بافضل.. مهندس السياسة والحكم والتشريع
يرتدي بزته الرسمية (سوداء اللون)، وربطة عنق منقطة بالأبيض، تحت ذلك الشارب الأحمر تعلو شفتيه ابتسامة دائمة حتى في غضبه، رأسه ولحيته –أيضاً- كشاربه مصبوغ بـ”الحناء”، هذه هي الصورة الذهنية لدى أغلب اليمنيين لمن اشتعل رأسه شيباً، منذ وقت مبكر في حياته. الدكتور عبدالرحمن بافضل، السياسي والبرلماني والوزير الذي ناضل من أجل الشعب اليمني وحقوقه منذ غادر مدينة (القطن) مسقط رأسه بمحافظة حضرموت، شرقي اليمن وعمره لا يزال في منتصف عقده الثاني، وحتى وفاته يوم الخميس الماضي 15 أكتوبر/تشرين الأول 2015 في أحد مستشفيات المملكة العربية السعودية، على إثر حادث مروري تسبب في إصابته إصابة خطيرة لم يصمد جسمه النحيل البالغ 67 عاماً أمامها. يمن مونيتور – )بورترية)
يرتدي بزته الرسمية (سوداء اللون)، وربطة عنق منقطة بالأبيض، تحت ذلك الشارب الأحمر تعلو شفتيه ابتسامة دائمة حتى في غضبه، رأسه ولحيته –أيضاً- كشاربه مصبوغ بـ”الحناء”، هذه هي الصورة الذهنية لدى أغلب اليمنيين لمن اشتعل رأسه شيباً، منذ وقت مبكر في حياته. الدكتور عبدالرحمن بافضل، السياسي والبرلماني والوزير الذي ناضل من أجل الشعب اليمني وحقوقه منذ غادر مدينة (القطن) مسقط رأسه بمحافظة حضرموت، شرقي اليمن وعمره لا يزال في منتصف عقده الثاني، وحتى وفاته يوم الخميس الماضي 15 أكتوبر/تشرين الأول 2015 في أحد مستشفيات المملكة العربية السعودية، على إثر حادث مروري تسبب في إصابته إصابة خطيرة لم يصمد جسمه النحيل البالغ 67 عاماً أمامها.
من الصعب أن تجد سياسي يملك رصيد كـ”بافضل”، فقد هنّدس حياته كما يريد، فهو طالب علمِ جيّد ومدرس جيّد، واقتصادي بارع، واستاذ سياسة، و تربوي قدير، وبرلماني مكافح، تملكته روح الإنسان، وزرع بذور الوطنية بلا تزييف ولا تملق، واجه فساد الحكومة باكراً عندما كان في الوزارة، وعندما انتقل إلى المعارضة، صريحٌ لأعلى المستويات، لا يخشى السلطة ولم يرتعب من القمع، وغادر حياته ولم يحمّل حقداً لأحد، بل نشّر بذور حبه بين الأصدقاء والخصوم. يمتلك رجاحة عقّل الحكماء، وقريبٌ من المثقفين والأدباء، وكيف لا والكتب تتزاحم في منزله وسيارته ومكتبه، وحتى في “البرلمان” لم يغبّ ذلك الكتاب من يديه. –كما قال كثيرٌ ممن عرفوه واحتكوا بحياته طوال اربعين عاماً ونيف.
التعليم.. سر نجاح بافضل
حظي الفقيد بافضل، على تعليم عال ونوعي، في وقت لم يفقِ اليمنيون بعد من سطوة نظامين عمدا إلى تجهيله طوال عقود، الحكم الإمامي في الشمال، والاحتلال البريطاني في الجنوب، وانتقل بافضل من مدينة القطن، المدينة التي رأى النور فيها ودرس بها المرحلة الابتدائية، إلى مدينة (غيل باوزير) التي أكمل فيها المرحلة الإعدادية.
ولانعدام المدارس ذات الصفوف والمستويات المتقدمة في اليمن بشكل عام في تلك الفترة، فقد سافر بافضل إلى السودان امتداداً لرحلته التعليمية وتخرج فيها من الثانوية العامة في العام 1966م، ثم اختار تخصص الهندسة في جامعة الخرطوم وحصل على شهادة البكالوريوس منها في عام 1972م.
حين كانت السلطتين في اليمن ونخبتيهما الحاكمتين، تتصارعان على الحكم والسلطة، كان بافضل يُجهد نفسه في التعليم، ويحصد المؤهل تلو الآخر، حيث لم يكتفِ بشهادة البكالوريوس، بل غادر فرنسا وحصل فيها على درجة الماجستير في الهندسة الصناعية عام 1981، أعقبها نيله لدرجة الدكتوراه في نفس التخصص.
