اسطوانات الغاز المنزلي التالفة تنافس الحرب في خطف أرواح اليمنيين
أصبح الحصول على اسطوانة غاز للمنازل مهمة صعبة في اليمن. وانتشرت اسطوانات تالفة “بالملايين”، فأصبحت مصدرا للموت. وتتكرر الحوادث القاتلة وسط مطالب بمحاكمة مسؤولي شركة الغاز. DW عربية تتناول مأساة أخرى يعيشها اليمنيون.
يمن مونيتور/دويتشة فيلة
أصبح الحصول على اسطوانة غاز للمنازل مهمة صعبة في اليمن. وانتشرت اسطوانات تالفة “بالملايين”، فأصبحت مصدرا للموت. وتتكرر الحوادث القاتلة وسط مطالب بمحاكمة مسؤولي شركة الغاز. DW عربية تتناول مأساة أخرى يعيشها اليمنيون.
“صباح يوم 22 من يوليو/ تموز، قامت زوجة ولدي عامر تشعل التنور فانفجر كأنه صاروخ واشتعل البيت كاملاً”، يقول اليمني علي سراج، الذي نٌقلت أسرة أحد أبنائه بالكامل إلى أحد مستشفيات صنعاء بين وفيات وإصابات بالغة، في واحدةٍ من أحدث المآسي الناتجة عن اسطوانات الغاز المنزلي التالفة المنتشرة في المنازل اليمنية بالملايين، والتي تكررت حوادثها في الآونة الأخيرة، لتتحول إلى مصدرٍ من مصادر الموت، ينافس بدوره قذائف الحرب المستمرة منذ سنوات.
ويشرح سراج، الذي تحدث لـDW عربية عبر الهاتف المحمول لولده عامر (المصاب بحروق بالغة)، أن الغاز تسرب من الاسطوانة رغم أنها كانت مغلقة بإحكام، وبمجرد محاولة زوجة ابنه إشعال التنور انفجرت بالمنزل، وأصيب كل من فيه واحترق كل الأثاث بما في ذلك النوافذ والأبواب.
يرقد عامر (نجل علي سراج)، إلى جانب زوجته في “العناية المركزة” بالمستشفى الجمهوري في صنعاء، بحالة صحية حرجة، فيما توفى طفلاه محمد وريماس، على إثر الحروق، التي أصيب بها أفراد الأسرة بانفجار اسطوانة الغاز، ويشدد سراج (الأب) في حديثه لـDW عربية على أن “كل دباب (اسطوانات) الغاز غير صالحة للاستخدام المنزلي”.
الملامح التي اختفت
مأساة أسرة سراج في محافظة حجة اليمنية، لم تكن سوى واحدة من أحدث، حوادث انفجار اسطوانات الغاز المنزلي، التي تكررت في أكثر من منطقة يمنية، في الشهور الأخيرة بشكلٍ لافتٍ، وجعلت أعداداً من اليمنيين بين متوفين أو مصابين بحروق كبيرة.
رجوى الفقيه (28 عاماً)، وهي أم لطفلين ومن سكان العاصمة صنعاء، كانت هي الأخرى ضحية لانفجار اسطوانة الغاز في مطبخها منذ ما يزيد عن شهرين، إذ التهمت النار جسدها إلى جانب طفلتها البالغة من العمر 10 سنوات، قبل أن يتم إسعافهما وعلاجهما بأحد المستشفيات.
وتحكي الفقيه لـDW عربية: “ملامح وجهي تغيرت ولم أعرف نفسي لأول مرة بعد إزالة الشاش منه”، وتقول إنها في ظهر يوم الحادثة أرادت أن تعد طعام الغداء فانفجرت اسطوانة الغاز بمجرد إشعال عود الثقاب. وتتذكر رجوى أنها لم تشم “رائحة للغاز” قبل إشعال عود الثقاب. وإلى جانب إصابتها وطفلتها، تحطم المطبخ كلياً وتأثرت مختلف أجزاء المنزل نتيجة الانفجار.
استلام الاسطوانة كيفما كانت!
منذ تصاعد القتال في اليمن مطلع العام 2015، أصبح الحصول على اسطوانة الغاز للمنازل مهمة صعبة، إذ ارتفعت الأسعار إلى ما يزيد عن ضعفي سعره سابقاً، ففي مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، ذات الكثافة السكانية الأعلى، بما فيها صنعاء، فشلت السلطات في ضبط الأسعار وتوفير “الغاز” بصورة مستمرة، لتضطر لابتكار آلية لتوزيعه بالأسعار الرسمية، عبر “عقال الحارات”، بحيث يتم تسجيل السكان بكشوف مسبقة، وما إلى ذلك من الإجراءات.
فوق ذلك، فإن الاسطوانة التي يتم الحصول عليها بصعوبة تمثل في العديد من الحالات، مصدراً محتملاً للموت والانفجارات المرعبة في المنازل، نتيجة انتشار الاسطوانات التالفة.
ويقول عبدالواسع الحمدي، وهو صحفي انفجرت اسطوانة الغاز في منزله منتصف رمضان الماضي ( مايو/ آيار 2019) إنه “مثل غيرنا نستلم اسطوانات الغاز المنزلية عبر عاقل الحارة، بحسب الآلية الخاصة بالتوزيع من قبل شركة الغاز، وكيف ما كان حالها”. ويضيف لـDW عربية أن “المواطن يستلمها (أي الاسطوانة التالفة) لأنه بحاجة للغاز المنزلي خاصة مع انعدام توفر الاسطوانات للمواطنين بالأعداد الكافية”.
