بعد أن حظينا جميعا حتى اللحظة بفرصة رؤية إيران الجديدة، التي أصبحت طرفا في تغيير وجه المنطقة العربية وبالتحديد في سوريا، بفضل الاتفاق الذي توصلت إليه مع دول 5+1 بشأن برنامجها النووي، والذي تم التفاوض حوله لسنوات طويلة، كيف باتت تؤثر في الوضع في سوريا، وبرضا الكثير من الدول الكبرى، التي تتهافت مؤخرا على سوريا الفريسة المنهكة والمحطمة، إذ أصبحت تلك الدول تتعامل مع إيران كطرف قوي له الكلمة، وشريك حقيقي وفاعل في حل القضايا العالقة في المنطقة، وهذا الحدث يعيد إلى الأذهان صورة وزير الخارجية الإيرانية محمد ظريف وهو يضحك، عقب الاتفاق الذي تم التوصل إليه.
بعد أن حظينا جميعا حتى اللحظة بفرصة رؤية إيران الجديدة، التي أصبحت طرفا في تغيير وجه المنطقة العربية وبالتحديد في سوريا، بفضل الاتفاق الذي توصلت إليه مع دول 5+1 بشأن برنامجها النووي، والذي تم التفاوض حوله لسنوات طويلة، كيف باتت تؤثر في الوضع في سوريا، وبرضا الكثير من الدول الكبرى، التي تتهافت مؤخرا على سوريا الفريسة المنهكة والمحطمة، إذ أصبحت تلك الدول تتعامل مع إيران كطرف قوي له الكلمة، وشريك حقيقي وفاعل في حل القضايا العالقة في المنطقة، وهذا الحدث يعيد إلى الأذهان صورة وزير الخارجية الإيرانية محمد ظريف وهو يضحك، عقب الاتفاق الذي تم التوصل إليه.
فمقابل أن تصبح إيران الابن المُطيع لأمريكا، ها هي تسعى للتقرب إلى تلك الدولة التي يعد الإرهاب هاجسها الأول، بعد تعرضها للهجوم الأعنف من قبل القاعدة العسكرية التي أصبحت تعرف بتنظيم القاعدة في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، ومن المؤكد أن أمريكا وحتى روسيا اللاعبان الأبرز في المنطقة، لن تسمحا لإيران أن تدخل في صراع حقيقي مع دول الخليج، على الأقل في الوقت الراهن ريثما تثبت أقدامها في سوريا، وهذا ما سترضخ له إيران، التي تحاول أن تكون الابن المطيع، حتى يمكنها بسط يدها التدريجي حتى تصل إلى ما تريد، وبدون أن تغضب الحلفاء، ولن يتوقف الأمر عند حد التطبيع فقط، وستقوى شوكتها بعد أن يتحسن أكثر وضعها السياسي ووضعها الاقتصادي بعد رفع العقوبات، وستظل واقعة تحت العين الصديقة الأمريكية دوما، فيما ستسعى مع روسيا الند الأقوى للأمريكيين جنبا إلى جنب، لتحقيق مشاريع كل طرف، ورعاية مصالح كل طرف للآخر بطريقة أو بأخرى.
