تمر السياسة الخارجية اليمنية ممثلة بآلتها التنفيذية (الدبلوماسية) بمرحلة هي الأسوأ في تاريخها، وقد بدا ذلك واضحا في ضعف الأداء خلال الأزمة الراهنة. وسواء تعلق الأمر بالخطاب أو الممارسة نلاحظ ارتجالية وجمود للدبلوماسية اليمنية. يمن مونيتور/ تحليل خاص
تمر السياسة الخارجية اليمنية ممثلة بآلتها التنفيذية (الدبلوماسية) بمرحلة هي الأسوأ في تاريخها، وقد بدا ذلك واضحا في ضعف الأداء خلال الأزمة الراهنة. وسواء تعلق الأمر بالخطاب أو الممارسة نلاحظ ارتجالية وجمود للدبلوماسية اليمنية، ودلالات هذا الجمود والارتجالية أملتها في تقديري ثقافة النخبة التي تقود السياسة الخارجية في الوقت الحاضر مفتقدة للخبرة والدراية بإدارة هذا الملف. هذه الإشكالية أثرت بشكل كبير على واقع السياسة الخارجية، وجعلت منها سياسة ارتجالية، سياسة تعتمد على رد الفعل بدل الفعل، مما جعلها تسقط في الكثير من الإخفاقات والمشاكل.
وفي هذا الإطار تتناول هذه الورقة الصعوبات التي تكتنف الدبلوماسية اليمنية في ضوء التحديات الداخلية التي يواجهها البلد، كما تتناول كيفية تفعيل هذه السياسة لتكون في مستوى التحديات؟
I. الصعوبات التي تواجه الدبلوماسية اليمنية:
1. أداء وزير الخارجية
تعتبر الخبرة التي يمتلكها وزير الخارجية محددا رئيس لتفسير سلوك السياسة الخارجية لبلد ما داخل الفضاء الدولي. وفي الحالة اليمنية لم يدرك صانع القرار في السياسة الخارجية اليمنية أهمية هذا المحدد الهام الذي تمليه ظروف المرحلة الراهنة، إذ يلاحظ أن راسم السياسة الخارجية لليمن أوكل ملف الدبلوماسية باعتبارها أداة تنفيذ تلك السياسة لشخصية تفتقر للخبرة في هذا المجال، وقد أثر سوء الاختيار هذا بشكل كبير على ملامح السياسة الخارجية، فبدت السياسة التي تنتهجها قيادة وزارة الخارجية الحالية لا تعدو كونها دبلوماسية الظهور الإعلامي على شاشات القنوات الإخبارية. فمن الملاحظ أن الخارجية اليمنية تشهد في الأشهر الأخيرة تراجعا مخيفا في أدائها الدبلوماسي مما ينذر بأزمة خطيرة، رغم النجاحات التي لا وجود لها إلا في تصريحات وزيرها المثير للجدل عبر شاشات القنوات الفضائية.
فالكثير من الباحثين والمتخصصين بالشأن الدبلوماسي، يعزون ضعف أداء الدبلوماسية اليمنية إلى عدم اختيار الشخصية المناسبة للمرحلة على أساس معيار الكفاءة والمهنية. فغياب الخبرة لدى صانع القرار الدبلوماسي، لم يؤد فقط إلى ضعف الأداء الدبلوماسي، بل انعكس سلبا على نشاط البعثات الدبلوماسية الهزيل أصلا فانتقلت من ضعيف إلى أضعف، نتيجة عدم قدرة الوزير على التأثير عليها. فبحسب العديد من القائمين على تلك البعثات، هناك غياب تام للتواصل من طرف الوزارة مع الممثليات منذ بداية الأزمة، مما جعلها تقع في حيرة من أمرها، ومن الطرف الذي يمكن أن تمثله، هل تمثل سلطة أمر الواقع أم تمثل الحكومة الشرعية.
هذه الإشكالية أثرت بشكل كبير على ملامح السياسة الخارجية، مما جعلها تسقط في بعض الارتباكات والمشاكل. ولم تعد ذهنية الرئيس قادرة على اختيار الطريق الأسلم والفعال وانحرفت سفينة وزارة الخارجية التي تتلاطمها أمواج الفشل منذ أشهر وتحولت من دبلوماسية الأزمة التي يفترض أن تسوق للقضية الوطنية وكسب الدعم لها إلى دبلوماسية الوهم والاسترزاق والتوظيف العائلي في لعبة المصالح الضيقة.