ولعل الحماس الذي كان يتمتع به الدكتور بافضل، والرغبة في خدمة بلاده، أجبراه أيضاً على أنه مثلما استفاد تعليمياً وأكاديمياً في فرنسا، فمن الضروري أيضاً أن يأخذ خبرة فيها كي يكون إضافة نوعية ليس لليمن فحسب، ولكن للشرق الأوسط بشكل عام، وهو ماحصل بالفعل حيث أنشأ في 1984 بفرنسا مكتبًا استشاريًّا للصناعة والاستثمار، ثم انتقل عام 1987 إلى المملكة العربية السعودية؛ فعمل فيها مستشارًا تجاريًّا بإحدى المؤسسات.
ثلاثون عاماً من حياته قضاها في تحصيل العلم والحصول على المؤهلات، كما تشير أعلى سيرته الذاتية، المليئة بالانجاز، نجح خلالها في الحصول على مؤهلات في تخصص كان حاملوه –حينها – يعدون بالأصابع على نطاق جغرافي واسع من الأراضي العربية، وهذا الإنجاز ربما هو الدافع الأبرز للعب الفقيد أدواراً ريادية فيما بعد.
انحيازه للمواطن.. في الحكومة والبرلمان
إلى أعلى يمين قاعة قبة البرلمان، كان يجلس بافضل، الأكاديمي الأول الذي دخل برلماناً ثلثي أعضاءه مؤهلهم (إجادة القراءة والكتابة)، إن جاز تسمية ذلك بـ”مؤهل”. وحاز ثقة ناخبيه لفترتين الأولي (1979-2003) والثانية منذ العام (2003 – إلى الآن)، كان يحتدّ الدكتور بافضل حين يكون النقاش داخل القاعة له ارتباط بحياة الناس وقضاياهم، وكان الصوت الأبرز والناطق بلسان الغالبية اليمنية العظمى التي ينتمي هو لطينتها.
ولعل ذكْرنا للبرلمان، تجاوزاً لمناصب تولاها قبيل انخراطه في السلطة التشريعية، وهي فترة قصيرة أنجز فيها بافضل الكثير، في وقت لم يُعط حقه من الأرشفة والتدوين، حيث تولى منصب مدير عام للطيران المدني، ومدير عام لمطار صنعاء، لينتقل على رأس وزارتين في الحكومة الائتلافية.
حيث تقلد منصب وزير التموين والتجارة من العام 1993 – 1995، ثم من انتقل مباشرة إلى وزارة الثروة السميكة استمر فيها إلى عام 1997.
وفي كلا المنصبين، أسهم بافضل الوزير، في استقرار العملة اليمنية وحقق أعلى نسبة إيراد في وزارة الثروة السمكية، وأسس مشاريع استثمارية عدة، منها مصانع لتعليب الأسماك وتصديرها، ساهمت في التخفيف من حدة البطالة، كما وضعت حداً لفساد مسؤولين متنفذين احتكروا هذا المجال تجاوزاً لأي معايير.
وبالعودة إلى بافضل البرلماني، وهي الفترة التي برز خلالها وذاع صيته، يتحدث الصحفيان المختصان في شؤون البرلمان اليمني نبيل عبدالرب وأنور التاج لـ«يمن مونيتور» عن النائب بافضل وأدواره في السلطة التشريعية.
“كان برلمانياً منافحاً عن النظام والقانون وسداً منيعاً لصفقات الفساد التي يُراد تمريرها عبر مؤسسة البرلمان، منتظماً في حضور الجلسات مع مشاركة وفاعلية أثناء المناقشة”. يقول الصحفيان نبيل وأنور.
ويُجمع نبيل وأنور، على تمتع الفقيد بأخلاق عالية ودعابة حتى أثناء مداخلاته، وتواضع قل أن يتواجد في بقية أعضاء مجلس النواب.
ويتذكر نبيل، وهو من أقدم الصفحيين في البرلمان، مواقف ل”بافضل” تُثبت تمكنه من طرح أفكاره وآرائه، ومن ضمنها رأيه حين طلبت الحكومة في العام 2008 من البرلمان فتح اعتماد إضافي على موازنة الدولة بمئات المليارات، وحينها اقترح بافضل إعادة تخصيص مبلغ الاعتماد بتقسيمه على المحافظات اليمنية بواقع 20 مليار ريال لكل محافظة يمنية، وقال إن تنفيذ المقترج سيحل الكثير من المشكلات التموينية في كل المدن اليمنية.
الصحفي أنور، يُقدّم توصيفاً لطريقة مداخلة بافضل أثناء الجلسات، وهي المداخلة التي كان كل النواب وهيئة رئاسة المجلس تُنصت لها بإمعان، يقول أنور “إن بافضل يبدأ حديثه رويداً رويداً ويعلو صوته إلى درجة الانفعال خصوصاً إذا كانت القضية التي يتم مناقشتها حساسة وتمس الهم الوطني.”