وشاهدنا الحملة الإعلامية الكبيرة التي تم توفيرها لتنظيم داعش بداية الذي تحول إلى اسم تنظيم الدولة الإسلامية، تلك الحملات في جميع وسائل الاتصال كانت منذ بداية نشاط التنظيم العلني، ومن المؤكد أنه كان الورقة التي تم صناعتها صناعة وعلى وجه الخصوص في سوريا، وإن لم يكن كذلك فلقد تم تغذية ذلك التنظيم وإعطائه أكبر من حجمه، وسط تعتيم إخباري وخلط للأوراق وخلق فوضى خلاقة، لتتوفر لإيران وروسيا الفرصة للتدخل في سوريا وفي العراق عما قريب، وهذا ما تشير إليه تصريحات المسئولين العراقيين كحيدر العبادي أو الإيرانيين وغيرهم، وسيمضي أولئك في تدمير ما تبقى من سوريا في صراع لا أخلاقي غوغائي سيقحمون فيه تركيا بأي شكل، ويثيرون دول الخليج أكثر، وأن تصبحا تلك الدولتان( روسيا وإيران) التي التقت مصالحهما جزءا من الحل السياسي هناك، ولهما الحصة الأكبر، هذا الأمر كان يخطط له وهناك رضا كبير من قبل دول أخرى، إذ أن تدخل روسيا العسكري في سوريا بهذا الشكل الكارثي، لم يحدث إلا بعد لقاءات مكثفة جمعت بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن تصريحات بعض المسئولين الأمريكيين وحلف النيتو أو فرنسا التي بدأت بالنشاط الفعلي وبقوة في الملف السوري مؤخرا، إضافة إلى الحملات الإعلامية التي قامت بها المواقع الروسية ضد أمريكا والتي حملت طابع التحدي أو إثارة المخاوف، والتي قوبلت كذلك بحملات مشابهة في وسائل الإعلام الأمريكية، قد يؤكد على وجود خلاف حقيقي بين روسيا التي بدأت تحلم باستعادة أمجادها، وتساوم أمريكا خاصة بشأن الدرع الصاروخية التي تواصل الولايات المتحدة الأمريكية نشرها، وبين أمريكا على الرغم من التصريحات الودية التي سمعناها منهما عقب لقاءاتهما، أو أن الاعتراض الأمريكي سيظل إعلاميا فقط، ولن تعقبه أي ردة فعل على أرض الواقع، إلا من قبل الحلفاء الأوروبيين بشكل ستتكفل الأشهر المقبلة في الكشف عنه إن حدث، وهذا سيكون نوعا من الصراعات التي لا تفسد للود قضية بين تلك الدول التي تجمعها المصالح ولا شيء غير ذلك، خاصة إذا ما التقت تلك المصالح في مربع محاربة التطرف، ويؤكده كذلك حديث وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إذ تحدث في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي بلهجة مُتراخية حين قال: “إن الدعم العسكري الروسي للرئيس السوري بشار الأسد قد يثير خطر حدوث مواجهة مع قوات التحالف التي تقاتل تنظيم داعش الإرهابي هناك”، وقال كذلك الرئيس اوباما في الثالث من الشهر الجاري بأن نظيره الروسي “لا يفرق بين تنظيم الدولة الإسلامية والمعارضة السنية المعتدلة “، وبأن” سوريا لن تتحول الى ساحة حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا بسبب اختلاف المواقف بين البلدين حول الحرب الأهلية في سوريا” هكذا قال ببساطة، وهكذا يعطى الضوء الأخضر للقتل، وكذلك رغبة أمريكا في عدم استفزاز الروس، وربما عمل مقايضة لتنفذ مشروع نشر الدرع الصاروخية في أوروبا، في الوقت الذي ما زالت روسيا تحاول تطوير أسلحة لمقاومة لتلك الدرع، وتفوق قدرتها.
إن ما يحدث الآن يعيد إلى الواجهة خطاب أوباما بعد الاتفاق النووي مع إيران حين قال:” إن الاتفاق الذي توصلت إليه القوى الغربية وإيران بشأن برنامج طهران النووي سيجعل العالم أكثر أمنا” ولكن للأسف لم يقل أقل صراعا، وكذلك قوله:” أن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع دول مجلس التعاون الخليجي، وفقا لنتائج قمة كامب ديفيد، من أجل دعم الشراكة معهم، وتعزيز قدراتهم لمواجهة التهديدات التي تمثلها إيران والجماعات الإرهابية مثل تنظيم “داعش” الإرهابي”، والذي لم نرَ شيئا منه حتى اللحظة، بل على العكس من ذلك، إذ باتت صانعة الإرهاب إيران تصنعه حيث تريد وهي من تحاربه.