ونتيجة لهذا الواقع المترهل للدبلوماسية اليمنية، يلاحظ وجود نوع من التململ عند رئيس الوزراء من هذه التصرفات، ويتجلى هذا التململ باحتفاظ رئيس الحكومة بوزير خارجية حكومة الكفاءات، في حين يصر رئيس الجمهورية على موقفه بالاحتفاظ بالقائم بأعمال الوزير والذي بحسب الكثير من المهتمين ليس لديه أي خبرة دبلوماسية أو إدارية سابقة. هذا الغموض والتيه لدى صانع القرار في السياسة الخارجية ولد الحيرة لدى البعثات الدبلوماسية الأجنبية المعتمدة لدى بلادنا، فبدا الأمر لهم غير واضح وكأنهم أمام حكومتين لبلد واحد. ومع تزايد الحاجة إلى خلق دبلوماسية فعالة في المحافل الدولية، تظهر دائما عجز صانع القرار في السياسة الخارجية اليمنية في اختيار الكفاءات ورفضه للتجديد وسط الانتقادات المتكررة له بسبب الإخفاقات التي تشهدها الدبلوماسية اليمنية.
من خلال ما سبق يمكن القول إن بناء دور دبلوماسي لليمن في المرحلة الراهنة، لا يجب أن يغلب عليه الخلافات بين الرئيس ونائبه، بل لا بد أن تكون هاجس القضية الداخلية هو الأهم في تحديد هوية السياسة الخارجية، وكيف يمكن أن تخلق أجواء من الثقة في قدرة اليمن على إقناع المجتمع الدولي بطرحه وعدالة قضيته، لتحقيق مزيد من التموقع والاهتمام على الساحة الدولية. ولا يمكن أن يضطلع بهذه المهمة إلا شخصية ذات خبرة وتحظى بالإجماع.
أداء البعثات الدبلوماسية
إلى جانب المعطى السابق، تعتبر البعثات الدبلوماسية أيضا أحد المحددات الرئيسية لأداء الدبلوماسية. من هذا المنطلق تقع على عاتق البعثات الدبلوماسية اليمنية المعتمدة في الخارج دور هام تمارسه لدى دول الاعتماد وذلك بشرح وضعنا الداخلي وتوضيح ما يدور في البلد، خاصة وان الرئيس المخلوع له أذرعه النشطة من الصحفيين الأجانب لدى الدول الأجنبية (أوروبا)، ممن يصورون الأحداث التي تدور في البلد على أنها حرب سعودية يمنية. فيكون تبعات ذلك سوء فهم للأحداث الجارية في البلد لدى الرأي العام في تلك الدول، وهذا ما يلمس عبر أراء بعض الباحثين الأجانب أو عبر عناوين بعض الصحف في تلك البلدان. من هنا تبرز أهمية دور الممثليات في توضيح حقيقة الأوضاع التي يمر بها البلد.
وعلى الرغم من أن الدبلوماسية الخليجية الداعمة لموقف اليمن في معركته الرامية إلى حماية أرضه وشعبه قد حققت انتصارا باستصدار قرار مجلس الأمن الدولي، إلا أن الدبلوماسية اليمنية وبعثاتها في الخارج بدت شبه غائبة في استغلال هذا النجاح الدبلوماسي وبدت عاجزة في حشد الدعم والتأييد لهذا القرار، وتسويق الوجه القبيح للمليشيات وجرائمها المرتكبة بحق أبناء الشعب اليمني. ويمكن القول إن هذا الإخفاق يعود بالأساس لسببين اثنين: الأول يعود بالأساس إلى أن هناك نقصا في الإمكانيات المادية، إذ أن الدبلوماسيين اليمنيين لم يتلقوا جزء كبيرا من مستحقاتهم المالية، نتيجة استقطاعها من طرف المليشيات الحوثية الانقلابية. هذا الأمر ولد شعور بالحيرة لدى الدبلوماسي اليمني. اذ أصبح موقفه يتأرجح بين سلطة شرعية من المفترض أن يمثلها، ليس لها أي اهتمام بما تعانيه بعثاتها بالخارج، وبين سلطة انقلابية، بيدها الجانب المالي المحدد الأهم لأي تحركات ونشاطات. السبب الثاني يعود إلى الدور اللامسؤول للقائم بأعمال وزير الخارجية الذي يفتقد للخبرة في إدارة الملف الدبلوماسي. إذ عمد منذ تعيينه قائما بأعمال وزير الخارجية، إلى تهميش دور البعثات الدبلوماسية المعتمدة بالخارج، متجاهلا الدور الايجابي الذي يمكن أن تلعبه هذه البعثات. فبدا موفقه قاصرا حين عمد إلى تهميش كوادر مؤهلة وذات خبرة من الممكن استقطابها لصالح الشرعية، ولجأ إلى الاعتماد على موظفين جدد من أقربائه عديمي الخبرة.
كما أن تداخل الصلاحيات والتنازع في تسيير ملف الدبلوماسية الحاصل جراء تعدد الوزراء وتغول القائم بأعمال وزير الخارجية المدعوم من الرئيس واعتماد القرابة في التعيين انعكس سلبا على نشاط الخارجية الهزيل أصلا، كل هذا كان تتويجا لمسلسل التيه والفشل الدبلوماسي الذريع والتخبط البين إلى جانب غياب التنسيق والتشاور من قبل القائمين على الشأن الدبلوماسي ذي الرأسين.
