احراق الخشب هو الحل المناسب، عشان ما نرفع أسعار الخبز فالكيلو منه بـ 300 ريال يمني، والكيلو من الخبز يساوي 15 حبه من الروتي، و13 حبه من الخبز(الرغيف) ونبيع الحبة الواحدة بـ25 ريالا. فالمواطنين حالتهم المادية صعبة، لكن أنا اعتبر نفسي أقدم خدمة للناس فرغيف الخبز أهم شيء عندهم، وعشانهم سأستمر حتى لو بعت كل ما أملك”.
سوق سوداء
وتشهد شوارع صنعاء، ومعظم المدن اليمنية، انتشارا كبيرا لمئات الأشخاص الذين يقفون على الطرقات، لبيع المشتقات النفطية فيما يسمى بـ”السوق السوداء”، وبأسعار مضاعفه على أسعارها الرئيسية.
وبفارق كبير، بين السعر الرسمي للتر البترول المقررة بـ 150 ريال يمني، وبين السعر في السوق السوداء للتر الذي وصل إلى 500 ريال، فيما بلغ اللتر من الديزل بـ300 ريالاً، بعد أن كان سعره الرسمي بـ 150 ريالاً.
وللأسف، فالسوق السوداء في اليمن تختلف في تعريفها، فهي ليست موازية للسوق الرسمية كما يفترض بل بديلة لها، ولا تقدم أسعارا أرخص لما يُباع بل تبيع بأسعار باهظة.
ولمعرفة أسباب توفر المشتقات النفطية في السوق السوداء، وانعدامها بالمحطات الرئيسية، حاول “يمن مونيتور” قال أحد موظفي وزارة النفط، فضل عدم ذكر اسمه، “الدولة بيد الحوثي وهو من يوفر أو يُعدم الوقود وكل شيء بصنعاء، فالسوق السوداء تبيع تحت ادارته وهو من يتحكم بكل شيء”.
من جهته، قال “أبو محمد”، أحد قادة الحوثي الميدانيين في صنعاء، “نحن في حرب ومن الطبيعي أن تكون هناك أزمة بكل مجالات الحياة، واليمن تستورد المشتقات، لكن لا ننسى أن هناك حصاراً من دول التحالف على اليمن، منع دخول قاطرات مشتقات النفط من الوصول إلينا”.
مسؤول رفع بوزارة الداخلية قال لـ”يمن مونيتور”، مشترطاً عدم كشف هويته،”الحوثي مسيطر على كل شيء، ويستطيع توقيف السوق السوداء، أو توفير المشتقات النفطية، وله علاقة كبيرة بأزمة هذه المشتقات، وتساهلهم مع تجار السوداء، لأنهم يستفيدوا منهم، فهم عمال عند الحوثي”.
ويؤكد هذا الاتهام قول أحد تجار السوق السوداء بشارع خولان شرق العاصمة، “نحن مجرد شقاة مع الحوثيين، فأنا أبيع طول اليوم، والمبلغ الذي أطلع به اعطية لشخص حوثي يُدعى” أبو أشرف” وهو المشرف علينا في هذا الشارع، وهو يعطيني أربعة ألف ريال أُجرتي، ويأخذ الباقي، بدعوى المجهود الحربي”، مضيفا “هذا يعتبر مجهود حربي ونحن بندعم المجاهدين (حسب زعمه) لننتصر على السعودية، وسنضحي ولو طلعت الأسعار إلى 100000ريال ( 450$)”.
توفر الوقود لا يعني سهولة الحصول عليه
تفاجأ سكان العاصمة صنعاء، مطلع الاسبوع الماضي، بتوفير المشتقات النفطية بعدد من محطات الوقود في المدينة، بنفس أسعار “السوق السوداء”.
وقال سائق تاكسي، وسط العاصمة لـ” يمن مونيتور”، فضل عدم الكشف عن هويته، “تفاجأت بعدد من المحطات تبيع المشتقات النفطية، فقررت استغلال الفرصة، ودخلت بسيارتي إلى إحداها لتعبئة البنزين، وعندما سألت أحد عمال المحطة عن الأسعار، أخبرني بأن سعر الـ 20 لترا من البترول ب 10.500 ريال يمني أقل من خمسين دولاراً”.
وتابع، “استغربت من التسعيرة لأنها نفس تسعيرة السوق السوداء، ولكني اضطررت للشراء، لأنه ربما يكون أفضل من بنزين السوق السوداء من ناحية نظافته وعدم خلطة بمواد أخرى كما يفعل باعة السوداء”.
وحسب سكان محليين فإن عدداً كبيراً من المحطات، في انحاء متفرقة من العاصمة قد بدأت تبيع الوقود بنفس أسعار السوداء.
ومنذ مطلع مارس/ آذار الماضي بدأت ظاهرة السوق السوداء بالانتشار في البلاد، فيما كانت تقوم محطات الوقود الرسمية بالبيع بالسعر الرسمي 3000 ريال لجالون 20 لتر من البنزين، وهو ما أدى إلى طوابير طويلة للمركبات في معظم شوارع المدينة.
وكانت جماعة الحوثي قررت في أغسطس الماضي، ما قالت إنه ربط أسعار المشتقات النفطية بـالأسعار العالمية عبر “تعويمها”، وهو ما أثار سخط المواطنين.
فمن وجهة نظر الحوثيين فإن “التعويم” يعني ان يكون النفط خاضع للعرض والطلب ويكون كأي مادة غذائية يمكن التنافس في سعره، وبالتالي يكف التلاعب بالبترول والمشتقات النفطية وكذلك يتم ضمان تواجد البترول باستمرار حيث انه يحق لاي شخص الحصول على ترخيص واستيراده اذا عجزت الدولة توفيره وبالسعر العالمي الان.
ولكن ما يحدث الآن هو عكس وجهة نظر الحوثيين تلك، حسب رأي” شهاب الحدادي، أحد أصحاب محطات الوقود، في حديثه لمراسل ” يمن مونيتور”.
وأشار أن “ما يحدث الآن هو تطبيق للقرار الحوثي بتعويم أسعار المشتقات النفطية، مع الأسعار العالمية، فهذا القرار تسبب بظهور السوق السوداء واغلاق المحطات الرئيسية”.
وعند صدور قرار التعويم حذر كثيرون من أن القرار في مثل هذه الظروف سيؤدي الى “شرعنة” السوق السوداء.
عبدالله الليث، من أهالي صنعاء، يشير إلى أن” الحوثيين أصدروا القرار ليشرعنوا السوق السوداء، لتصبح متاحة بيد جميع التجار، وتكون بديلة عن السوق الرسمية.