في لحظات الفرح وفي ساعات الترح.. في اختلاجات المشاعر على صفحات العيون والوجوه والقلوب.. في اهتزازات المراحل وانعطافات المصائر في حياة الأفراد والشعوب.. في النصر والنكسة، والقهر والثورة.. هنا… تتجلى قيمة الصورة.
في الاعلام -اليوم- تتجلى مشاهد الحياة اليومية النابضة بأنفاس الناس والاحساس بقيمة اللحظة الفارقة بين الحلم والواقع، أو بين الذات والآخر.. أو اللحظة الكامنة بين تخلُّق الفكرة واكتمال الرحلة، في كل زمان ومكان، وفي كل حدث وحديث… للصورة موقع الصدارة.
في لحظات الفرح وفي ساعات الترح.. في اختلاجات المشاعر على صفحات العيون والوجوه والقلوب.. في اهتزازات المراحل وانعطافات المصائر في حياة الأفراد والشعوب.. في النصر والنكسة، والقهر والثورة.. هنا… تتجلى قيمة الصورة.
وتولد الصورة دائماً في الوعي والوجدان قبل العدسات والأضواء والألوان. وإذا تعطَّلت لغة الكلام، وذابت كل أشكال التعبير.. تبقى الصورة سيدة الموقف، تتحدث بلغة تتجاوز كل لغات البشر والطير والحيوان.. لغة عجزت القواميس والمعاجم عن ترجمتها… لغة فوق خطاب القلم واللسان.
…
أقترن الاعلام المعاصر كثيراً بسيادة الصورة في رقعة الخبر واطار الحدث.. تستوي في ذلك الصورة الفوتوغرافية والصورة التلفزية. وقد غدت الصورة تحصد الجوائز الرفيعة وتنال الأموال الباهظة بعد أن تقدَّمت قيمتها وأهميتها على قيمة وأهمية الخبر المنطوق أو التقرير المكتوب.
صار في الامكان نشر أو بثّ صورة واحدة تحمل استثنائية خاصة في التعبير أو الدلالة فتستعيض بها عن آلاف الكلمات. صار في مقدرة الصورة أن تتحدث -لوحدها- عن الحدث بطلاقة مطلقة. تأخَّر القلم والصوت.. وتقدَّمت العدسة والضوء.
صورة ( 1 ): المعاول تُحطّم أسطورة جدار برلين..
صورة ( 2 ): استشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدُّرَّة..
صورة ( 3 ): انهيار برجي التجارة في نيويورك..
هل يتذكَّر أحد عبارة واحدة من ملايين التقارير والمقالات والمقابلات التي انسكبت على بساط هذا الحدث أو ذاك من الأحداث الثلاثة التي تُذكّرنا بها تلك الصور سالفة الذكر؟
بالطبع لا. بالضرورة لا. قطعاً لا.
لقد حفرت الصورة -في الحالات الثلاث- عميقاً جداً في الوعي والوجدان والذاكرة، بحيث غدت أثقل من كل أطنان الكلمات التي قيلت فيها وعنها وحواليها.
كانت صورة الجدار، أو صورة الدُّرَّة، أو صورة البرجين.. هي سيدة الموقف والحدث والدلالة. واذا كنا أطلقنا -ذات لحظة بعيدة- على الصحافة صفة صاحبة الجلالة، فان الصورة اليوم هي صاحبة الجلالة والفخامة والسمو.
…
اليوم، وفي ظل جبروت الثورة الاتصالية المعلوماتية الهائلة، راحت الأقمار الصناعية تبث الصورة أولاً اثر لحيظات قليلة جداً من وقوع الحدث، بل قُل في لحظة وقوع الحدث ذاتها. ثم يأتي بعد ذلك الخبر المنطوق أو المكتوب وغيره من تعليقات وتقارير ومقابلات ومقالات. وفي حالات كثيرة ومشهودة كانت الصورة -والصورة فقط- تتسيَّد الشاشة أو الصفحة من دون أدنى حاجة إلى كتابة أو كلام من أيّ نوع وبأيّ قدر أو مساحة.
وقد خلقت جلالة الصورة وهيبتها وسطوتها -في المشهد الاعلامي المعاصر- فناً مهنياً جديداً ومتميزاً بين الفنون الصحافية كافة، هو فن “الكتابة للصورة”.. أي أن الصورة صارت سيداً يستلزم تابعاً هو الكتابة.. وليس العكس، كما كان سائداً في الماضي القريب لا البعيد، حين كانت الصورة مجرد وردة في عروة قميص القلم!
وهنا أعتذر من الكاتب الروائي والصحافي الفذّ البير كامو الذي قال يوماً إن “الصحافي مؤرخ اللحظة” لكي أُعدِّل في عبارته الشهيرة فأقول: بل المصور الصحافي هو مؤرخ اللحظة.