آراء ومواقف

هل من شافع؟

موفق السلمي

حين أكتب عن العشق وأنا في مدينة تعز تأتي إلي الكلمات بنفسها، بل هي التي تراودني وتبحث عني، وتبدو أمامي متراصة تسابق إحداها الأخرى، تخبرني كل أولئك الكلمات أن مدينة كتعز بحاجة إلى الحب ليعم أرضها الأمن والسلام.  كلما قرأت كتابا في الفقه الإسلامي، أذهب مسرعا إلى باب الزواج، لعلي أجد فيه فصلا للعشق، وهناك لم أجد، وفي كل مرة أبقى أتساءل عن تغافل الفقهاء والمجتهدين عن مسائل الحبّ والعشق، أليس كل زواج يسبقه عشق؟ ومن ثم هل العشق حرمه الإسلام؟ لمَ لم يخض أولئك الفقهاء في هذا الباب، كما خاضوا في مسائل لا تمت إلى واقعنا وواقعهم بصلة؟ وهل يتصور فرضا إقدام رجل على أهم عقد في حياته من غير إعجاب وحبّ؟ بالمقابل، لماذا أجد هذا المصطلح، تزخر به كتب الأدب؟ هل العشق طريق إلى الأدب؟ أم الأدب طريق إلى العشق، وهل كل البلغاء عشاق حقا؟ أم أن أكثرهم كاذبون؟
قيل إن العشق جائز شرعا، ولذلك نقل الحافظ مُغُلْطاي الحنفي ( ت 762هـ) في كتابه “الواضح المبين في ذكر من استشهد من المحبين الإجماع على جواز العشق”، وقال: “وقد أجمع العلماء: أن الحب ليس بمستنكر في التنزيل، ولا بمحظور في الشرع”. وحقا إنه كذلك، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعشقون، ولقد شفع لأحدهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري، من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما)، قال: “‏إنَّ زَوْجَ ‏ ‏بَرِيرَةَ ‏ ‏كَانَ عَبْدًا، يُقَالُ لَهُ ‏ ‏مُغِيثٌ. ‏كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي، وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لِعبَّاسٍ:‏ ‏يَا ‏‏عَبَّاسُ، أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ ‏‏مُغِيثٍ ‏ ‏بَرِيرَةَ‏، ‏وَمِنْ بُغْضِ ‏ ‏بَرِيرَةَ ‏ ‏مُغِيثًا. ‏فَقَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏لبريرة: (‏لَوْ رَاجَعْتِهِ! قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ، قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ”.
وحين أكتب عن العشق وأنا في مدينة تعز تأتي إلي الكلمات بنفسها، بل هي التي تراودني وتبحث عني، وتبدو أمامي متراصة تسابق إحداها الأخرى، تخبرني كل أولئك الكلمات أن مدينة كتعز بحاجة إلى الحب ليعم أرضها الأمن والسلام، وتتوسل إليّ أن أرسلها لعصابات الإجرام التي باتت تقض المضاجع، وتقتل وتسلب من دون رحمة، ما إن تموت عصابة أو تخرج من أرض تعز إلا وقد ولدت مثلها.
وبعض كلمات الحبّ والوداد تحثني أن أبعثها إلى عالمنا الصحافي كي تلامس شغاف قلوب الجبناء في تعز، والذين لم يسبق لهم أن دافعوا عن هذه المدينة، فقط جاؤوها طامعين في سلطة، وذلك لا يمنع، لكن ليس على حساب الأبطال، فهناك في جبهات القتال مجاهدون لا علاقة لهم بلجان الترقيم، ولا سبيل لهم في الوصول إلى تلك اللجان، وقد تجد الأرقام العسكرية، بل وكذلك الرتب تتوزع بين القيادات الحزبية وأبناء أبناء الأبناء.
شيطان النثر وهاجس الكتابة في تعز لا يأتيني إلا بصور الحبّ والعشق، ولعل ذلك لحسن ما أرى من فتيات، وما أجمل التعزيّات اللواتي ألتقيهن عند كلّ صباح، وأبادلهن الحديث، ولكم حدثت نفسي بعشق أكثرهن جمالا، أردت أن أجد ممرا آمنا إلى قلبها فلم أجد إلا الكبرياء والغرور اللذين يحيطان بها من كل جانب، ولقد صحرت الحرب قلبها وصيّرت شغافه حديدا لا يلين، ولو أتيت بحبيبي رسول الله، ليشفع عندها لي، لكانت أشد تعنتا من بريرة، وما ذاك إلا أن بغضها إياي أشد من بغض بريرة لمغيث.
نقلا عن العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى