الموت حق في ظل الدورة الطبيعية للحياة، ومن غير الطبيعي أن يتحول لنزعة بشرية مشحونة بالعنف والعنف المضاد، نزعة عصبية تراكمية لواقع آسي وبائس، نزعة تسيطر علينا، ونعجز في الفكاك منها، وفي كل حالة موت تزاد تلك النزعة تأصلا فينا ثقافيا وفكريا وعلاقات واختيارات ومواقف.
الموت حق في ظل الدورة الطبيعية للحياة، ومن غير الطبيعي أن يتحول لنزعة بشرية مشحونة بالعنف والعنف المضاد، نزعة عصبية تراكمية لواقع آسي وبائس، نزعة تسيطر علينا، ونعجز في الفكاك منها، وفي كل حالة موت تزاد تلك النزعة تأصلا فينا ثقافيا وفكريا وعلاقات واختيارات ومواقف.
الموت هو أول درس تلقاه الانسان منذ البذرة الاولى للبشرية، درس هابيل وقابيل، والغراب الذي أرسله رب الكون ليعلم الانسان كيف يواري جثمان اخيه لمثواها؛ درس يعبر عن كرامة الانسان حتى وهو جثة هامدة، درس هل استوعبت البشرية حكمته؟ استوعبه البعض بعد سلسلة من التراكمات وتجارب الموت والحياة، ولم يستوعبه البعض إلى اليوم رغم المعاناة ومآسي الموت وطول فترة الحزن والألم، البعض كانه قدره أن يظل الموت يطاره طول الحياة ويسرق منه كل أفراحه وجمال الروح فيه، أن تظل ثقافة الموت والأنانية جاثمة على كاهلنا تختار بعناية أخيارنا بأيادي اسوأنا، لتبقينا رابضين في وحل التخلف والجهل غير قادرين على أن نعيش حياة طبيعية متغيرة مواكبة للعصر والنهضة.
عدن كغيرها من المدن التي فرض عليها العنف، وسيطر عليها الموت كواقع، حصد فيها بعد التحرير من الغزاة أكثر مما حصد في معركة التحرير، بعد أن فرض على ابنائها حمل السلاح لذود عن عدن، وسطروا أروع الملاحم البطولية والصمود الاسطوري، هموا متعطشين للحياة والبناء، لكن ثقافة الموت القادمة من خارج عدن وبدعم من خارج حدود الوطن أبت إلا أن تكون هي المسيطرة، مع توفر قواها وأدواتها التي غزت عدن بعد التحرير، والمؤسف أنها غزت عقول الشباب، شباب كان ضحية سنوات، عاطلين عن العمل، فاقدين لفرص تبديد طاقتهم المهنية ومهاراتهم، وفجأة تفتح أمامهم الحرب فرص مصدر للدخل، ملكاتها العنف ومهارتها حمل السلاح وحصادها الموت. فتصدر المشهد العضلات وغاب العقل، وسيطرت ثقافة العنف والموت على الكثير بل وامتهنها البعض منهم، مخطط جهنمي للسيطرة على الامة باغتصاب عقلها ومنطقها بكم هائل من المغالطات والأكاذيب والإشاعات والتهويل والتغرير، وتغذية للنزعات الطائفية والمذهبية والمناطقية، تحول البعض منهم لأداة موت مواجهة بخطاب عنف وكراهية بغيضة، تحول العنف أداة عمل لها مؤسساتها وكياناتها الطارئة وميلشياتها المدعومة بإعلام موجه، ودعم لوجستي وسياسي من خارج البلد لهدف تدمير البلد والانسان فيها لسنين قادمة.
لم يعد الموت حالة طارئة، بل صناعة وأداة سياسية، تعزز الخصومة الفاجرة، لتغرق الامة في ماضيها العفن، في تصفية حسابات وحالة انتقام غير مسبوقة، موت اليوم يرافقه فرح الخصوم وحزن الأنصار، وصار هذيان البعض كراهية وأحقاد وعصبية، حتى في بيان الرثاء ورسائل العزاء، لا تعبير لمصاب المدينة، تعبير واضح عن مكنونات العصبة والقرية، كمثقف قروي يوزع صكوك الوطنية والاتهام والتخوين بمزاج مريض ويحرض لمزيد الفتن نحو القتل، يثير الشكوك حول الحقائق على الواقع، ويوزع صكوك الوطنية والاتهام والتخوين بعفن ما فيه من حقد وضغائن، بردود فعل هستيريا تفقده العقل والمنطق، وما أكثر المصابين بالمس الشيطاني في شيطنة الآخر في استمرار مسلسل الموت المعطل للحياة.
رحم الله كل ضحايا العمليات الاجرامية، رحم الله الشباب الواعد وقود هذه العمليات، والرحمة على الأحياء أجسادا بعقول مسلوبة بثقافة الموت والهلاك، يصنعون مبررات ذلك الموت، يغرقون يوما بعد يوم في المزيد من الانتهاك والجريمة، ليجدوا أنفسهم ضحايا.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.