ها أنا أحاول مرات أن أكتب وكلما حاولت الكتابة أجد ذاتي أمحو ما أكتب مثلما أتمنى أن يُمحى الحزن من الواقع. حتى على مستوى الكتابة تجد ذاتك محاصرا مخنوقا لاطاقة لك بها، هي عبء كغيرها من الوسائل التي كانت تعد وسائل نفيسة لما في الذات وإخراج للمكنونات النفسية الكامنة في اللاوعي الإنساني.
ها أنا أحاول مرات أن أكتب وكلما حاولت الكتابة أجد ذاتي أمحو ما أكتب مثلما أتمنى أن يُمحى الحزن من الواقع.
الكاتب -إن كتب وتحدث- فهو يتحدث عما يجول بخاطره، لايستطيع أن يهرب عن واقعه كثيراً، ونحن اليوم لاشيء جميل بخاطرنا لا شيئ به غير الضجيج المستمر والاضطراب الناتج عن الأحداث الجارية في الواقع من حولنا.
حتى وإن حاولنا جاهدين أن نبحث عن شيء جميل فلا نجد أنفسا إلا ونحن نغوص في عمق المأساة، لا ندري إلا وقد كتبنا وتحدثنا عن مآس كثيرة، قد لا نكون قاصدين ذكرها؛ بسبب ما نعيشه في هذا الواقع المشحون بالأسى من أقصاه إلى أقصاه.
قد يضيق القراء بنا ذرعاّ وقد يصابون بملل من القراءة فهم يحاولون أن يهربوا من الواقع الأليم إلى القراءة لعل شيئا بها يهدئ البال، كما نحاول نحن الهروب من الواقع الأليم لنصنع لذواتنا واقعا لا حزن فيه، لكنا لا نجد أنفسنا إلا غارقين بالأحزان، فالأحداث تلاحقنا كشبح بكل مكان، تصفعنا إن حاولنا أن نرسم بأقلامنا أحلاما تردينا ضحايا إذا ما فكرنا أن نبني أحلاما لمستقبل نتمنى أن يكون جميلاً يليق بمن ضحوا بأنفسهم لكي يكون كذلك.
نعلم جيدا أن الأقلام بأيدينا وأن هناك مجالاّ سيترك لنا إذا أردنا أن نكتب أشياء لا حزن بها، لكن الخيال لا يمكِّننا من ذلك لا يواتينا بكلمات؛ لهذا نحن نحس بالذنب إذا ما فرحنا نتذكر الحزن المتغلغل بالواقع من حولنا نرى الأحداث الموجعة تمر أمام أعيننا شريطا بعد آخر، نخاف أن نضحك؛ لأننا نخشى عاقبة ضحكنا ذاك؛ كيف لنا أن نسلوا والواقع كله أسى؛ لذلك نقدم اعتذارنا للقراء الذين قد ملوا من حديثنا السياسي، من حديثنا المشحون بالقهر والغضب والحزن والأسى، الذين لا يرون جديدا فيما نكتب غير ازدياد الأوجاع!
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.