استلمت عائلة الحمدي اسطوانة تالفة، دون أن تعرف أن الغاز يتسرب منها، يحكي الصحفي اليمني. ويتابع “بعد الانتهاء من صلاة المغرب ذهبت اختي الصغيرة وزوجتي باتجاه تسخين وجبة العشاء للصائمين وبمجرد الضغط على الكهرباء لإشعال الضوء، حصل الانفجار المرعب الذي كان صوته اشبه بصاروخ نزل الى منزلنا”. ويضيف الحمدي: “من قوة ضغط الانفجار رمى بجسديهما (زوجته وشقيقته) إلى مسافة بعيدة عن باب المطبخ وتسبب بحروقٍ لكلتيهما تتعالجان منها حتى اليوم”.
ملايين الاسطوانات التالفة ودعوات للمحاسبة
تمثل أزمة عبوات الغاز المنزلي التالفة المنتشرة في المنازل اليمنية تهديداً مرعباً مع الأرقام التي تشير إلى ما يصل إلى 12 مليون اسطوانة غاز تالفة أو تحتاج إلى صيانة في المساكن والمطاعم اليمنية، وتتدهور حالتها مع مزيدٍ من الاستخدام يجعل منها قنابل كامنة في المنازل.
مع تكرار حوادث انفجار الاسطوانات في الآونة الأخيرة، تحولت إلى قضية رأي عامٍ في شبكات مواقع التواصل الاجتماعي، وسط مطالب بمحاسبة الجهات المسؤولة عن التقصير وسماحها بإعادة تعبئة اسطوانات شبه تالفة تهدد حياة الأسر.
ويقول عبدالواسع الحمدي لـDW عربية “نحن نطالب بمحاكمة ومعاقبة مسؤولي شركة الغاز المتهاونين بأرواح الناس ونطالب السلطات بمحاسبتهم وإنزال أشد العقوبات بحق المسؤولين وتعويض كل مواطن تضرر بسبب اهمالهم واستخفافهم بأرواح المواطنين.. أليس ذلك من حقنا؟”
توقف الصيانة منذ 2016
تواصلت DW عربية مع شركة الغاز اليمنية، وهي الجهة الحكومية المسؤولية عن توفير وتوزع الاسطوانات بصنعاء، حيث أقرت الأخيرة بوجود عددٍ كبيرٍ من الاسطوانات التي تحتاج لصيانة، وأرجعت ذلك إلى توقف الصيانة منذ نوفمبر/ تشرين الثاني2016، حسب المتحدث باسم الشركة علي معصار، والذي وصف الإحصائية بوجود 12 مليون اسطوانة تالفة بأنها تحمل “مبالغة” وقال إن العدد الفعلي غير محدد.
وفي حديثه عن الأسباب أشار معصار إلى أن “المصنع اليمني للأسطوانات مغلق منذ 2016، بالإضافة إلى ضعف الإمكانيات المادية لدى الشركة بما يمكنها من صيانة الاسطوانات في منطقة “صافر” بمحافظة مأرب وسط البلاد، وهي المحافظة الخاضعة لسيطرة قوات الحكومة المعترف بها دولياً.
لا إمكانات مالية كافية
وأضاف علي معصار “نحن في شركة الغاز بصنعاء لا يوجد لدينا موارد أو امكانيات مالية لتفعيل أعمال الصيانة وإنما نبذل جهوداً ذاتية في الاشراف على توزيع الغاز بحسب المتاح”. وتابع حديثه قائلا إن الانفجارات نتيجة لأحد سببين وهما وجود تسرب للغاز من الاسطوانات التالفة أو الإهمال بعدم الإغلاق المحكم لها في المنازل.
وأفاد متحدث شركة الغاز لـDW عربية أن الشركة لجأت إلى حلول أولية، منها توزيع 15 ألف اسطوانة جديدة في صنعاء وتشكيل لجنة معنية بحصر الاسطوانات التالفة، وإصدار توجيهات بعدم تعبئة أي اسطوانات يظهر منها تسريب، وصولاً إلى اعتماد آلية التوزيع عبر “عقال الحارات”، وغيرها من الإجراءات.
تخزين للحاجة وضرورة للتوعية
من جانبه، يقول الخبير اليمني المهتم بشؤون الغاز المهندس نواف باقروان إنه “في ظل الوضع الراهن وأزمات الغاز في البلاد يلجأ كثير من المواطنين إلى تخزين وحفظ اسطوانات الغاز وهذا عبارة عن قنبلة موقوتة في كل بيت ويعرض الكثير لحدوث حوادث لا تحمد عقباها”.
ويضيف أن “انتشار اسطوانات غاز تفتقر لمواصفات ومعايير السلامة يمثل كارثة أخرى”، يقع فيها الكثيرون “نظراً للحاجة وعدم توفر الغاز ولعدم وجود بديل عنها”.
ويرى باقروان أن مجمل حوادث الانفجارات في الآونة الأخيرة توجب “على الجهات المعنية النزول وتحذير المواطنين ومنع توريدها وعدم استخدام الاسطوانات التالفة”، كما يشدد في السياق نفسه على أهمية وجود حملات توعوية عبر وسائل الإعلام بالإجراءات الوقائية وتدابير السلامة وكيفية التعامل مع الحوادث للحد منها.
الجدير بالذكر أن المصابين بحروق الانفجارات المنزلية بسبب اسطوانات الغاز على رأس رواد مراكز معالجة الحروق في المستشفيات اليمنية، بما في ذلك في المستشفى الجمهوري بصنعاء، والذي زارهDW عربية، واعتذرت إدارته عن السماح لنا بالدخول لمقابلة مرضى.