الدان الحضرمي.. تراث يمني عريق ينتظر مستقبلا عالميا
بعدما سادت شهرة فن (الدان الحضرمي) في اليمن وبلدان الجزيرة العربية خلال عقود مضت ربما يكون الوقت حان لأن تطير شهرته في الآفاق وصولا إلى العالمية عبر ضمه الى قائمة التراث الثقافي العالمي.
يمن مونيتور/ كونا:
بعدما سادت شهرة فن (الدان الحضرمي) في اليمن وبلدان الجزيرة العربية خلال عقود مضت ربما يكون الوقت حان لأن تطير شهرته في الآفاق وصولا إلى العالمية عبر ضمه الى قائمة التراث الثقافي العالمي.
وتسعى وزارة الثقافة اليمنية الى ان يحظى الدان الحضرمي الذي يعد أحد أشهر الفنون الغنائية والموسيقية في البلاد باهتمام ورعاية عالمية من خلال ضمه إلى قائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي للبشرية.
ويتعين على الوزارة اجتياز رحلة طويلة حتى إيصال ملف مقنع عن الدان الحضرمي إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).
وشكلت الوزارة ضمن تحضيراتها لإعداد الملف بهذا الصدد لجنة من المختصين في شهر ابريل الماضي لجمع وحصر كل ما يتصل بالدان في ساحل ووادي (حضرموت) ومن المقرر أن تنجز اللجنة مهمتها في أواخر يوليو 2019. وفي هذا السياق قال وزير الثقافة اليمني مروان دماج في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الثلاثاء إن الوزارة تخطط لتنظيم اجتماع لبحث ملف الدان الحضرمي في العاصمة المصرية القاهرة.
وأضاف “نسعى خلال هذا العام لإعداد ثلاثة ملفات في غاية الأهمية وتقديمها لليونسكو فإلى جانب الملف الخاص بالدان الحضرمي هناك خطط لتجهيز ملفين عن اللغة (السقطرية) واللغة (المهرية)”.
وأشار إلى أن “هدفنا النهائي هو ضم هذه المواضيع الثلاثة إلى قائمة التراث الإنساني العالمي لتسليط مزيد من الاهتمام والعناية بها بسبب ما لدى منظمة (اليونسكو) من خبرات وقدرات كبيرة جدا في تقديم الدعم الفني وغيره”.
وبين أن “مهمة حفظ التراث الفني والثقافي والتاريخي اليمني تبقى مسؤولية وطنية في المقام الاول” مضيفا “عقدنا أواخر ابريل الماضي ندوة في مدينة (سيئون) (اكبر مناطق حضرموت) وتم خلالها تشكيل لجنة من كبار المختصين لجمع وتوثيق كل ما يتعلق بالدان كما أصدرنا قرارا بإنشاء مركز توثيق التراث الفني والشعبي في مركز (باكثير) ب(سيئون)”.
وأضاف ان الوزارة ستعقد اجتماعا في القاهرة لمناقشة ملف الدان الحضرمي وإثرائه من قبل خبراء يمنيين وأجانب في فن الدان.
واشار الى ان “توثيق ألوان الفن والتراث الغنائي والموسيقي والشعبي في اليمن يحتاج إلى جهود كبيرة لما يزخر به من تعدد وتنوع”.
والدان هو منظومة فلكلورية طاغية في حضرموت تشمل الشعر والغناء والموسيقى والرقص وتصهرها في فن واحد. وللمجتمع الحضرمي تقاليد راسخة في تهيئة الحال والمكان لتأدية الدان بأجزائه الأربعة شعرا وغناء وموسيقى ورقصا سواء في الأسمار التي تغطي الساحات العامة أو في المجالس أو في باحات المنازل.
ويرتكز فن الدان على اللحن بصورة أساسية إذ يبدأ منه ثم ينتهي إلى الشعر في عملية عكسية لتلك التي يمر بها الغناء التقليدي العربي الذي يحدد فيه الشعر مسار اللحن.