مجمل هذه الأمور تنعكس بشكل أو بآخر على تواجد إيران في اليمن، التي تبين حتى اللحظة بأنها استخدمت الحوثيين كورقة من أوراقها الكثيرة للضغط على المعارضين لاتفاقها النووي، الذي أعطاها هذه المكانة التي بدأنا نلاحظها كمرحلة أولى، وستمتد يدها عما قريب لتبسطها كما يحلو لها تحت ذريعة محاربة التطرف سواء في العراق أو غيرها، وكان الرئيس حسن روحاني بعد التوصل إلا الاتفاق النووي قد قال بأن” إيران ستكون القوة الرئيسية في مكافحة الإرهاب في المنطقة”، الإرهاب الذي لن يستثني أحدا بالطبع، وسيكفي أن تشعر إيران أو الغرب بالإرهاب أو بالتطرف لتأتي وتكافحه، وجاء كذلك على لسان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في 14- 7- 2015″ بأن الاتفاق مع إيران يزيل العوائق أمام تشكيل تحالف واسع لمواجهة داعش”.
هذا الأمر يجعلنا نبحث عن الفرص المتبقية التي يمكن أن تقوم بها إيران في اليمن، لتتمكن من الخليج الحلم بالنسبة لها، يبدو بأن إيران ستلعب على وتر الإرهاب كما فعلت في سوريا، وكانت الكارثة بالفعل هناك وفي العراق، وسيدعم ذلك وكلاءها الحوثيين، وحليفهم صالح الذي ما ترك شيئا في البلد إلا وانتقم منه، وما يحدث في سوريا للأسد يغري المخلوع صالح، ويجعله يصبح إيرانيا أكثر من الإيرانيين أنفسهم، ويصر على القتال حتى آخر لحظة، وإن كنا جميعا ندرك أن جزءا كبيرا من ملفات الإرهاب مجرد صناعة أو تغذية للتطرف، إلا أنه في النهاية يؤتي أكله، وقد شاهدنا سوريا تسقط أخيرا, وعليه يجب الحذر وعدم السماح بتكرار ذلك السيناريو، وإن كان يبدو احتمال وقوع ذلك صعبا، إذ لا تواجد كبير لتلك العناصر المتطرفة التي يتم تصنيعها إن اقتضت الضرورة، وإن كانت على شاكلة تنظيم الدولة، الذي لا يتفق معه ملايين المسلمين حول العالم، إلا أن صناعة الإرهاب باتت تأتي من العدم وبدأت تتشكل له ملامح هنا وهناك في اليمن، وهو الأمر الذي يجعلنا لا نغفل أي محاولة لتغذية تلك الورقة بأي شكل، لأن العواقب ستكون وخيمة، وما يحدث في سوريا يبدو بأنه يغري صالح وسيقاوم حتى النهاية هو وأعوانه، وسيقوم بتصنيع إرهاب آلي إن أمكن ذلك.
الأمر الثاني يمكن لإيران أن تلعب على عامل الوقت، ففي الوقت الذي أصبحت فيه منشغلة كثيرا بالفريسة السورية والتحضير للفريسة العراقية، فهي ستعمل على تأجيل أي تحرك جدي من قبل الغرب، للمساعدة في التوصل إلى تسوية سياسية، مالم تكن دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية جادات في القضاء تماما على المليشيات في اليمن، وهو ما سيكلف الجميع كثيرا، خاصة في معركة صنعاء وصعدة التي يتوغل الحوثيون فيها بقوة، وخلال الوقت الذي ستكسبه ستحرص إيران على الضغط للخروج بتسوية تضمن لوكلائها قدرا كبيرا من السلطة، بحيث لا تذهب كل جهودها التي قامت بها منذ أكثر من عقدين في اليمن، في سبيل تغذية طموحاتها وتحقيقها، وهذا يدفعنا للتساؤل حول شكل الحوار الذي يحث عليه العديد من الأطراف، وتأكيد الرئيس هادي على رفع العلم في مران، مقابل التعنت الحوثي، والذين لن يقبلوا بالقليل أبدا.