وأمام هذا الوضع الشاذ كان على صانع السياسة الخارجية اليمنية أن يبادر بإحداث تغيير في الدبلوماسية اليمنية واعتماد شخصية قادرة على إحداث اختراق في الساحة الدولية، وتعيين سفراء معتمدين لدى الدول الأخرى، لاسيما وان الدبلوماسية لا تقل أهمية عن الجانب العسكري في مثل حالة اليمن.
من خلال ما سبق، يمكن القول إن دور البعثات الدبلوماسية ضعيف جدا، وليست في مستوى حجم ملف القضية الوطنية. مما يتطلب من صانع القرار تفعيل دوره وجعله متناغما مع مواقف البعثات الدبلوماسية الخليجية في الخارج، إذ أن التنسيق بين بعثاتنا وبعثات الخليج غائب تماما.
كيفية تفعيل أداء الدبلوماسية اليمنية:
لم تتمكن الدبلوماسية اليمنية في الأشهر الماضية من حشد التأييد للمصالح الوطنية وبناء تحالفات دولية، لإزالة تداعيات الانقلاب السياسي والعسكري الذي نفذته مليشيات الحوثي وصالح على السلطة، نتيجة استفحال حالة “الاسترخاء والفشل” الدبلوماسي لدى الخارجية اليمنية، ووصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، من غياب روح المسؤولية، بالإضافة إلى التقصير في التعريف بالقضية الوطنية وغياب استراتيجية تواصلية ودبلوماسية في هذا الصدد. وقد تجلى هذا الفشل في وزير خارجية لا يرق لمستوى الأحداث وغياب سفراء معتمدين لدى الدول الأخرى، خصوصا منها الأعضاء في مجلس الأمن، كل هذا دليل قاطع على ضعف أداء وزارة الخارجية. فديناميكية الأحداث الدولية والإقليمية تفرض على السياسة الخارجية اليمنية إبراز أجنداتها وأولوياتها وتكيفها مع الرهانات الدولية، خصوصا إذا وضعنا في الحسبان الهامش الذي بدأت تعطيه المنظمات التابعة للمليشيات الانقلابية على صعيد الحركية والتأثير على الساحة الدولية، والذي بدا أكثر فاعلية من دور البعثات الدبلوماسية اليمنية في الخارج.
من هنا تتجه الأنظار للدبلوماسية اليمنية، وإلى المهام المناطة بالجهاز الدبلوماسي في المرحلة الراهنة. فالدبلوماسية هي لغة الحوار وأداة التواصل المباشرة مع الآخر للتعريف بالذات، والدفاع عن القضايا، والحفاظ على صورة حسنة وغير مشوهة في الخارج، وتصحيح الأوهام والتصورات الزائفة. وتسعى الدبلوماسية إلى تعظيم الاستفادة المشتركة وبناء الجسور للتواصل بين الحكومات.
فإذا كان مهمة الدبلوماسيين تنفيذ سياسة الدولة، التي يرسمها رئيس الجمهورية بصفته رئيس السلطة التنفيذية وصاحب المنصب الأسمى في البلاد. وهو يضع السياسة الخارجية، ثم يكلف رئيس الوزراء ووزير الخارجية بتنفيذها، ينبغي نبذ الخلافات في الوقت الراهن.
وإذا كان من الملائم طرح بعض المقترحات والأفكار، فإنه يمكن التأكيد على ما يلي:
– التوافق على اختيار شخصية تتمتع بالخبرة والمقومات الأساسية للعمل الدبلوماسي وتستند للحد الأدنى من القبول في الداخل والخارج، إذ أن الخبرة والتجربة هي أحد العوامل الهامة التي تقف وراء تشكل رؤية وتقاليد دبلوماسية راسخة.
– سرعة تعيين سفراء معتمدين لدى الدول الأخرى.
– نبذ المحسوبية والوساطة في اختيار بعض الأشخاص، لأنها تضعف من أداء الدبلوماسي.
– ضرورة وضوح الرؤية والهدف، وإعادة النظر في السياسة الخارجية اليمنية؛ والاهتمام بالبعثات اليمنية المعتمدة بالخارج والاستفادة القصوى من الجهاز الدبلوماسي اليمني الذي لا يخلو من كوادر دبلوماسية تتمتع بخبرات وكفاءات عالية.
– تفعيل ودعم الدبلوماسية الشعبية، والتواصل مع مؤسسات المجتمع المدني العالمي، وتعميق مفهوم الشأن الاقتصادي (دبلوماسية التنمية) في العمل الدبلوماسي.
كانت هذه الشروط والمسارات ضرورية لتطوير وتحسين الأداء الدبلوماسي وتلافي الاختلال والضعف الذي اعترى هذا العمل خلال الأشهر الفارطة.