وتلك الشخصية التي كان يرتفع صوتها وعرفها اليمنيون حين تظهر عبر وسائل الإعلام، كانوا يُنصتون لها هم الآخرون أيضاً.
كان يرأس بافضل كتلة حزب التجمع اليمني للإصلاح، الكتلة الثانية بعد كتلة حزب المؤتمر الشعبي العام، يقول نبيل إن “بافضل كان يجمع باقتدار بين آرائه داخل القاعة وبين التزامه بخط الإصلاح وتوجهه، فيما يقول أنور إنه النائب الوحيد الذي كان يتحدث بلغة علمية عند النقاش وبلغة الحقائق والأرقام.
وفي الممارسة السياسية تقلد الفقيد مواقع هامة في حزب التجمع اليمني للإصلاح، وكان له أدوار بارزة في الأحداث السياسية التي شهدتها اليمن، ومن ضمنها انتفاضة الشباب السلمية ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح في العام 2011، وتحدث لوسائل إعلام مختلفة بثلاث لغات كان يُتقنها (العربية، والانجليزية، والفرنسية).
وعند مراجعة عدد من آرائه تلك التي كان يطرحها إبان ثورة الشباب، كان يرى بأن «مشكلتنا الحالية هي في جهل رأس الدولة علي عبدالله صالح»، معتبراً أن الحل لبناء الدولة في اليمن دولة النظام والقانون والأمن والاستقرار، هي عزل صالح عن الحكم واعتزاله للسياسية أيضاً، وهو ما اتضح صوابيه رأيه اليوم، والعالم يرقُب ماذا حصل لليمن حالياً حين تم تنفيذ الأول، فيما أُهمل الثاني وُسمح لصالح بالعمل السياسي.
الرحيل في ذروة الاحتياج
غاب بافضل عن العمل السياسي والبرلماني منذ عامين مضت، لأسباب لا تزال غامضة؛ لكنها على الأغلب ترتبط بظروفه الصحية، لكن رحيله هذا كان من الممكن معالجة أسبابه أياً كانت؛ لولا أن الرحيل النهائي الذي نزل، قطع على الجميع آمال الاستفادة منه في ذروة الحاجة إليه.
ولم يكن رحيله الأخير، خسارة تقتصر على الحزب الذي ينتمي إليه فقط، وهي حقاً كذلك عبر عنها الحزب في بيانات نعيه؛ لكنها أيضاً خسارة على وطن انهارت دولته وتضاعفت آلامه الاقتصادية، واتسعت فجوة البُعْد والجفاء بين أبناءة، وكان أحوج ما يكون إلى رجل دولة يُعيد إعمار ما هُدِم، وخبير اقتصادي يُداوي الجرْح، وحكيم يوفّق بين المُفترقين.
وقع خبر وفاة الدكتور بافضل، كالصاعقة، على كل من يعرفه، خصوصاً بعد الرسائل التي طمأنت المهتمين بصحته عقب الحادث المروري، وانهالت بيانات النعي من الأحزاب والمكونات السياسية والشخصيات البارزة، في الداخل والخارج.
وعبّر حزب الإصلاح عن ألمه وخسارته الفادحة برحيل أحد أبرز قياداته، وأصدرت فروع الحزب في كل المحافظات اليمنية وأمانته العامة ودوائره المختلفة بيانات نعي، امتدحت فيها مناقب الفقيد التي كان من أبرزها كفاءته وحفاظه على الثوابت الوطنية وأحد المنافحين عن قضايا الشعب والمقارعين للفساد.
واعتبرت تلك البيانات وفاته خسارة لرجل ذو خبرة إدارية وحنكة سياسية، ونموذج للمسؤول النزيه في السلطة، والشجاع الصادق في المعارضة.
كما أصدرت الحكومة اليمنية بياناً نعت رحيل بافضل، وعبرت عن عميق حزنها لذلك، وقالت إن الوطن خسر واحداً من رجالاته البارزين ومناضليه الشجعان، وهو أبرز الشخصيات السياسية والاقتصادية المحنكة وله ادوار ايجابية بارزة في سبيل الدفاع عن الوحدة وخدمة قضايا مجتمعه وأمته العربية والإسلامية، حسب البيان.
وشهدت الحكومة بنجاح بافضل خلال توليه المناصب الحكومية التي تقلدها، وقالت «إنه أظهر من خلالها نجاحه المعهود بكفاءة واقتدار وإخلاص ورفع اسم اليمن عالياً من خلال مشاركته في المحافل الدولية».
وما هو جدير القيام به الآن، استلهام سيرة، الطالب، والمعلم، والسياسي، والوزير والبرلماني الدكتور عبدالرحمن عبدالقادر بافضل، بعد أن ووريت جثمانه اليوم الجمعة 16 أكتوبر/تشرين الأول 2015 بعد الصلاة عليه في مكة المكرمة.