وأمام التحرك الإيراني والغربي في المنطقة، فهل ستؤتي أكلها خطابات الترضية الهزلية التي ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية تتبعها، بتأكيدها- مثلا- على ضرورة أن تكون السعودية وغيرها جزءا من الحل السياسي في سوريا، إضافة بالطبع إلى إيران الدولة التي لا تلتقي والسعودية، ولا تتوقف أطماعها، فإن لم تحشر إيران أنفها مباشرة فهي على الأقل تعمل على خلق بلبلة وفتح أبواب للصراع ثم تعمل على تغذية تلك الصراعات تحقيقا لمصالحها وحلفائها التي تسعى لتوثيق علاقاتها معهم، وهو ما حدث في اليمن، وعلى ما يبدو فإن خطابات الترضية لم تعد تلقى قبولا من قبل دول الخليج بعد أن شاهدوا التحرك الروسي والإيراني في سوريا، وتزامن ذلك مع تقديم البحرين عن طريق وزير خارجيتها الشيخ خالد آل خليفة شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة ضد إيران وانتهاكاتها السافرة واستمرار تدخلها المرفوض في الشأن الداخلي لمملكة البحرين، التي تلتزم التزاما تاما بمبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل كما جاء على لسانه، وتزامن كذلك مع طرد اليمن سفير إيران، وسحب القائم بأعمال السفارة اليمنية في طهران، وإغلاق البعثة الدبلوماسية الإيرانية في اليمن، وهي خطوة تصعيدية مهمة للغاية.
ويبدو بأن الضغوطات التي تمارسها إيران تثمر، وقد وثقت علاقتها مع أعدائها المزعومين أمريكا والاحتلال الصهيوني ووثقت علاقاتها مع روسيا، وبهكذا أصبحت أمريكا تدير ظهرها لدول الخليج، وأصبح حدوث تقارب إيراني روسي بات مستحيلا بعد أن خاضت الحرب روسيا إلى جانب قاتل السوريين بشار الأسد.
إيران تمارس ضغوطات لتحقيق مصالحها والوصول إلى أهدافها، ودول الخليج وفي مقدمتها السعودية تضغط في الملف اليمني لتؤكد على عبث إيران، ولتؤكد لإيران بأنها لن تصمت إزاء تحرشها المستمر بدول الخليج، حتى وإن لم يُرضي ذلك حلفاءها.
إيران ستلعب على عامل الوقت، وستبحث عن أوراق جديدة وأشد خطورة إن استمر الوضع في اليمن كما هو عليه الآن، ويبدو بأن الدول الكبرى والأمم المتحدة ما زال الملف اليمني ليس من أولوياتها، وإن ظل الصراع والقتل، طالما أن مصالحها لم تتأثر، وما لم تحافظ الدول العربية على استقرارها فدول أكبر، ستأتي وستتدخل لتستقر المنطقة كما سيقولون، أو ليبقى الصراع والقتال أبدا طالما أنه لا يتعارض ومصالحهم، التي تضطر الآن دول الخليج ودول أخرى إلى رعايتها لأنها الطرف الأضعف، ولأنا لا نصحو إلا متأخرين.
إن تطور الأمر أكثر فالحرب القادمة حرب طائفية حرب تتزعمها إيران الشيعية، وحرب تتزعمها المملكة العربية السعودية السنية، وبهكذا تكون إيران قد نجحت في تفتييت المنطقة أكثر وأكثر، في ظل وجود بوادر تقارب مصري روسي وإيراني، وستكون إيران في موضع الهجوم، أما دول الخليج ففي وضع المدافع، دول الخليج التي استهانت بالأمر كثيرا منذ بدايته، وأصبح تحركها لتنقذ نفسها متأخرا جدا.