وفي ورقة بعنوان (التقنيات الموسيقية في ألحان الدان) يصنف الباحث طارق باحشوان “الدان ضمن مصنف الغناء التقليدي تمييزا له عن الغناء البدائي والشعبي”.
ويعرف باحشوان الدان بأنه “قالب موسيقي محكم يتكون من عبارات وجمل لحنية على شكل مقاطع يساوي فيها كل مقطع لحني مقطعا شعريا مع استخدام لفظة (دان) قبل أن تدخل الكلمة حتى يتمكن الشعراء من استيعاب الوزن الشعري (البحر) فيقومون بتعبئة هذه المقاطع شعرا من خلال المساجلات الارتجالية الشعرية التي تتناول العديد من الموضوعات السياسية والعاطفية والاجتماعية في جلسات خاصة بذلك”.
أما الأصل اللغوي للدان فيسود الاختلاف بشأنه إذ تذهب الآراء حوله مذاهب شتى يبرز من بينها رأيان مختلفان يقول بهما فريقان من دارسي الدان وخبرائه.
ففي حين يعيد الفريق الأول أصل كلمة الدان إلى الدندنة التي تعني الكلام الخفيض الذي يسمع ولا يفهم يرى الفريق الثاني أن الدان مشتق من الدنو الذي يعني الاقتراب.
ويستحسن الباحث في الدان علي أحمد بارجاء الرأي القائل باشتقاق الدان من (الدنو) وذلك في ورقة بحثية بعنوان (الدان الحضرمي.. بحث في المصطلح اللغوي- محاولة للتأصيل) قدمها إلى ندوة ثقافية ضمن أنشطة وزارة الثقافة التحضيرية لإعداد هذا الملف.
وليس معلوما على وجه الدقة تاريخ نشأة الدان وإن كانت بحوث واستدلالات بنصوص شعرية قديمة تشير إلى ظهوره في القرن العاشر الميلادي. واشتهر من بين شعرائه عمر عبدالله بامخرمة وحداد بن حسن الكاف وحسين المحضار.
أما مطربو الدان فاشتهر منهم كثيرون أبرزهم سعيد عوض وحداد الكاف وكرامة مرسال وأبوبكر سالم بلفقيه والأخير شكل مع الشاعر الغنائي حسين المحضار أشهر ثنائي غنائي في التاريخ الحديث للدان الحضرمي.
كما يعود الى هذا الثنائي الفضل في ذيوع الدان خارج (حضرموت) واليمن بواسطة أغانيه التي ذاعت في بلدان الجزيرة العربية والبلاد العربية.
وللدان الحضرمي ألوان عدة أشهرها (الدان الغياضي) نسبة إلى (وادي غياض) المتصل ب (وادي دوعن) الشهير ويشيع أداؤه في وديان (حضرموت) وصولا إلى ساحلها الغربي و(دان الهبيش) الذي يؤدى في المناطق الساحلية الواقعة بين مدينتي (الشحر) و(المصينعة).
وهناك أيضا (الدان الشبواني) وهو دان يؤدى في سواحل (حضرموت) انطلاقا من مدينة (الشحر) التي يرجح أنها موطن نشأته. اما (دان الريض) الذي اتخذ اسمه من الطريقة التي يؤدى بها فهو يؤدى بإيقاعات وألحان بطيئة مقارنة بغيره من الدانات وينتشر في مدينتي (سيئون) و(تريم) لكنه يشذ عن غيره من الدانات في أنه يؤدى دون أن يصاحبه الرقص.
ويثير تحرك وزارة الثقافة اليمنية الساعي لإدراج الدان في قائمة التراث العالمي تطلعات اليمنيين والحضارم خصوصا لرؤية أحد فنونهم الشهيرة تحت مظلة العناية الأممية.
ومن المؤكد أن تحقيق هذا الهدف سيجعل هؤلاء المتحلقين في سواحل (حضرموت) وسهولها لغناء الدان والرقص على أنغامه أو أولئك المنطربين لسماعه في سائر اليمن أكثر طربا بالانجاز الذي سيتوج تاريخا عريقا من تراث الدان الحضرمي بتشريف عالمي مستحق.